نفوذ متقلص: دور جماعة الإخوان المسلمين في الصراع السوري (آرون لوند)

 

آرون لوند*

عرض: نسرين جاويش**

تُعد جماعة الإخوان المسلمين السورية هى المعارض الأقوى لنظام بشار الأسد منذ اندلاع الثورة فى مارس 2011، وتحاول قيادتها اليوم التأثير فى الثورة الشبابية بسوريا من خلال محاولاتها الدءوب والمستمرة لبسط سيطرتها على المعارضة السورية فى الداخل والخارج، إلا أن صعود السلفية المُتشددة هو العائق الحالى أمام هذا الفصيل للسيطرة على مقاليد الأمور. بهذة المقدمة، يستهل أرون لوند دراسته المنشورة في مؤسسة كارنيجي مؤخرا (الصراع من أجل التكيف: جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الجديدة) عن الجهود المبذولة من قبل هذا الفصيل للسيطرة على مقاليد الأمور، وتصدر المشهد السياسى السورى، مؤكداً أن العائق الأساسى فى ترسيخ جماعة الإخوان المسلمين ذاتها فى التمرد القائم فى سوريا هو وجودها فى المنفى، وممارستها لنفوذها داخل الأراضى السورية من خلال شبكة من التحالفات غير الرسمية مع شخصيات إسلامية وقادة الثوار عبر الروابط الأسرية والمنظمات الخيرية المستقلة.

ولكن ما يُعيق تقدم الجماعة حدوث حالة من الانقسامات الداخلية. وبالانتقال للمستوى الخارجى، يؤكد لوند أن صعود الجماعات السلفية المتشددة وتشكيكها فى أيديولوجية الإخوان المسلمين المُعتدلة نسبياً هو العائق الأكبر فى طريق الجماعة لترسيخ نفسها من خلال الشباب.ويستطرد أنه منذ اندلاع الثورة السورية فى مارس 2011، لم تحظ أى جماعة معارضة أو فصيل معارض لنظام الأسد بهذا القدر من الاهتمام وتسليط الضوء عليه كما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين. وعليه، يرى لوند من الأهمية بمكان ضرورة تسليط الضوء على هذه الجماعة، أو كما يُطلق عليها الحركة السرية، واستعراض تاريخها، ونشأتها، وكيفية تأثيرها فى مسار الأحداث فى الأراضى السورية من المنفى وشبكة التحالفات غير الرسمية التى تعمل من خلالها، لينتقل بعد ذلك إلى استعراض صراعها مع السلفية الجهادية للتوصل إلى تحديد القوة الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين كطرف فاعل فى أحداث الثورة السورية.

يستهل لوند تحليله بتأكيد حقيقة مفادها "أن جماعة الإخوان المسلمين السورية ليست بالقوة كما يُعتَقَد عموماً، إلا أنها تبقى طرفاً فاعلاً أساسياً في الأحداث السورية، وجماعة الإخوان تحاول الابتعاد عن التطرف، على الرغم من طموحاتها النظرية، وسجلها الحافل بالعنف الطائفي، فهى تروج لنهج إسلامي معتدل، وتسعى إلى مراعاة المخاوف المتعلقة بأيديولوجيتها. ويقاتل عدد من المجموعات المسلحة المرتبطة بالجماعة في سوريا، وترفض قيادة الجماعة أن تقر بأنها تمتلك فصيلا مسلحاً. والمنظمة اليوم إما تسيطر على عشرات الوحدات شبه العسكرية الصغيرة داخل سوريا، وإما ترعاها".

الإخوان المسلمون ما بين المنفى والاستبعاد

يستعرض لوند فى البداية نشأة الجماعة فى أوائل الثمانينيات من القرن المُنصرم، وكيفية التخلص منها بالكامل فى الأراضى السورية، وبقاءها فى المنفى، ليبقى الفصيل المنشق فقط بالداخل لما يقرب من ثلاثين عاماً مع انشغال هذا الفصيل بالنزاعات الداخلية القائمة على أسس طائفية وشخصية. وعليه، فشلت الجماعة فى تجديد صفوفها، أو إعادة تأسيس نفسها داخل سوريا، وهو ما جعلها جماعة مهترئة فى الداخل. ويبدو ذلك جلياً من عدم قدرة زعيم الجماعة الحالى "محمد رياض الشقفة" على السيطرة تماماً على اتباع سلفه "على صدر الدين البيانونى". وعلى الرغم من سعيها الدءوب لجعل نفوذها أمراً محسوساً من خلال تأسيسها للمجلس الوطنى السورى فى أكتوبر 2011 فى اسطنبول، وبقائه كأهم الأطراف المعارضة فى المنفى حتى نوفمبر 2012؛ فإنها لا تزال تعانى ضعف تأثيرها بداخل الأراضى السورية، نتيجة فشل محاولاتها الحثيثة للتواصل مع الناشطين والمقاتلين الشباب، فزخم الثورة أقوى منها، بالإضافة إلى اتجاه المتدينين المحافظين فى الريف للجماعات السلفية المسلحة-التى نشأت حديثاً- بحسبانها العنصر الفاعل القوى على الأرض فى الوقت الحالى.

دفع ذلك الجماعة لمحاولة التواصل مع الداخل السورى من خلال استخدام وسيلة الدعم المالى لاستمالة الجماعات الإسلامية الثورية، التى يقف أمام تقدمها نقص التمويل. ولكن لوند يؤكد أنه بالرغم من فطنة الجماعة فى استخدام عنصر التمويل لمساندة ومؤازرة الحركات الداخلية، فإن هذه الاستراتيجية كانت ذات تأثير محدود حتى الوقت الحالى، خاصة مع ما يقابله من صعود سريع، وبخطى ثابتة للسلفية فى الداخل السورى.

ويُشير لوند إلى أنه على الرغم من محدودية تأثيرها فى الداخل السورى، فإنها تتميز بكونها لاعبا سياسيا منضبطا وفعالا، ولا تزال قوة مؤثرة فى مجتمع الشتات، ولكنها تفتقر إلى القوة البشرية والسلطة داخل سوريا، وكذلك يواجهها خطر إذا ما تخلى المجتمع الدولى عن تأييد ودعم تحالفات المجلس الوطنى السورى، والائتلاف الوطنى، فإن استثماراتها فى هذه القيادات ستكون بدون طائل أو فائدة.

ويستطرد لوند بتأكيد أنه من الناحية النظرية، تتصف جماعة الإخوان بكونها تنظيما شبه ديمقراطي، ولو أنه مركزي إلى حدّ كبير، فيه مؤسّسات محدّدة وانتخابات. لكن، من الناحية العملية، كثيراً ما شوّه الاقتتال الداخلي والقمع السياسي حسن سير عمل هذا النظام. فالجماعة سرّية للغاية، وتعمل بشكل روتيني عبر تنظيمات أخرى تُستخدم كواجهة، وتستخدم وسائل غير رسمية، بالاعتماد على دعم المجتمع الإخواني الدولى الأوسع خارج سوريا.

ويؤكد لوند أن "ثقافة السرية" هى ما ساعد على بقاء جماعة الإخوان المسلمين على قيد الحياة على مدى ستة عقود من السياسة السورية، ومن هنا تأتى براعتها فى فن السياسة غير الرسمية، والسعى لحشد الأشخاص من غير الأعضاء لصالح قضاياها، بينما تبقى هى بمثابة القوة غير المرئية فى الخلفية، ولكن من الممكن أيضاً التعرف على إذا ما كان أشخاص بعينهم ضمن الجماعة من عدمه بتعبير لوند المُقتبس عن أحد السوريين الذى واجه الإخوان إبان العمليات المسلحة بقوله (عندما يكون هناك مشروع، فإنهم يعبّرون دائماً عن خطّهم الرسمي، فتسمع الرسالة نفسها من كل هؤلاء الأفراد، حتى عندما يقولون إنهم ليسوا أعضاء في جماعة الإخوان. في بعض الأحيان، يمكنك أن تعرف أن شخصاً ما عضو في جماعة الإخوان فقط، لأنك تدرك ما يقوله من خلال ما كنت قد سمعت أعضاء الجماعة يقولونه في وقت سابق).

ويُدلل لوند بذلك على قوة التنظيم وارتباطه، وكذلك قدرته على العمل من خلال جماعات ومؤسسات أخرى كواجهة له. ويُشير لوند فى هذا السياق إلى منظمة "وطن" الجديدة نسبياً، والمُسجلة بالمملكة المتحدة، على أنها من الممكن أن تكون إحدى الواجهات الجديدة لجماعة الإخوان السورية. حيث تخدم مثل هذه الجماعات أغراضاً محدّدة بشكل مستقلّ عن جماعة الإخوان المسلمين، لكن أيديولوجيتها المشتركة وعضويتها تسمحان لها بتبادل الموارد، ودعم بعضها بعضاً في المحافل الكبيرة.

