نقص الدولار يضغط على «المركزي» المصري
تترقب الأوساط الاقتصادية المصرية حالياً تطور سعر الدولار، بعد إجراءات البنك المركزي برفع سعره رسمياً في البنوك 10 قروش ليصل إلى 7.93 جنيه للمبيع بدلاً من 7.83 جنيه، في ظل شح الموارد بالدولار وسعي الحكومة إلى الاقتراض من البنك الدولي.
ويستكمل البنك المركزي سياسته لخفض قيمة سعر الجنيه بعد تراجع الاحتياط من النقد الأجنبي بنحو 1.7 بليون دولار في أيلول (سبتمبر) الماضي، ليصل إلى 16.33 بليون دولار، في مقابل نحو 18.1 بليون في آب (أغسطس) الماضي. يُضاف إلى ذلك تراجع الصادرات وارتفاع فاتورة الواردات ما عمّق الفجوة بين الاثنين، فضلاً عن خفض السياحة والاستثمارات.
وعزا البنك المركزي التراجع الكبير في الاحتياط الأجنبي إلى تسديد سندات دولية بضمان الولايات المتحدة بقيمة 1.25 بليون دولار، والفوائد عليها بنحو 27.8 مليون دولار، بعدما كانت سددت نحو 700 مليون دولار تموز (يوليو) الماضي لدول «نادي باريس»، وقسطاً مماثلاً في كانون الثاني (يناير)، ومع تأثر موارد القطاعات بالعملة الصعبة.
وجاء قرار البنك المركزي بعد فشل التدابير السابقة للحد من السوق السوداء. كما شهد سعر الدولار قفزات متتالية في السوق الموازية على مدار الأيام الماضية، على رغم إجراءات «المركزي»، ليصل إلى نحو 8.7 جنيه في شركات الصيرفة، في وقت يمتنع فيه عدد منهم من بيعه، في انتظار تسجيل زيادات جديدة على سعره رسمياً خلال الفترة المقبلة.
ندرة في الدولار
وفي ضوء ذلك، أعلن أستاذ الاقتصاد والمستشار السابق لصندوق النقد الدولي في واشنطن فخري الفقي لـ «الحياة»، أن البنك المركزي المصري «يتعرض لضغوط شديدة فضلاً عن ندرة في الدولار في الفترات السابقة، ما انعكس خفضاً في الاحتياط الأجنبي بمقدار 1.74 بليون دولار».
واعتبر أن خفض قيمة الجنيه «أعطى إشارة سلبية للمتعاملين في سوق الصرافة المصرية وتوقعاتهم بارتفاع سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري، وبالتالي انعكس فعلاً توسعاً في التفاوت بين السعر الرسمي المعلن من «المركزي والمصارف وبين سعر السوق الموازية». ولفت إلى أن البنك المركزي «كان أمام خيارين، الأول أن يحرك سعر الدولار إلى أعلى بمقدار متفق عليه في شكل لا يؤثر كثيراً على معدلات التضخم ولا يضرّ بشريحة عريضة من الفقراء». فيما قضى «الخيار الثاني باستمرار البنك المركزي في ضخ مزيد من السيولة بالدولار في السوق كي يحافظ على مستواه، مع التضحية بمزيد من خفض الاحتياط»، مشيراً إلى أن «لكل من هذه الخيارين آثاراً سلبية».
وحذّر من أن الخيار الثاني «يؤثر مستقبلاً في خفض التصنيف الائتماني لمصر، لذا لجأ البنك المركزي لمواجهة هذا التحدي بخفض قيمة الجنيه المصري جزئياً بمقدار 10 قروش أي 1.3 في المئة».
وأوضح الفقي أن الحكومة «تتعاقد في الوقت ذاته مع البنك الدولي على قرض قيمته 3 بلايين دولار للعامين المقبلين ما يزيد الاحتياط لتعزيز الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية»، لافتاً إلى «التفاوض على فترة سداد تصل إلى 28 عاماً وفترة سماح لتسديد فوائد الدين، وتمديد أجل الدين. وتتراوح الفائدة بين 2.5 و 3 في المئة». وقال «يُعد ذلك أفضل من اقتراض الحكومة 1.5 بليون دولار بضمان سندات بالدولار على الحكومة المصرية وبفائدة تصل إلى 5.8 في المئة وترد في فترة عشر سنوات».
