نوافذ للحوار جميل عطية إبراهيم: جيل الستينات في الأدب المصري سعيد الحظ (حاوره: أسامة حبشي)

حاوره: أسامة حبشي

 

يملك الروائي المصري جميل عطية إبراهيم مشروعاً روائياً متكاملاً ومستمراً، يتغلل في نسيج المجتمع المصري عبر شرائح من لحم ودم، وهو يحفر بإزميله في الرواية الاجتماعية، وأحياناً التأريخية، يحفر بتأن، متميزاً بالشعرية السردية، ومن أبرز أعماله الثلاثية المعنونة «1952»، ‏وهو أحد مؤسسي مجلة «غاليري 68» التي ارتبطت بجيل الستينات في مصر. هنا حوار معه:

> أنت واحد من جيل الستينات المتميزين في الإبداع الروائي والقصصي، منذ صدور مجموعتك الأولى «الحداد يليق بالأصدقاء» لكن النقاد توقفوا طويلاً أمام ثلاثية «1952» بالذات، فكيف تنظر إلى هذا الأمر؟
– قبل الإجابة على هذا السؤال الذي يدفعنا إلى الغوص في آليات الكتابة الجمالية وتحليل الرواية التاريخية، أود اطلاع القارئ المهتم على قضايا عدة، لعلها تقرب ما أظن أنه أساس للفهم. أولاً: الثلاثية تدور حول أسئلة بسيطة شغلتني منذ الانتهاء من رواية «النزول إلى البحر» السابقة عليها. في مقدم تلك الأسئلة سؤالان: ماذا جرى في عام 1952، ولماذا جرى على هذا النحو؟
هذان السؤالان كانا محور اهتماماتي طوال تاريخي الأدبي تقريباً، وتمحورت حولهما رواية «النزول إلى البحر»، فضلاً عن سؤال: لماذا تظل الأمية هماً رئيسياً في مصر بعد قيام الثورة بعقود؟ يمكن القول إن هذه هي الأسئلة المقلقة التي بنيت عليها الثلاثية، ثم جاءت مرحلة دراسة الأحداث والوقائع التاريخية، وأخذت مني حوالى ست سنوات. عملتُ على الثلاثية عشر سنوات، بين دراسات تاريخية ومراجعة مذكرات وصحف قديمة وكتابات تاريخية وسياسية. الثلاثية وجدت ترحيباً من بعض النقاد، وتجاهلها آخرون، ورفضها البعض لأسباب فنية خالصة وليس شخصية. فمثلاً علي الراعي قال لي بعد قراءة الجزء الأول منها إنه لم يشعر بحماسة للكتابة عنها بسبب طغيان الأحداث التاريخية عليها، بينما كتب جابر عصفور ثلاث دراسات نقدية عنها، وقال لي إنه كتب هذه الدراسات بعد قراءة ثلاثيتي وقارنها بثلاثية نجيب محفوظ التي تناولت ثورة 1919. من جانب آخر انتقد عبد العظيم أنيس وعبد الفتاح الجمل الفصول الأخيرة في ثلاثيتي لأنها كُتبت بسرعة ومن دون عناية. هذه الانتقادات اعتز بها، لأنها فتحت أمامي أبواباً أخرى كنت لم أقترب منها في رحلتي الأدبية بعدُ، وهي لا تعني بالمرة أن الترحيب بهذا العمل كان منقوصاً، بل عمقت من رؤيتي الفنية. ومن الذين توقفوا عند مزايا الثلاثية إبراهيم فتحي وصبري حافظ وعلاء الديب وصلاح فضل وفاروق عبد القادر وطلعت رضوان الذي لا يزال يتناول بعض جوانب الثلاثية ليقارن بين أزمة الصراع على الحكم في 1954 وما يحدث الآن. ومع ذلك فإنني عندما أعود إلى الوراء أرى أنني اهتممت منذ صباي المبكر بالقصة القصيرة وليس الرواية، متأثراً بالكاتب الكبير يوسف الشاروني الذي لمع اسمه كقاص في الأربعينات والخمسينات، وكذلك يحيى حقي ويوسف إدريس وإدوار الخراط .