تمكّنت جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من الانقسامات الداخلية والانشقاقات، من الاستفادة من حضورها القوي في مجتمع اللاجئين السوريين، وصلاتها مع الدول المؤيّدة للمعارضة مثل تركيا وقطر، للحصول على دور محوري في التحالفات البارزة لمعارضة المنفى، بما في ذلك المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني. وتنبع نجاحاتها من المرونة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والطبيعة الضعيفة وغير المنظّمة للجماعات العلمانية والإسلامية المنافسة في الشتات.

الإخوان المسلمون وتحالفات للمعارضة

ينتقل لوند فى الجزء الثانى من تحليله لجماعة الإخوان المُسلمين السورية إلى قدرتها على تشكيل تحالفات للمعارضة، فى الوقت الذى يبزغ فيه نجم السلفية الجهادية ومواجهتها للجماعة، ليؤكد أن اندلاع الثورة السورية خلق مجموعة من التحديات والفرص للجماعة التى كانت إبان اندلاع الثورة لا توجد داخل الأراضى السورية سوى بأعداد قليلة، ولكن العدد الأكبر كان فى المنفى، وهو ما نتج عنه أن تتسم استراتيجيتها بكونها تفاعلية، والاستجابة لرد الفعل، وهو ما يعكس حقيقة مهمة، مفادها "افتقار الجماعة للسيطرة على الأحداث على الأرض".ومن ثم، كان لزاماً عليها العمل مع العديد من جماعات المعارضة المختلفة فى محاولة منها لاستمالة أكبر عدد ممكن من هذه الجماعات، وكذا استمالة صناع السياسة الغربيين والعرب لصالح تأييدهم. واتبعت فى ذلك عدة مناح متلازمة على النحو التالى:
– إطلاق العنان للموالين لها للانخراط في الحركة الثورية المتنامية، وتأييدها لبعض مؤتمرات معارضة المنفى في ربيع وصيف عام 2011، كما لعب النشطاء المرتبطون بجماعة الإخوان دوراً رائداً في إنشاء شبكات إعلامية مؤثّرة.
– أيديولوجياً، التزمت جماعة الإخوان حتى الآن برسالة إسلامية معتدلة، على الرغم من اللهجة الطائفية والراديكالية المتزايدة للخطاب الثوري في سوريا. وعلى امتداد الانتفاضة، حاولت جماعة الإخوان على الدوام تأكيد اعتدالها، وتسامحها، وبراجماتيتها لطمأنة حلفاء المعارضة والحكومات الأجنبية والأقليّات الدينية في سوريا.
– امتنعت جماعة الإخوان عن الدعوة إلى استقالة بشار الأسد إلى أن اتّضح تماماً أن الشارع الثوري السنّي لا يطالب بما هو أقلّ من تغيير النظام من الجذو. وبدلاً من الدعوة إلى قيام دولة دينية إسلامية، روّجت الجماعة لمفهوم غامض عن "الدولة المدنية".
– قيامها فى مارس 2012 بإصدار برنامج سياسي يدعم حقوق الأقليّات والديمقراطية التعدّدية، والذى لقي قبولاً واستحساناً من المعارضة والعواصم الغربية.

ويستعرض لوند أهم التحالفات التى سعت إليها الجماعة، والمتمثلة فى "مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا"، التى أُنشئت فى أوائل عام 2011 من قبل مجموعة من أعضاء جماعة الإخوان الشباب المرتبطة بفصيل حلب، وكانت المجموعة بقيادة أحمد رمضان، وهو رجل أعمال غير معروف، وناشط مؤيّد للفلسطينيين. وضمّت قائمة الأعضاء المؤسّسين أيضاً الحليف المقرّب من البيانوني، عبيدة نحاس. وفى الوقت الذى ترددت فيه قيادة الإخوان في بدايات الثورة بالعمل العلنى، مضت مجموعة العمل الوطني على الفور إلى بناء التحالفات. وقد لعبت دوراً رائداً في إنشاء المجلس الوطني السوري في أيلول/سبتمبر 2011، وانتخب أحمد رمضان لعضوية المكتب التنفيذي في المجلس، وسرعان ما صار واحداً من أعضائه الأكثر نفوذاً.

يعقب ذلك، وتحديداً فى سبتمبر 2011 ، دعوة قيادة الجماعة إلى اجتماع نادر موسّع لمجلس الشورى لتقرير ما إذا كان التنظيم سيدخل في عضوية المجلس الوطني السوري، أو الانضمام إلى مشروع وحدة منافس، جنباً إلى جنب مع جماعات المعارضة العلمانية اليسارية في قطر، وقد اختارت جماعة الإخوان المجلس الوطني السوري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً يوم 8 أكتوبر 2011، للإعلان عن هيكله النهائي وقيادته.
وقد حاولت الجماعة جاهدة البقاء بعيداً عن الأضواء، وهو الأمر الذي حافظت عليه طوال الثورة، حتى بعد انضمامها إلى المجلس الوطني السوري. وبدلاً من طرح مرشحها، أيّدت الجماعة سلسلة من اليساريين العلمانيين لتولّي منصب رئيس المجلس الوطني السوري: برهان غليون (أكتوبر 2011 إلى مايو 2012)، وعبدالباسط سيدا (مايو – نوفمبر 2012)، وجورج صبرا (منذ نوفمبر 2012).

وعلى الرغم من ذلك، وكما يؤكده لوند، فقد استغلّت جماعة الإخوان الشبكات الخاصة بها لتعزيز المجلس الوطني السوري. وساعدت، من بين أمور أخرى، في ترتيب المؤتمرات الدينية والفتاوى لصالح المجلس، وروّجت للجماعة من خلال قنواتها الإعلامية، وتنظيمات الواجهة، وأثبتت شبكة الاخوان المسلمين العالمية أنها ذات فائدة كذلك. فقد كان التأثير الإخواني واضحاً في الموقف القوي المؤيّد للمجلس الوطني السوري الذي اتّخذته قطر، حيث برزت فى السنوات الأخيرة ، بحسبانها الراعي الرئيس لحركة الإخوان الدولية، وتيسيرها لحصول جماعة الإخوان على تبرع بمبلغ 20 مليون دولار من الحكومة الليبية في خريف عام 2012 ، وهو ما يمثّل نصف التدفقات النقدية المتراكمة الخاصة بالمجلس الوطني منذ إنشائه.

وكان الشخص الذي وقّع القرار هو الليبي مصطفى أبو شاغور، الذي صادف في ذلك الوقت أنه كان مرشّح جماعة الإخوان المسلمين الليبية لمنصب رئيس الوزراء. وفي نوفمبر 2012، أعيد تشكيل المجلس الوطني السوري وتوسيعه ليضم أكثر من 400 عضو. وقد عزّزت الانتخابات الداخلية التي عقدت في الدوحة هيمنة الإسلاميين في الأمانة العامة للمجلس الوطني، وفي المجلس التنفيذي. وانتُخِب المسيحي الماركسي جورج صبرا رئيساً للمجلس، لكنه يملك سلطة مستقلّة محدودة، كما انتُخِب محمد فاروق طيفور، من جماعة الإخوان المسلمين، نائباً له.

وبعد انتخابات الدوحة مباشرة، وافق المجلس الوطني السوري على مضض على الدخول في تحالف آخر، هو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. تأسّس الائتلاف الوطني بعد ضغوط مكثّفة من قطر والولايات المتحدة، اللتين كانتا قد فقدتا ثقتهما بالمجلس الوطني، ورغبتا في إعادة هيكلة قيادة المنفى لتمهيد الطريق لتشكيل حكومة في المنفى. ويبدو واضحاً أن بعض مخاوف الولايات المتحدة بشأن المجلس الوطني تركّزت على النفوذ الكبير جداً لجماعة الإخوان المسلمين.

مأزق السلفية الجهادية
ويستطرد لوند مُشيراً إلى أن الخطر الأكبر الذى يواجه الجماعة يتمثل فى بروز الجماعات الإسلامية السلفية على نحو متزايد داخل حركة التمرّد السورية منذ بداية الانتفاضة. إذ يساعد هذه الجماعات مموّلون أقوياء في الخليج، والبيئة الطائفية المستقطبة بصورة حادّة في سوريا، فضلاً عن ضعف قوى المعارضة الأخرى. ويشير ناشط سوري مقرّب من الحركة الإخوانية إلى أنه في حين استغلّ مثيرو القلاقل السلفيون بفارغ الصبر المدّ المتصاعد للاستياء السنّي، فإن الهيكل النخبوي والسرّي لجماعة الإخوان يمنعه من التحوّل إلى حركة جماهيرية ثورية. ويقول: "الإخوان ينتخبون الأعضاء في الجماعة، لكنهم لا يَدَعون الآخرين يأتون إليهم. ولكي تصبح عضواً في الجماعة، فإن العملية طويلة، وقد تستغرق سنوات عدة.. أما الجماعات السلفية فهي مختلفة، تتسكّع بضعة أشهر، وبعد ذلك تصبح عضواً، بيد أن لدى جماعة الإخوان المسلمين معايير أعلى".

وبسبب عدم وجود خيارات أفضل، اختارت جماعة الإخوان العمل مع بعض الحركات السلفية الجديدة داخل سوريا، في محاولة لاستمالتها، أو الاستفادة من قوتها المتنامية. ومع ذلك، نأت الجماعة بنفسها عن الفصائل الأكثر تشدّداً، أي ما يسمى (السلفية الجهادية)، وهذا يتعلّق خاصة بجبهة النصرة، التي صنّفتها حكومة الولايات المتحدة كياناً إرهابياً في ديسمبر 2012 ، وبايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أبريل 2013.

يرجع جزئياً إلى أن جماعة الإخوان حريصة على تجنّب تعريض صورتها المعتدلة للخطر، أو استعداء الغرب. لكنه يرجع، جزئياً أيضاً، إلى أن جماعة الإخوان تتصور أعضاء جبهة النصرة كمنافسين خطرين ومتطرّفين. والجماعات السلفية الجهادية عموماً معادية جداً لجماعة الإخوان. وعلى الرغم من ذلك، فإن مقاتلى جبهة النصرة الأكفاء يحظون بشعبية متزايدة بين صفوف المقاتلين الإسلاميين.هذه الحقيقة لم تغب عن ذهن جماعة الإخوان. وعلى غرار معظم المعارضة السورية، بمن في ذلك العديد من العلمانيين، برزت جماعة الإخوان للدفاع عن الجهاديين في مواجهة وصف الولايات المتحدة لهم بالإرهاب. هذا، وقد شارك أعضاء جماعة الإخوان السورية في تمويل حركة أحرار الشام الإسلامية (سابقاً كتائب أحرار الشام)، وهي مجموعة سلفية أقلّ تطرّفاً تسيطر على الجبهة الإسلامية السورية، وهي تحالف إسلامي كبير.

استخلاصات ختامية
ويُنهى آرون لوند دراسته بتأكيد عدة حقائق مترابطة، مفادها:

– إن جماعة الإخوان أبعد ما تكون عن كونها القوة المهيمنة التي يتصورها المتمردون، وأنصار النظام والمحلّلون الأجانب على حد سواء. ولكن نظراً إلى مهاراتها السياسية التي أثبتت جدواها، وقدرتها على التكيّف مع الظروف المتغيّرة، فمن المؤكد تقريباً أن تظل طرفاً فاعلاً في السياسة السورية لسنوات مقبلة.
– إن إخفاقات الآخرين أفادت الجماعة. ويعود السبب الحقيقي للنجاح الذي حقّقته الجماعة في المنفى إلى الإرباك الهائل الذي تعانيه باقي المعارضة. وما دامت الأطراف المنافِسة عاجزة عن تنظيم نفسها، فستكون جماعة الإخوان هى الفائزة في غياب البدائل.
– تحاول الجماعة الابتعاد عن التطرّف. وعلى الرغم من طموحاتها النظرية، وسجّلها الحافل بالعنف الطائفي، فإنها تروّج لنهج إسلامي معتدل، وتسعى إلى مراعاة المخاوف المتعلّقة بأيديولوجيتها. ومنذ عام 2011، تعاونت مع المجموعات العلمانية من دون انقطاع، ونادت بالديمقراطية القائمة على تعدّد الأحزاب، وعملت من خلال أطر المعارضة الرئيسة، مثل المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والجيش السوري الحر.


*صحفى  سويدى، خبير متخصص فى شئون الشرق الأوسط
**باحثة في العلوم السياسية


مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى