نوافذ للحوار زين العابدين فؤاد: ثورة مصر “في أول السكّة”
إعداد: آدم شمس الدين
في العام 1972، وبعد اعتقاله من قبل السلطات المصرية، وجد زين العابدين فؤاد نفسه في سجن القلعة يسمع صوتاً يدندن في إحدى الزنزانات القريبة منه. لم تمض بضع دقائق ليعرف أن الصوت الذي يسمعه هو صوت الشيخ إمام الذي صادف اعتقاله في نفس الفترة الزمنية.
يتحدث زين العابدين فؤاد عن ذكرياته مع الشيخ إمام بكثير من الحماس. يستذكر أول حفلةٍ أقيمت له في جامعة القاهرة في 1968 والمفاجأة التي حضّرها له زين العابدين فؤاد. كانت أول حفلة يغني فيها الشيخ أمام الملأ بعد أن كان ذلك محصوراً في منزله بين الأصدقاء والمعارف. خطوة يعتز بها فؤاد، فهو أول من نقل غناء الشيخ إمام من الغرف المغلقة إلى تجمعات الطلبة.
صاحب قصيدة "اتجمعوا العشاق في سجن القلعة"، وقصائد كثيرة أخرى تنسب إلى محمد فؤاد نجم نتيجة خطأ ارتكبته إحدى دور النشر في بيروت عام 1971، يعتبر أن الثورة المصرية لا تزال في "أول السكّة"، والاحتفال الوطني الذي حصل لحظة انتخاب مرسي كان فرحاً بإسقاط مرشح العسكر وليس فرحاً بفوز ممثل جماعة الإخوان المسلمين. بالنسبة لفؤاد، الخيار الذي فرض بوجه المصريين كان مرعباً، ولذلك حصل ما حصل، مبدياً تفاؤله بأن المصريين في الدورة المقبلة سينتخبون شخصية أخرى، مسمياً في الوقت عينه المرشح الذي يراه الأنسب لتولي منصب رئاسة الجمهورية.
عاش فؤاد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وعاش في بيروت الغربية التي كانت تحت الحصار. تجربة، رغم قسوتها ومرارتها، أتاحت له الفرصة خوض تجربة مهمة على صعيد الشعر والغناء، عبر التجوال في شوارع بيروت المحاصرة، لا للبكاء عليها، بل لإعلان العيش فيها، حتى وهي منكسرة.
من دون الدخول في أي جدل سياسي عقيم، يعتبر فؤاد أن ما يحصل في سوريا هو ببساطة نظام يقتل شعبه، "شعبٌ يريد الحرية ويدفع ثمناً باهظاً لنيلها وسوف يحصل عليها". موقفٌ عبر عنه فؤاد مراراً في قصائده، وإحداها تلك التي كتبها بعد استشهاد الناشط المصري مينا دانيال.
لا يفضل فؤاد شاعراً دون آخر، فبرأيه القصيدة الجديدة تفرض نفسها، وليس هناك صوت شعري واحد في العالم يمكن أن يغني عن بقية الشعراء.
ما هي فائدة الثورة التي استشهد فيها المئات من المصريين إن كانت قد أدت إلى هذه النتيجة؟
الثورة لم تصل إلى محطتها النهائية بعد. الثورة عمل مستمر وعملية متواصلة. هي كما قلت في قصيدة لي "لسه في أول السكة". في الثورات نواجه عقبات وانكسارات وانتصارات. الثورة تصل إلى محطتها النهائية عندما تحقق أهدافها، وهي واضحة: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".
المقصود بالعيش، هو العيش بكرامة ومساواة، لا فرق بين رجل وامرأة ولا فرق بين مسلم ومسيحي. وفي موضوع العيش المشترك لم تحقق الثورة أهدافها بعد لأن هناك من يرى أن المرأة أدنى مستوى، كما هناك من يرى أن غير المسلم لا يجب أن يتمتع بكامل حقوق المواطنة.
في موضوع الحرية تم تحقيق إنجاز هائل وكسر كل حواجز الخوف من أي سلطة سواء كانت مسلحة بأجهزة قمع مختلفة أو مسلحة بتجار دين يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة كاملة.
كيف تقراً وصول الإسلاميين إلى الحكم؟
حركة الشارع المصري لم تتوقف، تمكنت من الإطاحة بحسني مبارك، ولمدة عام على الأقل بقيت تردد "يسقط يسقط حكم العسكر"، والآن أصبح الشعار "يسقط يسقط حكم المرشد". وصول رئيس لمصر من جماعة الإخوان المسلمين، مرتبط بظروف الانتخابات. كان الخيار أمام المصريين مرعباً، بين اختيار ممثل عن الجماعة (مرسي) أو استمرار نفس النظام السابق (أحمد شفيق، فاختار المصريون بنسبة ضئيلة جداً انتخاب رئيس مدني أياً كان توجهه.
لذلك، قبل جولة الإعادة تقدم مرسي بمجموعة من التعهدات، كاختيار ثلاثة نواب للرئيس، واحد قبطي وامرأة والثالث من خارج الجامعة الإسلامية. تعهد أيضاً بأنه في حال انتخب سيعهد برئاسة الحكومة إلى شخصية وطنية معروفة غير إسلامية، كما تعهد أيضاً بأن مسودة الدستور لن تطرح على الاستفتاء، إلا إذا حدث توافق وطني، غير أنه لم يفِ بأيٍ من هذه الوعود.
لذلك يمكننا القول إنه حين صوت المصريون في مرحلة الإعادة كان التصويت ضد شفيق وليس مع مرسي، وعندما كانوا يحتفلون بالنتيجة، كانوا يحتفلون بسقوط ممثل العسكر، ثم توالت التراجعات لمرسي عن وعوده السابقة، ثم اتضح للمصريين أن رئيسهم مجرد ممثل لجماعة الإخوان يتلقى أوامره من المرشد العام وهذا ما يرفضه المصريون.
هل لديك شخصية ما تعتبرها الأفضل لتولي السلطة في مصر؟
أعتقد أنه في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيتوصل المصريون إلى ضرورة اختيار شخصية أخرى، وأنا أرى أن شخصية مثل المحامي خالد علي قد يكون المرشح المثالي في الانتخابات الرئاسية بعد 4 سنوات.
لو كان الشيخ إمام على قيد الحياة ماذا تعتقد انه كان سيقول حول ما يجري؟
(يبتسم) من قال إن الشيخ إمام غير موجود على قيد الحياة؟ إن أغاني الثورة منذ التحضير لها وانطلاقتها هي بمعظمها من أغاني الشيخ إمام، وهو مغني هذه الثورة مع السيد درويش وعدلي فخري. بالنسبة لي كانت "من يلي يقدر ساعة يحبس مصر" هي أغنية الثورة في كل الميادين، رغم أنه غناها منذ أكثر من أربعين سنة.
ما هي أجمل ذكرياتك مع إمام؟
الذكرى الأولى في 1968 حين اصطحبت فيها إمام إلى جامعة القاهرة، وكانت المرة الأولى التي يغني فيها إمام أمام جمهور وليس في المنزل. سألني عن عدد الحضور الذي كان حوالي خمسة آلاف شخص، فقلت له حتى لا يتوتر "أكثر من 50 شخصاً"، وعندما بدأ بالغناء وسمع التصفيق قال لي متفاجئاً وهو يعزف: "دول 50؟!"، فقلت له "أنا قلتلك أكثر من 50". وأنا فخور جداً بأنني نقلت غناء الشيخ إمام من الغرف المغلقة إلى تجمعات الطلبة. "حاجة تانية" كانت من أجمل ذكرياتي، في العام 1976 بعد مجزرة "تل الزعتر" في لبنان، أقمنا حفلاً في الشارع في منطقة شعبية، غنينا وألقينا الشعر لثلاث ساعات قبل أن يحضر "البوليس" والسكان حمونا منهم بعد وصولهم.
إحدى الذكريات الجميلة كانت في العام 1972, حين اكتشفت بعد اعتقالي من الجامعة أن الشيخ إمام موجود في سجن القلعة في زنزانة قريبة، وعرفت ذلك فوراً بعد أن سمعته يغني.
لماذا نُسبت بعض الأغاني التي كتبتها له إلى أحمد فؤاد نجم؟ وما هي هذه الأغنيات؟
"ربنا يسامح بيروت" (يبتسم). صدر بين العامين 1971 و1972 ديوان شعر اسمه "قال الشيخ إمام". في هذا الموضوع لا علاقة لنجم بهذا الخطأ، لأن الناشر تصوّر أن الشريط المسجل الذي حصل عليه يحتوي على أغاني جميعها من كلمات نجم، وفي الحقيقة كانت هناك 13 شاعراً شاركوا في كتابة الأغاني.
على سبيل المثال، من أغاني الثورة في الميدان ثلاث أغنيات من ألحان الشيخ إمام "يا مصر قومي وشدي الحيل" لنجيب شهاب الدين، "شيد قصورك على مزارع" لأحمد فؤاد نجم و"اتجمعوا العشاق في سجن القلعة" من كلماتي. ولا أعتقد أن أحداً يظن أن قصيدتي "الفلاحين" و"الحرب لسه في أول السكة" هي لأحمد فؤاد نجم.
ما رأيك بما يجري في سوريا الآن؟
من دون أن أدخل في أي جدل سياسي عقيم، من وجهة نظري هناك نظام يقتل شعبه، وهناك شعب بكل طوائفه ضد هذا النظام الديكتاتوري، أي أن الشعب يريد الحرية ويدفع ثمناً باهظاً لينالها، وسوف يحصل عليها. القصيدة الأولى التي كتبتها عن مينا دانيال فراشة الثورة المصرية قلت فيها:
أقطف يا مينا وردة الجنة / وأحضن جسد حمزة (حمزة الخطيب) الصبي المقتول / ولف زينب بنت قانا بالعلم / واسأل الدرة الفلسطيني، محمد / كان شكلو إيه القاتل / ويفرق ايه عن يلي قتلك يا مينا
القتلة هم أنفسهم، وكل الشهداء هم أنفسهم، أولئك الذين يموتون من أجل الحرية.
ما هي العلاقة التي تربطك بلبنان؟ وخلال زيارتك الأخيرة والسنوات التي قضيتها في السابق، إلى أي مدى تغيرت بيروت بالنسبة إليك؟ هل تحنّ إلى الذكريات الماضية والى ذلك الزمن؟
أنا عرفت وجوهاً مختلفة في بيروت: في أيلول/ سبتمبر 1981 كانت بيروت مقسومة إلى شرقية وغربية، وأنا عشت في بيروت الغربية. في العام 1982 كانت لي ذكريات كثيرة، لأننا قمنا بتجربة مهمة، وهي النزول والغناء في الشارع، وشكلنا فريقاً غنائياً لينزل إلى الشارع كل يوم. كانت أول تجربة يقوم بها بعض الأشخاص بالنزول للغناء في مدينة محاصرة، لا لبكائها ورثائها بل لإعلان العيش فيها، حتى وهي منكسرة.
عشت في بيروت المقاومة والمقسومة خلال الاجتياح، وعشت في بيروت الموحدة لمدة خمس سنوات في 2005. تمكنت خلالها من زيارة كل المناطق. بالتأكيد لا يمكنني أن أتجول في الحمراء من دون أن أتذكر عدلي فخري والسهرات في منزله في كراكاس، لكن الحنين هو أن آخذ من هذا المشهد دافعاً جديداً للاستمرار والمقاومة. والمقاومة فعل فني مستمر ضد البلادة والرتابة والتخلف، وهي مقاومة لكل جيوش الظلام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
أنت تكتب باللغة العامية، ألا تعتقد أن الكتابة الشعرية بهذا الأسلوب هو إضعاف للغة العربية، خصوصاً مع تراجع اهتمام الناس باللغة عموماً؟
للتعبير الفني أدوات، أنت تختار أداتك. ربما يكون الحجر أو اللون أو الجسد أو التمثيل والعزف. هناك أدوات مختلفة. أنا اخترت العامية. وعندما اتخذت هذا القرار لم يكن موقفاً ضد الفصحى، إنما موقف جمالي. فللعامية جماليتها الخاصة. عندما تسمع جماليات اللهجة اللبنانية، لا بد من أن تكتشف الجمال الكامل فيها، وهذا ليس موقفاً من الفصحى.
بناء على تجربتك، هل تعتقد أن الشباب عموماً بدأوا بالابتعاد تدريجياً عن الشعر بصورة عامة؟
إن العودة لأشكال مختلفة من الغناء وأنماطها هي عودة إلى الشعر في نهاية الأمر. الشعر مرتبط بالإنسان منذ لحظة الولادة وحتى الموت. إنا لا أعتقد أن هناك ابتعاد عن جوهر الشعر بل ابتعاد عن النماذج الرديئة الموجودة في الكتب المدرسية.
من هو الشاعر العربي والعالمي المفضل لديك؟
لا أعتقد أن من العدل أن أذكر شاعراً واحداً فقط، فأنا أحب الشعر العربي من امرؤ القيس حتى محمود درويش وأمل دنقل، وما بينهما من مئات الشعراء. القصيدة الجديدة تفرض نفسها. أحب ناظم حكمت ولوركا وبايرون وآلاف الشعراء. فأنا لا أتصور أن هناك صوت شعري واحد في العالم يمكن أن يغني عن بقية الشعراء.
صحيفة السفير اللبنانية