” نوائب” وليسوا نوابا
قال أحد الظرفاء العرب معرّفا كلمة “نائب ” بأنه ” مذكّر نائبة”.. والنائبة في لغة العرب هي الكارثة أو المصيبة بطبيعة الحال.
ولكي لا نظلم النزيهين والشرفاء، فإن غالبية النواب في البرلمانات العربية، تمثل مادة خصبة لاستنباط واستلهام شتى أنواع الدراما بكل أصنافها، من الفانتازيا التاريخية والمعاصرة إلى التراجيديا والكوميديا المسلية والسوداء على حد سواء.
هذا المشهد البائس والمثير للسخرية حينا والاشمئزاز أحيانا أخرى، ليس مرده هؤلاء النواب أنفسهم بل الآليات والملابسات التي أوصلتهم إلى مقاعد الاسترخاء تحت القباب في تلك المباني الضخمة التي تحيطها الدولة بحراسة مشددة، ونطلق عليها ” برلمانات ” أو ما شابه من تسميات.
نواب المجالس الشعبية في العالم العربي لا يختلفون كثيرا عن بعضهم طالما أن مجتمعاتنا ودولنا متشابهة إلا بمقدار ما توفره الإرادات السياسية الساعية نحو التطور والانفتاح، لذلك يسهل تصنيفهم ضمن زمر واضحة ومحددة الملامح. فهم إما جماعة وقع فرضهم فرضا من طرف القيادات السياسية العليا، وإما من الأسماء التقليدية المتكررة في كل دورة انتخابية داخل المدن والأرياف أو ما يمكن تسميتهم بجماعة الإقطاع السياسي. وثمة بالطبع، جماعة النفوذ والمال السياسي بصورته المعهودة، بالإضافة إلى حالات منفردة التي قد تتميز بإراداتها الحرة والمستقلة ثم سرعان ما تفقد حماسها ويخبو بريقها.. هذا إذا لم تتموقع داخل أي كتلة من هذه الكتل التي تبدو في ظاهرها برلمانية ذات خلفية حزبية، لكنها وفي حقيقتها لا تنفلت من التصنيف سالف الذكر.
ثمة نواب يحضرون لمجرد عدم التغيب وربما خشية أن لا يقتطع من رواتبهم كما هو الحال في برلمان تونس وما أثاره قرار الاقتطاع الذي احتج عليه غالبية الأعضاء بشدة قل نضيرها، وجاءت ” على عكس الجلسات التي تناقش قضايا وطنية تخص الشعب”.
وثمة نواب يحضرون للاستعراض وتسجيل النقاط ضد خصومهم من الكتل البرلمانية الأخرى، ولغايات فئوية ضيقة ومحسوبة تبتعد عن حس المسؤولية الحقيقية، وهم ما يمكن أن نطلق على نشاطهم تسمية ” السياحة الحزبية”.
وثمة نواب يطلق عليهم صفة ” النواب الأشباح” نظرا لقلة نشاطهم وتدخلاتهم داخل مجلس الشعب وخارجه، وفي هذا الصدد قالت النائب التونسية سامية عبّو ” لم أشاهد عدد من الزملاء النواب طيلة سنة كاملة وهناك نواب رأيتهم بعد أربعة سنوات في المجلس”.
ظاهرة العراك بين النواب، والتي لا يكاد يخلو أي مجلس نيابي في العالم منها، وخاصة بين نواب الحزب الحاكم والمعارضة عادة، والذي قد يتطور إلى حد التشابك بالأيدي والتلاسن، وهو عراك له خلفية تنافسية لخدمة الصالح العام يتأثر باختلاف البرامج والتصورات المختلفة في البلدان المتقدمة.
أما في غالبية البرلمانات العربية فالعراك ـ إن حصل ـ يقوم حول خصومات شخصية أو حسابات حزبية أو فئوية ضيقة أو مسألة لها علاقة بحملة انتخابية سابقة لأوانها وكان لمعظم هذه المشادات التي نقلتها وسائل الإعلام في بلدان لها هوامش من الحريات، تداعيات سلبية على عمل مجالس نواب الشعب ومثّلت عاملا معرقلا لمهام النواب، فضلا عن التسبب في فقدان ثقة المواطن في أغلب من يعتقد بأنهم يمثلونه.
فارق رقيق وحساس بين الانفعالات التلقائية التي تمليها حالتا التحمس والذود عن الفكرة حسب ما تمليه المسؤولية النيابية، وبين مظاهر التهريج والعجرفة والخروج عن الأخلاق العامة في بعض البرلمانات العربية، خصوصا في بلدان عرفت انفلاتا عاما كبعض بلدان ما بات يعرف بالربيع العربي.
وفي هذا الصدد لا تكاد بلاد عربية تخلو برلماناتها ومجالسها التمثيلية من وجوه أقل ما توصف به أنها تهريجية وكأنها تؤدي دورا في مسرحية من النوع الكوميدي الرخيص والممجوج فإلى متى تستمر هذه المهازل، وما الطرق الناجعة لمعالجتها؟
لا شك أن المسألة أعقد من ذلك بكثير، وتتعلق بأزمة هيكلية بنيوية في الفرد والمجتمع والدولة، ذلك أن القاعدة تقول ” كيفما كنتم يولى عليكم”. والمنطق يفسر الحالة على خلفية أن هؤلاء النواب من هذا الشعب، وذهنية هذا الشعب هي صنيعة خيارات وقرارات متأتية من الطبقة السياسية.
الحلول ممكنة ولو كانت جزئية وذات صفة ترقيعية، فمجلس النواب هو بمقتضى الدستور، أساس الدولة وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ويجب على أعضائه تحمل مسئولية اقتراحاتهم، وعليه فإن الكشف الطبي من الناحيتين النفسية والعقلية ليس عيبًا، بل هو أمر مهم وضروري ويوجد في جميع برلمانات ومؤسسات الدول المتقدمة.