وأعلن الفقي أن الحكومة المصرية «طرحت أيضاً مساحة 9.5 مليون متر مربع من الأراضي المرخصة للبيع للمصريين في الخارج، بقيمة نحو 2.5 بليون دولار، ما يؤمن مدخولاً للدولة في الأشهر المقبلة». ورأى أن ذلك «سيؤثر إيجاباً على الاحتياط النقدي من دون أن يشكل عبئاً على المواطن».
وشدد على أن قيمة الودائع في البنوك المصرية «بلغت نحو 25 بليون دولار وتحويلات المصريين في الخارج نحو 19 بليون دولار، فضلاً عن مبلغ 3 بلايين دولار من البنك الدولي، ما يخفف العبء على الحكومة».
ولم ينكر مخاوفه من تراجع التصنيف الائتماني للنظرة المستقبلية، مؤكداً أن قرار الحكومة المصرية الاقتراض من البنك الدولي «يجنبها الأخطار في الفترة المقبلة بعدما كانت مؤشرات الاقتصاد المصري سلبية قبل «ثورة 30 يونيو»، وباتت اليوم تسير على الوتر الإيجابي».
تراجع الصادرات
إلى ذلك، توقع رؤساء مجالس تصديرية استمرار مسلسل خفض الصادرات المصرية، بعد هبوطها بالنسبة الأكبر خلال الشهور التسعة الماضية إلى 19 في المئة منذ بداية العام الحالي، لتصل إلى أدنى مستوياتها في أيلول (سبتمبر) الماضي وانخفاضها بنسبة 28.69 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من عام 2014.
وقال رجل الأعمال ماجد محروس لـ«الحياة»، إن «عدم توافر الدولار في البنوك بعد الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي أخيراً، أضر بقطاع الصناعة في شكل مباشر فلم تحقق الهدف المرجو منها وهو توفير العملة والقضاء على السوق الموازية». وطالب بـ «ضرورة إعادة النظر فيها ووضع قطاع الصناعة في الاعتبار».
ولم يستبعد أن يرتفع الدولار في السوق الموازية خلال الأيام المقبلة ليصل إلى 8.30 جنيه، في ضوء النقص في المعروض في مقابل تزايد الطلب، خصوصاً من جانب المستوردين». وانتقد «السياسة النقدية للبنك المركزي»، لافتاً إلى «تأثير تلك القرارات على المستوردين، ما سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع في السوق نتيجة ارتفاع الدولار».
واعتبر رئيس مجلس إدارة شركة «القلعة» أحمد هيكل، أن «بعض التحديات التي يشهدها الاقتصاد المصري الآن هي انعكاس للأوضاع غير المواتية على الساحتين الإقليمية والعالمية، بما في ذلك تداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي والتي أثرت سلباً في الصادرات المصرية خلال الفترة الماضية». ولم يغفل أيضاً «تأثير الظروف الإقليمية السياسية والاقتصادية مثل خفض سعر البترول في الاستثمارات والمساعدات العربية، وعلى تحويلات المصريين من الخارج». وقال «سيترتب على ذلك من بين أسباب أخرى تفاقم أزمة النقص بالدولار وزيادة التضخم في الأسعار، نتيجة خفض مخزون السلع وارتفاع تكاليف الخدمات».
ونبه هيكل إلى التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وأبرزها «عدم إصدار الحكومة المصرية والبنك المركزي ضمانات بالعملة الأجنبية لمشاريع الطاقة المستقلة». لكن أشاد بـ «عدم تسرع الحكومة والبنك المركزي في إصدار تلك الضمانات التي قد تزيد من حدة أزمة العملة الصعبة في مصر».
وأعلن هيكل اقتناعه بسلامة سياسات البنك المركزي في التعامل مع خفض قيمة الجنيه في مقابل الدولار في شكل تدريجي، مشيراً إلى «وجود مدرستين لحل مشكلة سعر الصرف منها التراجع الهادئ أو ترك السعر للسوق، لكن أحداً لا يعرف إلى أين سيصل الدولار لو تُرك سعره للسوق في ظل الوضع الحالي، ومحاولة البنوك تغطية الاعتمادات بالدولار وتوزيعات الأرباح وتحويلات أرباح مستثمري البورصة الأجانب، فضلاً عن قطاع خاص يتجه إلى المراكز بالعملة الأميركية، لذا فإن سياسة البنك المركزي حالياً هي الأفضل».
صحيفة الحياة اللندنية