نوافذ شعرية (عبد القادر الحصني/ ما زلتِ في عينيّ أجمل.. يا حمص يا أم الحجار السود)
عبد القادر الحصني
سلام
سلامٌ على حمصٍ
جميلٌ كلامُها
جميلٌ إذا حلّ الخراب سكوتُها
سلامٌ
فقد كانت لكلّ محبةٍ
مفتحة بعد القلوب
بيوتُها
حَبَتْني حياةً ما حَيِيتُ سعيدةً
وتُسعد منها ميتةٌ
لو أموتُها
ما زلتِ في عينيَّ أجملْ
ما زلتِ في عينيَّ أجملْ
يا حمصُ يا أمَّ الحجار السودِ
يا دار الذين تعمدوا بالحبِّ،
والماء الذي أبقوه في جرن العمادةِ،
مرّ قديس بهِ،
فأحاله نبعاً لماء الشعر سَلْسَلْ
ما زلتِ في عينيَّ أجملْ
لِبيوتِ أهلي،
وهي أطلالٌ، بحيِّ (الخالديّةِ) حلمُها بالصبحِ،
يرفعُه الأذانُ,
وواثقٌ من أنهمْ بعد الصلاة يسبّحون اللهَ,
ثمّ يلفهمْ صمتٌ حليمٌ:
ما يريد الليلُ من هذا الدمارِ ..
لعلّ هذا الليل يجهلْ؟!
ما زلتِ في عينيَّ أجملْ
في الليلِ
حين الطائراتُ تنامُ
حين القصفُ يعمى عنكِ
حين الياسمينُة يستفيضُ بياضُهِا:
أنا لايليق بيَ الحدادُ
رمى عليَّ من الغلائلِ ما يوشِّحني الغبارُ
– أليس هذا من خراب بيوتِ حمصَ؟
– بلى
– سأرفلُ فيه،
سوف أعدُّهُ ثوبَ الزفافِ،
وسوف أحفظه غِطاءً للصلاةِ،
فأستحمُّ؛ وأرتدي طُهري؛
ويطلبني الربيعُ، وأستجيبُ:
– قبلتِ؟
– أقبلُ،
بل رضيتُ…
وسوف يأخذني اشتهاءُ الشمس يانعةً
إلى قمري،
وأحْبَلْ.
ما زلتِ في عينيَّ أجملْ
ما زلتِ في عينيّ أجملْ
يا بابَ روحي ..
يا بنتي ..
أنا ليس لي بنتٌ – كما تدرينَ –
مَنْ سيلمُّني؟
الستون قاسية عليَّ ,
وأن ألوذَ بغير قلبك, بعد هذا العمرِ،
أخجلْ
متعَب
متعبٌ حدَّ أني يمرُّ النحاسُ،
وليس يمرُّ بعينيَّ أصفرُهُ،
لا يمرُّ بسمعي الرنينْ.
متعبٌ إنّ قلبي يدمر أحياءه القصفُ
أهلي يلمّون أشلاء أطفالهم،
واثقين
بأنّ الذي يرثُ الأرضَ ليس الطغاةُ،
بل الياسمينْ
متعبٌ …
لا أقول: حزينْ.
غيوم
لا… ليس في عينيّ شيءْ
هذي غيومٌ
والخريف كما ترى قاسٍ
ويوشك أن يشوبَ الغيمَ ما يدعو الشتاءُ إليهِ
من رعدٍ وبرقْ
لا ليس في عينيَّ شيءٌ,
غير انّ البردَ سوف يكون مرَّ الطعمِ هذا العام
كيف يكون أهلي في العراءِ؟!
ومن يغطيهم إذا بردت خرائبهم عليهمْ؟!
مَن يجير طفولة الأطفالِ
حدّقَ فيهمُ غولٌ، وهمهمَ:
ليس بين عدوِّكمْ وبني أبيكمْ أيُّ فرقْ!
لا… ليس في عينيَّ شيءٌ
كل ما في الأمرِ
أني قبل إطباق الجفون عليهما
في الليل؛
أسمع طرق باب القلبِ …
تأتي
تستعيرهماً لكي تبكي دمشقْ.
ياعراء الله
ما أقسى أن تشعر أنك أنت المطرُ الهاطلُ
في هذي الليلةِ
فوق الناسِ
وأنّ الناسَ الكانوا يتلقّونكَ مبتهجينَ
الليلةَ
يتلقّونك بوجومٍ وسكوتْ
من يأخذني مني
في هذي الليلةِ
فأنا لا أقوى أن أهطل أكثرَ
فوق بيوتٍ دمّرها القصفُ
ولا أقوى أن أهطل فوق الناسِ
المفترشينَ عراءَ اللهِ
بغيرِ بيوتْ.
حارتنا
طفلٌ على الشبّاكْ
في باله غابة
ماذا يمرّ الآنْ
في بال دبّابة
بنتٌ بباب الدارْ
في بالها الحارةْ
ماذا يدور الآنْ
في بال طيّارةْ
أمٌ على الشُرفةْ
والصبحُ حبلُ غسيلْ
لمسته بالكفينْ
وجدته؛ بعدُ؛ بَليلْ
نظرت إلى الشارعْ
(ع الأرض في معطفْ)
ما كان منذ قليلْ
قد إنه ضائعْ
لكنّ في الغرفة
ولدٌ هو الأعرفْ
ما قال للماما
(المعطف بقلبو قتيلْ)
يا سامعين الصوتْ
قولوا لهذا الموتْ
مَنْ يا ترى أقوى؟
مَن ياترى أحلى؟
انظرْ وراء الباصْ
طفلٌ بقلم رصاصْ
(عمْ يرسم القناصْ)
تذكَّرْ
أجل. كنتَ أعمى
تذكّرْ
أنا مَنْ دعوتكَ وجهاً لوجهٍ
إلى أنْ تفكِّكَ عنكَ الذي قد تيبّس منكَ
لتغدوَ أخضرْ
وحين سمعتَ الذي قلتُ نصفَ انتفضتَ
وقطّبتَ:
– هذا خطيرٌ
سكتُّ
فقلتَ: تريد من القول غيرَ الذي قلتُ
-غير الذي قلتُ! … معجزةٌ
غيرَ أنّ الزمانَ الذي كان يستقبل المعجزاتِ
مضى من زمانٍ بعيدٍ,
ولن يتكرّرْ
أصارحك الآن أنّ الذي قلتَ عنه: "خطيرٌ" خطيرٌ
ولكّنّ في يومها
جال في خاطري ما ترى الآنَ
وهو كما (لاترى أو ترى)،
هو أخطرْ
وأني أحدِّقُ ما بين وقتٍ وآخرَ
في صورة جمعتنا معاً
وأقول لنفسي:
لماذا ،إذاً، أنت لم تتصوّرْ؟!
لكنت أقول: السلامُ …
ولكننا الآن ما بعد منتصف الليلِ،
يوشك أن يدهم الفجرُ.
الوقتُ حقّا تأخرْ.
نشرت في صحيفة السفير اللبنانية