> تمزج في روايتك «شهرزاد تحت بحيرة جنيف» الأسطورة بالواقع، هل يمكن أن نقول إن هذا المزج هو جوهر أسلوبك؟
– لا أظن أنني حققت نجاحات تذكر في تناول الأسطورة والمزج بينها وبين الواقع، فأنا أنتمي إلى الواقعية الاشتراكية منذ كتاباتي الأولى، وشُغلت بالعلاقة بين الشرق والغرب على أسس سياسية منذ قدومي إلى جنيف ومتابعتي للسياسات الدولية. وبكتابتي «شهرزاد»، كنتُ أنهي ملف العلاقات بين الشرق والغرب، وكنت انتهيت من دراسة الواقعية السحرية كما أحببتها عند غابرييل غارسيا ماركيز وكرهتها بشدة عند غيره. لجأتُ إلى شهرزاد وشهريار وعجائب «ألف ليلة وليلة»، لأنني وجدت فيها حلولاً لمشاكل فنية صادفتني تتعلق بالصدق، وكان همي الأول هو كيفية إقناع القارئ بأن شهرزاد في جنيف، وهذا قادني إلى ضرورة التوصل إلى منطق فني يكسب ما هو غير عقلاني عقلانية بواسطة آليات الكتابة الإبداعية، أي الفن، وإلا كان الموضوع مثيراً للسخرية، وهذا ما ابتعدُ عنه تماماً في الكتابة. اكتشفت أن الفن يتيح للكاتب «منطقة» ما هو غير منطقي في الأحداث إذا تمكن من أدواته، وأعتقد أنني نجحت في مسعاي، بل وتميزت «شهرزاد» بروح السخرية والدعابة أيضاً.

> تتميز بامتلاك لغة فن الرواية مع مراعاة المتغيرات الاجتماعية في المجتمع المصري، فماذا عن تلك المتغيرات وتأثيرها السلبي والإيجابي؟
– هذه واحدة من مشاكل الكتابة التاريخية، وعلى كل كاتب التوصل إلى حلول لها بمعرفته، إذ لا توجد نصائح جاهزة في هذا الصدد، وبالنسبة إلي، كانت المشكلة في بداية الستينات والسبعينات وما بعدهما أنني شُغلت بكتابة القصة القصيرة واعتبرتها هي حقلي المفضل، وبعد سفري إلى سويسرا وإقامتي هناك اكتشفت عجزي عن كتابة القصة القصيرة. توقفنا أنا وبهاء طاهر عن كتابة القصة لفترة زادت على عامين، وكانت أزمة روحية، إلى أن وقف بهاء ذات مرة أمام سكك حديد جنيف وقال: «بنهاية هذا العام سوف أنشر رواية، كفانا كسلاً»، وأيدتُه، وبدأتُ الكتابة الروائية.

> هل واجه جيل الستينات أزمة في مواجهة الأجيال السابقة عليه؟
– لا أعتقد أن جيل الستينات يواجه أزمة تتعلق بالإبداع أو النشر. نحن جيل سعيد الحظ، نضجنا على أيدي قامات كبيرة مهدت لنا الطرق وشجعتنا وأتاحت لنا أجواء نادرة. فالجلوس إلى توفيق الحكيم ولويس عوض ويوسف إدريس وغيرهم من الأجيال التي سبقتنا متعة لا تعادلها متعة.

> لماذا كتبت «قصة نجيب محفوظ في لوزان»؟
– معروف أن نجيب محفوظ لم يزر سويسرا، لكنه كان موجوداً بقوة من خلال ترجماته أو أحاديثه أو متابعته الدقيقة جداً لمجريات الأمور في جنيف بخاصة عند تأسيس منظمة التجارة العالمية، وكانت لنا جلسات مستفيضة حول تطورات المحادثات التي كانت تسير بطيئة وعينها على مصالح الدول الصناعية والمتقدمة بعيداً عن تطلعات الدول النامية. كان نجيب محفوظ في جلسات كازينو «قصر النيل» في القاهرة يسألني عن تفاصيل دقيقة حول سير تلك المحادثات ومنتدى دافوس وعمل منظمات دولية أخرى، وترددي على ندوة «قصر النيل» يومياً في إجازتي الصيفية أتاح لي معرفة بعض اهتمامات هذا الكاتب الكبير.
وقصة «نجيب محفوظ في شارع لوزان»، هي قصة افتراضية تسجل لمبنى منظمة التجارة العالمية على بحيرة جنيف مباشرة وتدمج وتتناول جلسة افتراضية بين «الأستاذ» وجماعة من تلاميذه في حوارات حقيقية دارت في القاهرة في سنوات الثمانينات والتسعينات. واعتمدت بنية القصة على ما يسمى حالياً الحدث الافتراضي أو الشخص الافتراضي، وهذه التقنية العالية تحكمها ثورة الاتصالات في المقام الأول وكذلك ثورة المعلومات.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى