نوافذ شعرية| نباتاتُ الشرفة (جودت فخر الدين)
جودت فخر الدين
ـ 1 ـ
على الشُّرُفات تعيشُ النباتاتُ حائرةً،
وإذا ذبلتْ فهْي تذبلُ من فرْط حيْرتها.
ربّما فرحتْ مرّةً،
ربّما عطشتْ مرّةً،
ربّما أزهرتْ دون قصْدٍ.
تعيشُ على الشُّرُفات بلا رغبةٍ،
وتموتُ بلا رغبةٍ،
فالجذورُ مكبَّلةٌ،
والذُّرى تتصلَّبُ أو تتمايلُ في وهَنٍ.
واستغاثاتُها،
تتجلّى التماعاً على بعض أوراقها.
هكذا تستغيثُ النباتاتُ،
تلمعُ حيْرتُها، وهْي تلفــظُ أنفاسَها …
ـ 2 ـ
بناياتُ بيروتَ عاليةٌ،
وعلى الشُّرُفاتِ النباتاتُ لا تتنفَّسُ،
تبذلُ وحشتَها في ثقوبٍ من الخوْفْ.
ـ 3 ـ
بناياتُ بيروتَ عاليةٌ،
فالبيوتُ معلَّقةٌ،
والأزقّةُ تسْلُكُها الحرْبُ في ثقةٍ.
ليس يعْلو سوى الخوْفِ،
والحربُ هانئةٌ
_ إنْ صَحَتْ أو غَفَتْ _
وعلى الشُّرُفاتِ النباتاتُ تنظُرُ،
نحْو السماء التي أظْلمتْ …
ـ 4 ـ
إذا الحرْبُ جاءتْ،
يخــــــافُ النبـــــــاتُ علــــى الشُّـــــرُفــــاتِ،
يعانقُ آنيةً طالما كبَّلَتْهُ،
عسى أنْ تصيرَ ملاذاً لهُ.
ثم يخْبو بمعظمهِ،
بعضُهُ قد يقاومُ،
يبقى على وهْمهِ في النُّمُوِّ،
يقاومُ، يخرجُ عن طوْرهِ،
يفتَحُ الخوْفَ نحْو الجنونْ.
يتنامى بلا ترْبةٍ للجذورِ،
ولا فسْحةٍ للغصونْ.
ـ 5 ـ
أما زالت الشُّرُفاتُ لننظرَ نحْو البعيدِ؟
أما زالت الشُّرُفاتُ عيونَ البيوتِ وآذانَها؟
ربّما كان وهْماً …
فأنتَ هنا اليومَ تنظرُ،
لا تُبْصِرُ الحرْبَ،
أنتَ ترى الشُّرُفاتِ التي تتساقطُ في لحظةٍ،
وترى السُّحُبَ السّودَ تصعَدُ في لحظةٍ،
لتُغطّي سماءً بلا رؤيةٍ…
إنّهُ القتْلُ،
أنتَ تحْذَرُ حتى الهواءْ.
ولسْتَ ترى شرْفةً في المدينةِ،
إلّا وتسبَحُ مذعورةً في الهَباءْ.
ـ 6 ـ
… وعلى الشُّرُفاتِ النباتاتُ يائسةٌ،
فهْي مثلكَ تحْذَرُ حتى الهواءْ.
وهْي تخفقُ كالشُّرُفاتِ التي ارتعدتْ في الهَباءْ.
صحيفة السفير اللبنانية