نوافذ للحوار| البرادعي: تأثير مصر غاب… والعالم العربي مهدد بالعودة إلى القرون الوسطى أوباما كان متلهفاً واحمدي نجاد كان راغباً في التفاوض لإبرام الصفقة الكبرى

 

حاوره غسان شربل

على هامش حوارات اجريتها معه في العقد الماضي في منزله في فيينا كان الدكتور محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حينه يعبر عن قلقه على مصر. كان موقعه يمنعه من الانخراط صراحة في الشأن الداخلي لبلاده. لكنه كان يحرص على التعبير عن المه وأمله. كان يشير الى التدهور الاقتصادي وعدد من يعيشون تحت خط الفقر وكذلك الى ارتفاع نسبة الأمية وتخلف مناهج التعليم. حاول اسداء النصيحة الى الرئيس حسني مبارك في هذه الملفات لكنه سرعان ما ادرك ان الرئيس غير مهتم بمناقشتها او التوقف طويلاً عندها.
كان البرادعي قلقاً من سياسات القمع والجمود وكان يختصر الوضع بالقول ان العالم يذهب نحو المستقبل ونذهب نحن في اتجاه آخر. من فيينا رأى البرادعي العالم يتغير والديموقراطية تترسخ. رأى سياسيين يخاطبون شعوبهم بلغة الارقام والاقناع ورأى سياسيين في منطقتنا يعززون مشاعر القهر والتطرف. هذه الهوة بين العالم العربي الأسير والعالم الآخر الباحث عن التقدم ضاعفت رغبة البرادعي في العمل من اجل «فتح بوابة الامل امام المصريين». هكذا عاد وحين اندلعت الثورة كان صوتاً بارزاً وعاقلاً فيها.
ولد محمد البرادعي في مصر عام 1942. تخرج من كلية الحقوق في القاهرة وحاز في 1974 دكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك. بدأ حياته في وزارة الخارجية المصرية قبل ان يسلك طريق الامم المتحدة ومنظماتها.
وفي 2005 مُنح جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الوكالة التي يرأس تقديراً للجهود التي بذلت لاحتواء انتشار الاسلحة النووية. شدد دائما على «ان الفقر وما ينتج منه من فقدان الأمل يمثل ارضاً خصبة للجريمة المنظمة والحروب الأهلية والإرهاب والتطرف». اغتنمت فرصة هذا الحوار المصري الهموم لسؤاله ايضاً عن ملفات اخرى.
وهنا نص الحلقة الرابعة والاخيرة:

> هناك تراجع لدور مصر الخارجي. كيف ترى رحلات مرسي الخارجية؟

– لا توجد أي سياسة، يجب أن تكون لديك رؤية سياسية، تتحدث عن دورك، فما هو محور تحركك، والفضاء الخارجي لعملك؟ من المفترض أن يكون العالم العربي أولاً، لكن دول الخليج، باستثناء قطر، في حالة احتقان من هذا النظام، والكل متوجس من تصدير الثورة، ولا أحد مستعدٌ لأن يتقبل «الإخوان المسلمين» على الإطلاق، وهو ما قلته لمرسي خلال اللقاء. ان عليه إرسال رسائل لطمأنة الخليج لأنه كان ولا يزال المموّل الأساسي للتنمية في مصر، لكنه لم يرد. لا توجد لديك سياسة في الخليج وأنت مهمش جداً، أما في أوروبا فأعتقد بأنها في المرحلة الأولى، وأميركا تحديداً كانت تؤيده لوصوله عبر انتخابات حرة، لكنها وجدت في «الإخوان» فرصة للمصالحة مع الإسلام السياسي، لأن كل الإسلام السياسي في العالم خرج من عباءة «الإخوان»، فرأت أن علاقتها بالجماعة ستمكّنها من التعامل معه وهو الخطر الرقم واحد بالنسبة الى واشنطن لذلك، اعتبرت تلك العلاقة فرصة عظيمة في بداية المرحلة الأولى.
الأميركيون كانوا يخجلون بشدة لانتقاد «الإخوان» عندما ظهرت ممارستهم الاستبدادية، إنما حالياًَ هم في وضع مختلف، والمثال تصريح (وزير الخارجية) جون كيري قبل أيام حول مشروع قانون تنظيم الجمعيات الأهلية في مصر، وكذلك تصريح الناطقة باسم الخارجية الأميركية التي اعتبرت ذلك مخالفاً لالتزامات مصر الدولية. هم يريدون نوعاً من التوازن لا يهدد مصالح الأميركيين، خصوصاً أن «الإخوان» ساعدوهم في التعاطي مع «حماس». الحقيقة أن «الاخوان» في مأزق وفي حالة ترقب وقلق، عندما تقول ان مرسي ذهب الى الصين وغيرها، مصر تريد أن تنضم الى تجمع «بريكس» (البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين وروسيا)، ولكن لا يمكن أن يدخِلك معه، فهذه ليست عملية مجلس عرب.
هم ينظرون الى الناتج القومي للبلد وقدرته على التصدير، نحن بالنسبة اليهم مصر قزم، بالتالي ما لم يكن لدينا مجتمع قوي يقف على قدميه اقتصادياً واجتماعياً وداخلياً، لن تكون لنا سياسة خارجية… بالتالي تأثير مصر غاب، كما لو أنك بلا هدف ولا أي دور.

> ما رأيك في أوضاع سورية؟

– العالم العربي يكرر ما حصل في 1991 عندما دخل صدام حسين الكويت. لو ذهب جميع الرؤساء والقادة العرب الى العراق، وقالوا لصدام لن نغادر قبل خروجك من الكويت، لكنّا وجدنا حلاً. أنا اقترحت قبل شهر عقد قمة عربية في سورية، لا حل هناك سوى التفاوض، حل سياسي يعتقد بمقتضاه الطرفان أنهما سيحققان مكسباً. لا يمكن أحدهما أن يقصي الآخر، هناك أقليات علوية وكردية وغالبية سنّية، يجب أن يجدوا صيغة للتعايش، وإلا ستتحول (سورية) الى أسوأ من العراق. نرى الآن العراق بعد عشر سنين (على غزوه) ماذا يحدث؟ سورية أسوأ بكثير، المسألة ليست في بشار الأسد وإنما في نظام فيه طائفة علوية تبلغ نحو 15 في المئة (من السكان) وهناك سنّة وأكراد. لا بد من حل سياسي لصيغة من التعايش السلمي في إطار ديموقراطي. أنت تنتظر حتى أولياء أمورك، أميركا وروسيا، يأتون لعقد مؤتمر، أنتَ فقدتَ القدرة على المبادرة. أتذكر عندما أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز في اجتماعٍ للقمة عقد في الرياض قبل نحو خمس سنوات، أن الشعوب فقدت الثقة فينا، وعندما التقيته قلت له هذا أفضل ما قلته. ما يحدث في العالم العربي الآن يحاكي ما حصل في أوروبا في القرن التاسع عشر، حروب بين أنظمة وليست حروباً بين شعوب.

> إذاً، كيف ترى الحل في سورية؟

– حل سياسي وليس هناك سواه، يعتمد على فترة انتقالية وصيغة للتعايش السلمي المشترك، على أن تجرى تحقيقات في الجرائم التي ارتكبت.

> ماذا عن مصير الأسد؟

– مصيره نقطة تحت السطر، بالنسبة الى مستقبل سورية. هناك 80 ألفاً قتلوا، ونحن نجلس لنشاهد. ومن الأمور المثيرة للضحك أن اسرائيل إذا قتلت شخصاً، تتحرّك النخوة العربية. نحن نتقاتل، وفي العراق نزاع سنّي – شيعي.

> هل تخشى من هذا النزاع السنّي – الشيعي؟

– بالتأكيد. تحوّل خلافنا من خلاف على قضية مركزية اسمها القضية الفلسطينية، حتى أطراف القضية انقسموا، وباتت خلافاتنا اليوم: أنتَ شيعي، أنتَ سنّي، أنتَ كردي… تجد هذا في اليمن، في العراق وليبيا وسورية، وحتى في مصر بين الأقباط والمسلمين. دخلنا في قضايا القرون الوسطى مثل حرب البروتستانت والكاثوليك، العالم كله اتجه اليوم الى التركيز على الإنسان والتضامن الإنسانيّ وكرامة الإنسان وحقوقه فيما انتقلنا نحن لنعبّر عن غضبنا بقتل بعضنا بعضاً، وفي النهاية هُمّشنا.

> هل تعتقد بأن لدى «الإخوان» رغبة في التعاون مع إيران؟

– أعتقد بأن لديهم حساباً حذِراً جداً لأميركا، الحليف الأساسي لهم، في هذا الشأن، فـ «الإخوان» والجيش ما زالوا يعتمدون على الدعم الغربي، لذلك لن يخرجوا في علاقتهم مع إيران عن العباءة الأميركية.

> إذاً، أنت ترى أن زيارة مرسي روسيا غير مهمة؟

– لا… ما النتيجة من هذه الزيارات؟ لا شيء. أنا يمكن أن أذهب كسائح، ولكن هل هذا جزء من رؤية؟ هل لديَّ شيء لأعطيه أو أحصل عليه؟ في ملف مثل الطاقة، أصبحنا مثل الصومال، انقطاع الكهرباء بات يومياً، ساعتين في كل منطقة كحد أدنى، وصلنا الى مرحلة نعجز فيها عن تأمين الكهرباء والمياه. في الشهر المقبل، شهر رمضان، درجة الحرارة مرتفعة والناس صائمون، اقطع الكهرباء والمياه عنهم، يمكن أن تندلع لدينا ثورة الكهرباء.
أما بخصوص إيران، فنحن خلطنا بين الموقف السياسي والموقف الطائفي، الشيعة والسنّة. نعم، لدينا خلافات كعالم عربي مع إيران في ما يتعلق بالجزر الإماراتية، والخوف من التمدد الإيراني، وأصبحنا ننظر الى ايران كأنها عدو بدلاً من أن نقول إنها دولة مسلمة كبيرة يمكن استقطابها، وأن تعمل معنا مثل تركيا، في فضاء عربي إسلامي كبير، يضم أيضاً ماليزيا وغيرها. أصبحنا ننظر الى ايران تحديداً في الخليج، كعدو أول، أضف الى ذلك أنه أصبح هناك خلاف سنّي – شيعي. ذهبت الى إيران والإيراني يذهب ليصلي مثلنا خمس مرات، ويؤدي فريضة الحج والصوم.

> لكن هناك محاولة لإيران لبسط النفوذ السياسي؟

– يجب أن نفصل مع السياسي. إيران تريد الاعتراف بها قوةً إقليمية كبيرة.

> من التقيَت في إيران؟

– التقيت (الرئيس محمود) أحمدي نجاد و (المرشد علي) خامنئي، وكل هذه الفرقة.

> من الذي قال في ايران «نريد أن نصبح قوة إقليمية»؟

– (رئيس مجلس الشورى علي) لاريجاني، وأحمدي نجاد قالا «يجب أن يُعترف بنا كقوة إقليمية كبيرة». هم (الإيرانيون) قوة إقليمية كبيرة، خلافهم الأساسي مع أميركا، وأحمدي نجاد يريد تصفية هذه الخلافات، وهدفه وحلمه أن يكون صاحب هذه الصفقة الكبرى، إذ يعتبر أنه إذا حقق ذلك سيكون بطلاً وطنياً، خصوصاً لأن الشعب الإيراني، 80 – 90 في المئة منه، يريد علاقات طبيعية مع أميركا. أحمدي نجاد قال لي في آخر سنة قبل مغادرتي الوكالة الذرية «أريد التفاوض مباشرة مع أميركا فقط، ولا أريد روسيا والصين».
إيران، تختلف معها، ولكن لديها فكرة ورؤية، وتريد أن تكون لديها القدرة النووية. تعتقد بأن أميركا والغرب عموماً سيعترف بها كقوة، في هذه الحال. حديثهم كان واضحاً وصريحاً «لا ننازع حقيقة أن أميركا هي القوّة العظمى الوحيدة ولكن يجب أن يعترفوا بنا كقوة إقليمية كبرى». هذه هي المعادلة لدى الإيرانيين، يستغلون الضغط في العالم العربي، ويستغلون الضغط في سورية لمصالحهم، ولكل دولة مصالحها، سواء كنت تتفق أو تختلف معها، ولكن أنتَ ما مصالحك؟ وكيف عبّرتَ عنها؟ لا أعتقد بأننا في العالم العربي حددنا يوماً مصالحنا.

> إذا أجريت انتخابات مبكرة، هل تترشح للرئاسة؟

– لا… لا أريد الترشح، أريد أن أكون مدرباً وليس لاعباً، وسأكون أكثر فاعلية بأن أعمل من خارج النظام، أساعد هنا وهناك داخلياً وخارجياً.

> إذاً، أنتً لن تترشح؟

– لا… أنا غير مرشح.

> وهل تعتقد بأن المعارضة قادرة على كسب انتخابات رئاسية مبكرة؟

– في حال توحدها. والجميع استوعب الدرس، كون انقسام المعارضة هو الذي أوصل مرسي الى الحكم. وأعتقد بأنها أدركت هذا الخطأ ولن تستطيع أمام الشعب ألا تتوحد.

> ما علاقتك بحمدين صباحي الآتي من تجربة تختلف عن تجربتك؟ هل هناك لغة مشتركة بينكما؟

– هناك لغة مشتركة حول المستقبل، أما الماضي فمختلف. نريد دولة مدنية سمتها عدالة اجتماعية، وحرية، عملت في إطار هذه المفاهيم مع «الإخوان المسلمين»، ومع حمدين صباحي وعلاقتي ودية مع (عبدالمنعم) أبو الفتوح. لا نملك ترف القول نحن يسار أو قوميون أم مدنيون. نحن شعب لا يملك قوت يومه، ولا التعليم ولا الحاجات الأساسية للإنسان. لا يمكن، سواء كنت آتياً من الحزب الماركسي الشيوعي أو اليميني، أن نختلف على الأولويات، وهي إعطاء الإنسان الحريات الأربع: التعبير والرأي والعقيدة والحرية من الخوف والحاجة.

> كيف كانت مناقشتكم داخل جبهة الإنقاذ، حول العشاء الذي حضره عمرو موسى وخيرت الشاطر، في منزل أيمن نور؟

– كان هناك انتقاد كبير لهذا اللقاء، لأننا وصلنا الى مرحلة قلنا فيها إننا ندعم يوم 30 حزيران (يونيو) ونحضّر له، ولسنا في وضع أن نجلس مع «الإخوان المسلمين» لأنهم لم يصدقوا معنا. كثير من الأصدقاء انتقدوا لكن عمرو موسى دافع عن موقفه كونه محاولة لتجنب مواجهة، واعتذر عما سبّبه من لغط، واتفقنا ألا يتم مثل ذلك في المستقبل قبل التشاور. (رئيس حزب الإخوان سعد) الكتاتني التقيته في منزلي قبل ثلاثة أشهر، عندما كنا نتحدث عن تشكيل حكومة جديدة، وكنا نحاول آنذاك أن نصل الى توافق وطني. كان كل الأطراف متفقين على ضرورة التوصل الى صيغة للمصالحة الوطنية، ووضعنا ثلاثة شروط: حكومة كفاءات من التكنوقراط تستطيع أن تخرج البلاد من الوضع الاقتصادي والأمني المتردي، وتعيين نائب عام جديد، وتشكيل لجنة لإعداد قانون يضمن انتخابات برلمانية حرة ونزيهة. ولو كانوا فعلوا ذلك سندخل في حوار وطني جدي، هدفه تحديد كيف تتم المصالحة الوطنية وكيف يتم تعديل الدستور. نقلت الى الكتاتني هذا الحديث، فقال إنه سيسافر في اليوم التالي الى اليابان، وحتى اليوم لم أتلقَّ منه أي رد. حاولنا كثيراً الوصول الى توافق وطني، ولا أحد سعيدٌ بالاستقطاب الحاصل في مصر، والجميع سيسخر منه. حُكِم علينا أن نعيش معاً، ويجب أن نجد صيغة للعيش المشترك، ولكي يحصل ذلك، يجب أن يحترم كل شخص الآخر وخصوصياته.

> رأيتَ رؤساء كثراً في العالم، مَن أكثر الشخصيات التي أعجبت بها؟

– أبرز مَنْ وجدت أنه سياسي مثالي، هو رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ.

> التقيتَ القذافي، هل ذهبت الى خيمته؟

– لا، التقيته في باب العزيزية، كان ذلك في عام 2005، وكان الطقس بارداً، والمكان الوحيد الدافئ، الغرفة التي يجلس فيها. وجلست مع عبدالرحمن شلقم الذي قال لي في البداية «أريد أن أطرح عليكَ سؤالاً لكنني محرج»، فقلت ما هو، أجاب «لماذا يكرهكَ المصريون»؟ كان هذا أول سؤال، ومن البداية لم أكن جزءاً من هذا النظام، وكان القذافي يقول بتفاخر شديد ان ليبيا تمكنت من تدمير مطار هيثرو، من طريق الجيش الجمهوري الإرلندي (آي آر أي). ظل يقول لي «هذه ليبيا الصغيرة أغلقت مطار هيثرو ثلاثة أيام».

> هل كنتَ تفهم لهجته بسهولة؟

– نعم، كان يتحدث لغة عربية جيدة. كان يتفاخر سعيداً بعمليات التخريب التي يقوم بها، ويقول «ليبيا الصغيرة فعلت». قال لي «أنت طبعاً ناصري»؟ فقلت له لا، عبدالناصر لديه أفكار ممتازة لكنه في التنفيذ كان سيئاً. ولاحظت أن قدراته (القذافي) بسيطة جداً، تحدثت معه حول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والدول ذات المظلة النووية، لكنه قال لي «مَن هذه الدول»، وأخرج ورقة وأخذ يكتب أسماءها.

> ذهبتَ الى القذاقي من أجل الملف النووي؟

– نعم.

> ماذا بحثتَ معه؟

– الملف النووي الليبي. انهم بعدما تلقوا ضربة من رونالد ريغان، قرروا بناء برنامج نووي، لكنه كان برنامجاً بدائياً على أقصى التقديرات… معدات غير مكتملة داخل صناديق، ودفعوا أموالاً طائلة.

> مَنْ مِن الخبراء كان يعمل معهم في هذا الملف؟

– عبدالقدير خان التاجر (الباكستاني) الشهير، وجزء كبير من الأموال دخل الى جيوب… لم تكن هناك وثائق، وذلك كان جزءاً من خلافاتهم مع بعض، كنت أرى سيف الإسلام القذافي، كان يسأل ماذا كان يحصل؟ في النهاية لم يكن هناك برنامج، وأنا قلت إن هذا برنامج وليد، وحاولوا أيضاً تصنيع برنامج كيماوي، لكن هذه عملية صرفت عليها ملايين الدولارات، عملية ليس لها هدف، وكانت الاستخبارات الأميركية والإنكليزية تعلم بهذا البرنامج، وبدأوا بالضغط عليه، يبدون ترحيبهم بالقبول به كجزء من مصالحة معه، وكانت ليبيا في حالة سيئة بسبب الحظر الشديد. بعد إنجاز المصالحة ذهبت الى هناك، كانت الفنادق بدأت تنشط، ورجال الأعمال ذهبوا للعمل في التنقيب عن النفط، إنما هو (القذافي) طلب مني أن أقول إن ليبيا أصبحت مثالاً لدول الشرق الأوسط، مثالاً للسلام… شخصية بسيطة جداً، أما المثير للضحك فهو أن البرنامج الذي كانت تنفذه مصر، لم تكن تعلم عنه أي شيء. هم (الليبيون) أبلغوني أن حسني مبارك غضب بشدة، إذ كان خرج قبلها بنحو شهرين ليؤكد أن ليبيا ليس لديها أي برنامج. بعدها خرج الأميركيون واعترف الليبيون: لدينا برنامج ونقوم بتصفيته.
غضب مبارك بشدة، فأرسلوا له عبدالله السنوسي لاسترضائه في القاهرة. هذه ليست دولاً ولا أنظمة، لم تكن لدى ليبيا أي كفاءة وأي إدارة، وكان هناك خوف شديد.

> التقيتَ رئيس غانا؟

– كان لديهم أكبر قبيلة اسمها كينغ أوف اشانتي، وكان رئيس غانا كوفور. كنا في طريقنا الى كوماسي، مقر ملك القبيلة، فذهبنا الى كينغ أوف اشانتي، رأيناه يرتدي الملابس التقليدية، وحوله خمسة شباب يرتدون الصنادل، هم أولاد الملك الذي كان يجلس على العرش في منزل جيد وليس قصراً، ورئيس الجمهورية يجلس الى جواره. ملك القبيلة يتحدث اليك عبر طرف ثالث (وسيط)، ينقل كلامه، فقلت «عندما تذهب الى الوكالة الذرية سأتعامل معك بهذه الطريقة».

> ولماذا ذهبت للقاء رئيس غانا؟

– لتقديم مساعدة.

> ولماذا ذهبتَ الى الملك؟

– عندما ذهبت الى هناك، أخذني الرئيس لتناول الغداء عند الملك الذي ظل يتحدث نصف ساعة. بعدها اكتشفت أنه حصّل تعليمه في إنكلترا، وأن أبناءه تخرّجوا في كبرى الجامعات العالمية.
ذهبت أيضاً الى أمير أوف ذاريا، في شمال نيجيريا. وهناكَ من يدخل يجب أن يدخل على يديه ورجليه، من باب الاحترام لأمير ذاريا.

> ورأيتَ زعماء كثيرين؟

– رأيت مثلاً بوش قبل غزو العراق، وكنت أنا وهانز بليكس. قال «يجب أن نجد حلاً سلمياً للعراق». رأينا عدداً كبيراً من الرؤساء، وفي النهاية تكتشف أن كل انسان لديه أشياء جيدة وأخرى سيئة.

> هل رأيتَ صدام حسين؟

– لا، لم ألتقه، وكان رافضاً لقاء أي شخص.

> وهل التقيتَ بشار الأسد؟

– لا.

> وماذا عن البرنامج النووي السوري الذي قصفته إسرائيل؟

– لم يظهر أي شيء حتى الآن، تم ضربه وبعد ستة أشهر قالوا لنا «نعتقد بأنه برنامج نووي»، لكن الغريب أن سورية تساهلت بعد الضربة ولم تقدم أي شكوى لدى الأمم المتحدة. عندما ذهبنا (الى سورية) كانت أُجريت عمليات تغيير للميدان وبناء مبنى جديد. لم نعلم إلا متأخرين، فيما كان الأميركيون يعلمون قبلها بنحو سنة. أي أنه كانت لديهم المعلومات لنحو سنة ونصف سنة، وحتى الآن لا معلومات مدققة، هناك علامات استفهام ولم نتوصل الى شيء.

> لكن البرنامج الإيراني يتقدم؟

– البرنامج الإيراني نتيجة للعنجهية الأميركية. كان الهدف الأساسي للأميركيين حرمان إيران من أي معلومات حول البرنامج النووي، وألا تدير جهازاً واحداً للطرد المركزي. كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية السابقة) ظلت تقول لي هذا الحديث لسنوات، وفي النتيجة إيران كان يمكن أن توافق في يوم من الأيام على سقف مخفوض جداً، وبحسب اقتراح روسي، الآن تعمل ايران على أكثر من عشرة آلاف جهاز للطرد المركزي، إيران حصلت على كل التكنولوجيا نتيجة سوء وقصر رؤية الإدارة الأميركية. (الرئيس باراك) أوباما بعد وصوله الى الحكم اتصل بي هاتفياً وقال: «أريد حل مشكلة إيران، وكنا قاب قوسين أو أدنى من الحل. ولكن عندما وصلنا الى الحل، السياسة الداخلية في ايران، ضربت في أحمدي نجاد»، وقالوا له «تريد أن تبيع البلد». إيران، للأسف، مرت في أحيان كثيرة بسوء الإدارة، وأحياناً كثيرة سقطت على مذبح السياسة الإيرانية، ومذبح السياسة الداخلية الأميركية. وفي النهاية معضلة ايران ستُحل، ولن تحل إلا في اطار صفقة كبرى، تتضمن تطبيع العلاقات بين أميركا وإيران. كنت أنبّه، وقلت هذا لمبارك وعمر سليمان منذ سنوات وقمت بتشجيعه كثيراً على لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن.
وفي آخر مرة التقيت حسني مبارك، وأنا أغادر وكان عمر سليمان واقفاً، واسامة الباز وزكريا عزمي، عقب غداء قلت «إذا استمرت هذه السياسات، مصر بل العالم العربي، سيدمر، والشرق الأوسط سيكون من ثلاث دول: تركيا وإيران وإسرائيل. للأسف، السياسة ذاتها ما زالت هي هي.

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى