نوافذ للحوار| الدكتورة منى مكرم عبيد لـ «المصري اليوم»: المساعدات العسكرية ستعود.. وحكومة «الببلاوى» ليست ثورية (حاورتها: أسماء المحلاوى)
حاورتها: أسماء المحلاوى
لعبت الدكتورة «منى مكرم عبيد» أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية دوراً مهماً فى ملاحقة الأكاذيب الإخوانية فى الأوساط الأمريكية، لما تحمله من وزن وثقل علاقات ممتدة فى الدوائر الأمريكية، وفى حوارها لـ «المصرى اليوم» تكشف «عبيد» عن لقاءاتها بالأمريكان خلال زياراتها المتكررة إلى واشنطن، وتفاصيل تلك المقابلات التى نجحت خلالها فى توضيح الصورة الذهنية المغلوطة لديهم عما حدث فى ثورة ٣٠ يونيو، والتى شوهها الإخوان من خلال ما كانت تبثه قناة الجزيرة القطرية- حسب قولها-.
وأوضحت «منى» أن موقف الفريق «السيسى» الرافض لإملاءات الولايات المتحدة كان مفاجئاً وجديداً وغير متوقع لدى الإدارة الأمريكية، التى أدركت الآن حجم خطيئتها فى حق مصر، ورهانها الخاسر على «الجماعة»، كاشفة عن أن أمريكا ستفرج قريباً عن المساعدات العسكرية المعلقة، فيما وصفت حكومة «الببلاوى» بأنها غير ثورية، وأنها كانت تنتظر منها إعادة بناء مؤسسات الدولة والقصاص للشهداء. وإلى نص الحوار..
■ ما قصة بيان ٣٠ يونيو الذى شاركت فيه لمطالبة الجيش بالتدخل بعد احتدام المشهد فى الشارع؟
– هذه كانت مبادرة من «حسب الله الكفراوى»، وهو كان على اتصال مع الجيش والأزهر والكنيسة، وكانوا جميعاً يشعرون بأن البلد على حافة حرب أهلية، فى ظل عدم وجود قرار حاسم إزاء ما يحدث، وطلبوا من بعض الشخصيات التى لها قبول فى الشارع أن تشارك وتمنح نوعاً من التفويض للجيش، واتصل «الكفراوى» ببعض الشخصيات وطلب منهم الحضور لمنزله من بينهم أنا والكاتب سعد هجرس واللواء فؤاد علام ونقيب الزراعيين ونقيب العمال وآخرين، وكتبنا بياناً وأرسلناه للمسؤولين، وفى نفس الليلة خرجت أنا و«هجرس» و«علام» وأعلناه فى الفضائيات، ولم يكن هناك أى شىء سرى نهائياً، ولم نكن نعلم أى شىء قبل هذا البيان، كان الجميع يراهن ويتمنى أن يلاقى البيان قبولا، أو أننا كنا سنجد أنفسنا مسجونين فى طرة، وعندما سئلت عن البيان فى الولايات المتحدة قلت لهم نعم شاركت فيه، وفخورة أن اسمى كان موجوداً ضمن قائمة التوقيعات لقامات وطنية «قلبها فعلاً على البلد»، وأنا أحتفظ بهذه الوثيقة التى تحمل كل التوقيعات.
■ هل كان الجيش وقتها فى حاجة إلى رعاة مدنيين للتدخل، رغم الحشود المليونية فى الشوارع؟
– بالطبع، وعلينا أن نفرق بين القوات المسلحة فى ٢٠١٣، وبين الجيش فى ١٩٥٢، «ففى ثورة ٥٢ الجيش هو اللى دخل والشعب هو اللى سانده»، لكن هذه المرة الشعب من نفسه شعر بقلق وفزع وطلب من الجيش النزول لحمايته، وهذا أشعره بأهمية رأيه، فطوال ٦٠ سنة لم يكن هناك أى اعتبار له، وذلك يعتبر من أهم إنجازات ثورة ٢٥ يناير.
■ هل تعتبرين هذا البيان أو الطلب تفويضا مبكراً من النخبة السياسية لـ«السيسى»؟
– لا.. الوقت كان مناسباً جداً، ولم يكن لنا أن نتأخر وننتظر أكثر من ذلك حقنا لدماء الأبرياء، وجر البلاد إلى حرب أهلية يقتل فيها المصريون بعضهم البعض، فالنخبة فصيل عبر عن الشعب، وكان لزاماً علينا دعم القوات المسلحة.
■ زرت واشنطن مؤخرا.. ودافعت فى معهد الشرق الأوسط عن ثورة يونيو.. كيف كان صدى لقائكِ مع الأمريكان هناك؟
– خاطبتهم بمصطلح هم يعرفونه ويعونه تماماً، هو «العزل الشعبى»، وهو يلخص حقيقة ما حدث مع «مرسى» أن الشعب هو الذى عزله، وهم أنفسهم «متعودين عليه» لأنهم استخدموه مع «نيكسون» عندما خان مهامه وصلاحية وظيفته، وخان ثقة الأمريكان فيه بعد أن اختاروه رئيساً عليهم، حتى إن سيناتور من الحاضرين قال لى هذا إصطلاح حقيقى، وهو الذى سيمنع الإدارة الأمريكية من إيقاف الدعم عن مصر، وبناء عليه فهم الحضور والإدارة والمسؤولين ما حدث، ثانياً لا توجد ثورة فى العالم خرج فيها ملايين مثلما حدث فى ٣٠ يونيو، «وفيه أى ديمقراطية أكتر من إن الناس هم اللى خرجوا من نفسهم فى الشارع عشان يسقطوا النظام اللى كانوا شايفينه ضد مصالحهم ومكبل لحرياتهم».
وما لبث هذا الاستقبال الجيد إلا وتغير، فبعد الزيارة التى قمت بها تم فض اعتصامى رابعة والنهضة، وكانت هناك انتقادات لاذعة بشأن عدد القتلى والعنف، وذلك كان وفقاً لما استقبلوه من معلومات مضللة من الإخوان الذين كانوا يتواصلون معهم أولا بأول، ولديهم فريق علاقات دولية يعمل بشكل منظم، وبتمويل من قطر، وذلك ما افتقدناه، فلم يكن لدينا أى تواصل مع الغرب، وقلت للأمريكان «إنتوا ليه مكنتوش بتشوفوا بنفسكم بعيداً عن رؤية الإخوان، انتو كنتو بتتفرجوا على الجزيرة بس، وكانت بتعرض لقطات العنف اللى ضد الإخوان فقط»، والآن الناس العاديين هم الذين يواجهون التيار المتشدد وليست الحكومة.
■ وكيف واجهت اعتداء أنصار الإخوان عليكِ فى ألمانيا؟
– ما حدث لى بعد أن أحاطنى أنصار الإخوان فى المطار، وألصقوا «بوستر» رابعة على السيارة التى أقلتنى، وظلوا يسبون فى الحكومة والجيش، واستفزونى لكى أرد عليهم، لكنى لم أرد والتزمت الصمت تماماً وتعاملت بكل برود، وهذا كان يثيرهم أكثر، وفى اليوم الثانى الحكومة الألمانية خصصت لى ٣ «بودى جارد» رافقونى طوال رحلتى، وصعدوا معى حتى باب الطائرة.
ألمانيا بلد فيها نظام ولديهم مبادئ ورؤية، هم يريدون ديمقراطية وعدالة فى مصر، وللأسف هم أيضا يصل إليهم أن هناك هدرا لحقوق الإخوان، وليس صحيحاً ما يقال أن ألمانيا تتحالف مع الإخوان.
■ هل تعتقدين فعلا أن إدارة أوباما مازلت تناصر الإخوان وتسعى لإنقاذ مرسى؟
– لا.. هناك تراجع واضح فى موقف البيت الأبيض، وهناك تراجع تام عن كل التصريحات الأمريكية التى كنا نسمعها، ورأينا ذلك فى آخر تصريح لـ«جون كيرى»،عندما اعترف ضمنيا بالحكومة الحالية وخارطة الطريق.
■ وهل هذا سينعكس على تحرير الجزء المعلق من المساعدات؟
– أكيد وقريبا جداً، وكبار المفكرين والسياسيين والمثقفين كانوا متحفظين جداً على هذا القرار، وقالوا إن هذا أكبر خطأ حدث، هو تعليق جزء من المعونة المالية والعسكرية، بالإضافة إلى أن رد الفريق «السيسى» بأنه لا أحد يفرض علينا أى إملاءات، «دى كانت حاجة جديدة عليهم»، فنحن منذ أكثر من ٣٠ سنة تابعين للأمريكان، وهذه كانت مفاجأة كبيرة لهم، وقلت للأمريكان أنتم تظنون أن «السيسى» عاد فى شخص «عبدالناصر»، وهذا خطأ كبير، «السيسى» فيه ٣ أمور من «عبدالناصر»، فالشعب شعر معه أنه أعاد له كرامته، و«إحنا المصريين عندنا كلمة كرامة أهم من كلمة ديمقراطية»، بالإضافة إلى موقفه فى استقلال القرار الوطنى، وكاريزمته الطاغية، وتلك هى أسباب شعبيته، فضلاً عن بنائه الفكرى ومشاعره الوطنية، والأمريكان إلى الآن لم يستوعبوا إحساس المصريين تجاه الجيش، وأنا أذكر ذلك من وقت الثورة، عندما كان الصحفيون الأجانب يأتون لمصر ويسألون «إنتم مالكم بتحبوا الجيش كدة؟»، فقلت لهم «عشان مفيش عيلة فى مصر معندهاش فرد إلا ودخل الجيش»، وحتى فى السنة التى كنا نعترض فيها على ممارسات المجلس العسكرى، وأنا كنت مستشارة له، كنا نتقدده أكثر من كوننا نرفض وجوده.
■ ما دلالة التقارب المصرى الروسى.. وانعكاس ذلك على العلاقات المصرية الأمريكية؟
– هذا تقارب متسارع بشكل كبير، وأزمة سوريا هى التى سمحت لروسيا أن تعود للمشهد السياسى العربى مرة أخرى، هذا إلى جانب موقفها من الثورة المصرية، وهذا طبعاً أثر فى الشعب المصرى، ثم إن الرئيس الروسى رجل دولة رغم أنه ليس ديمقراطياً ولا تمثل له حقوق الإنسان شيئا، لكن لديه استراتيجية وحسم فى مواقفه وهو ذكى، ويدرك تماماً أنه يريد إعادة روسيا إلى ما كانت عليه قبل ٨٩، ويعيدها إلى مجدها القديم بأن يكون لها وزن وثقل فى المنطقة، لكن أريد أن أؤكد أن علاقات مصر مع أمريكا من أهم العلاقات الاستراتيجية فى المنطقة، خاصة بين الجيش المصرى ونظيره الأمريكى، وأنا قلت ذلك فى أمريكا، وكلاهما حافظ لاتفاقية السلام، وليس الحكومة، ولا يجب التفريط فى ذلك.
وأمريكا أخذت مساراً خاطئاً ضد مصر لكنها من المستحيل أن تتخلى عنها، وراهنت على أن الإخوان فصيل حقيقى، وأنه هو الذى سيحقق لها مصالحها.
■ ما تعليقك حول تهديد الكنيسة بالانسحاب من لجنة الخمسين، إذا أقرت المادة ٢١٩ فى ديباجة الدستور؟
– نحن الآن فى وقت يحتاج لتكاتف مجتمعى، وعلينا أن ننحى خلافتنا جانباً، لكن هناك أمور لا يمكن السكوت عليها، والأقباط يرون أن ما يحدث يهدد هويتهم وحقوقهم لفرض أمور بدون مبرر، وأنا أتمنى ألا تترك الكنيسة مقعدها فى لجنة الخمسين، ثم إن لجنة العشرة أزالت المادة ٢١٩، «ليه بيرجعوها تانى؟ ما خلاص انتهينا منها»، الكنيسة لم ترفضها وحدها بل أدت تلك المادة لانسحاب ٥٠ عضوا من اللجنة التأسيسة الأولى فى ٢٠١٢.
والأقباط يريدون أن يعيشوا فى دولة مدنية تضمن لهم أبسط حقوق المواطنة، وترك الكنيسة لمقعدها سيعطى الفرصة لمن يريدون تمرير هذه المادة أن يفعلوا ذلك، فيضيع حق الأقباط وصوتهم فى المشاركة السياسية فى إعداد الدستور، كما أن لجنة الخمسين هذه المرة مختلفة تماما «تأسيسية ٢٠١٢» هم كانوا يريدون فعلاً «تطفيش» من يطالبون بالمدنية، لكنهم الآن استشعروا فعلاً بقيمة المدنية ويطالبون بها، لكنهم مكبلون وتمارس عليهم ضغوط لقبول هذه المادة التى تؤسس لدستور سلفى وتكرس لدولة دينية، نحن جميعاً نرفضها، ثم إن وضعها فى الديباجة أو متن الدستور يخالف مبدأ المواطنة للجميع، ثم إن المادة ٢ التى تتحدث عن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وافق عليها الجميع حتى الكنيسة، وجميعنا يعلم أننا فى دولة إسلامية، وهناك أمور كثيرة عليها خلافات يمكن مناقشتها بعد أن نؤسس إلى ثقافة ديمقراطية ودولة مؤسسات، وحتى يخرج الدستور بتوافق مجتمعى لابد وأن تزال المادة ٢١٩.
■ وماذا عن المواد المتعلقة بالجيش؟
– الوقت غير مناسب للحديث عنها، لكن يمكن مناقشتها فى البرلمان أو فى تعديل الدستور خلال السنوات المقبلة، ما من داع للتركيز على الخلافات، بل نبحث عن المشترك بيننا، فالذى يجمعنا أكثر من الذى يفرقنا.
■ هل اختلفت وجهات نظر الكنيسة الآن عما كانت عليه فى ٢٠١٢؟
– لا.. هم لديهم ثوابت متمسكون بها، وسيظلون على هذا النحو، أهمها ترسيخ المواطنة وعدم التمييز، وكنا نتمنى أن تتطرق لجنة الخمسين إلى قانون دور العبادة «اللى بقاله ٤٠ سنة محبوس فى الأدراج»، منذ أن كنت أنا عضو فى البرلمان فى ٩٥، كنا نتمنى أن يكون هناك أى شىء يطمئن الأقباط أن رؤية الحكومة مختلفة، وحدث تغيير حقيقى بعد الثورة.
■ هل أنت مع التمييز الإيجابى للأقباط أو المرأة أو الشباب؟
– لا.. وقلنا من قبل إنه لا يجب أن يكون هناك تمييز بين للشباب والأقباط والمرأة والنوبة، لابد أن تكون هناك آليات تسهل دخول الفئات المهمشة، وإذا قسنا ذلك على المرأة، فأفضل كوتة المرأة تم تأسيسها، كانت أيام «جيهان السادات» عندما خصصت ٣٠ مقعدا للمرأة فى البرلمان، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية المزورة فى ٢٠١٠ وهى أسوأ انتخابات شهدتها مصر فى تاريخها السياسى، وكانت من الأسباب التى دقت أول مسمار فى نعش النظام، واندلاع ثورة يناير، بالإضافة إلى خالد سعيد وحادث كنيسة القديسين، تلك الأسباب مجتمعة فجرت الناس ضد نظام الحكم، وكانوا القشة التى قسمت ظهر مبارك.
■ ما تعليقك على إلغاء الشورى.. وهل يؤثر على طبيعة ذلك على البرلمان المقبل؟
– أنا ضد إلغائه، وأؤيد موقف «عمرو موسى»، وكنت أتمنى أن يلاحظ معظم الأعضاء الموجودين أن سيئات مجلس الشورى موجودة منذ نشأته، بسبب غياب وانعدام وجود قواعد صحيحة ومتينة تحكمه، علينا أن نعود لمجلس الشيوخ الذى كان موجودا قبل ١٩٥٢، ونرى كيف كان يعمل، وما صلاحياته وطريقة إدارته؟، لكن لا يجب إلغاء المجلس برمته من حيث المبدأ، لكن نلغيه بشكله الحالى، ونؤسس لآخر جديد يشبه «الشيوخ»، الذى كان يضم عظماء أمثال «مصطفى مرعى»، و«مريد غالى»، و«إبراهيم شكرى»، جميعهم أثروا الخطاب السياسى، وساهموا فى خروج قوانين كثيرة محترمة أيام عبدالناصر مثل الإصلاح الزراعى والأسئلة البرلمانية.
و«الشورى» الجديد- إذا تراجعوا عن فكرة إلغائه- يجب أن يكون له صلاحيات أكثر كمنحه ميزانية الدولة، ولا يجب التقليل من أهمية «الشورى»، خاصة فى بلد مثل مصر، فيها استقطاب شديد وانعدام وجود ثقافة الديمقراطية، وأنا أرى أن من الأفضل للحياة السياسية أن يكون هناك غرفتان للتشريع فى الدولة، حتى لو لم يمنح لـ«الشورى» صلاحيات تنفيذية. إلغاء «الشورى» غباء سياسى، لأنه بمثابة «رمانة ميزان» فى التشريعات، خاصة أن أى شخص يستطيع دخول مجلس الشعب، و«هنشوف فى الانتخابات الجاية تجار سلاح وتجار مخدرات، وأصحاب الأموال السايلة، وأى حد عنده فلوس هيقدر يدخل الانتخابات بكل بساطة»، انتخابات «الشعب» تحتاج نوعا من الميزان، حيث يجب أن يكون هناك مجلس ثانٍ يقرر توصيات أو استشارات أو انتقادات للقرارات التى تصدر من البرلمان، وقد اقترحت أن تكون العضوية فى مجلس الشورى كلها بالتعيين، وينتسب له «كريمة» المثقفين والمفكرين والدستوريين والسياسيين، ويكونون من الذين لا يرشحون أنفسهم فى الانتخابات ولديهم عطاء فكرى، ويمكن أن يثروا من خلاله الحياة النيابية، وهذا موجود فى أمريكا وإنجلترا والأردن وبلاد كثيرة.
■ هل أنتِ مع قانون التظاهر أم ضده؟
– التظاهر حق من حقوق الإنسان، لكن السلمى منه غير موجود حتى الآن، جميعها احتجاجات تتسم بالعنف، وفى كل البلاد الديمقراطية، نجد أن الراغبين فيه يتقدمون بإخطار للأمن برغبتهم فى التظاهر يحددون فيه السبب والمكان والوقت وآلياته، والأمن يحميهم خلال تظاهرهم، وهذا هو الذى نريد تطبيقه فى مصر.
■ وزير الخارجية قال إن من حق حزب الحرية والعدالة خوض الانتخابات المقبلة.. هل أنتِ مع ذلك؟
– نعم أوافق تماماً، لأن التيار الإسلامى فصيل مهم فى المجتمع، وإذا كانت شعبيته انهارت، فالصندوق الانتخابى هو الذى سيحكم، لكن لابد أن يكون ضمن المشهد السياسى، والذين لم تتطلخ يدهم بدماء الشهداء والتحريض على حرق الكنائس وأقسام الشرطة، الذى له صوت فى الشارع سوف ينجح، ولكن اليوم أهم شىء أن القوى المدنية هى «اللى تشد حيلها» فى الانتخابات، تتحرك بشكل مكثف فى المحافظات، وتوعى الناس، وتقدم رؤية بديلة وحقيقية، ولا أعتقد أن التيار الإسلامى لو خاض الانتخابات سيحصل على نسبة أكبر من ٣٠%.
■ القوى المدنية فى حالة انقسام.. لماذا لا نرى لها دورا حقيقياً.. خاصة بعد هبوط شعبية التيار الإسلامى؟
– القوى المدنية حولها حالة من الضبابية، ولم تقدم رؤية جديدة أو مستقبلية، ولم تستطع جذب الشباب الثورى «اللى مش لاقى نفسه فى أى حزب»، وكنت أتمنى أن يؤسسوا أحزابا ويضموها للجبهة بدلاً من أن ينتظروا من يطلب مشاركتهم، فحركة تمرد نموذج لذلك، وكنت أظن أنها ستكون نواة لحزب شبابى سياسى ثورى، وهم فعلا طافوا كل أنحاء الجمهورية، وإذا نظرنا للتيار الإسلامى «كان بيكسب إزاى؟!»، كان يفوز من خلال ما يقدمه من خدمات للناس فى القرى والنجوع، مع تضمين رسالتهم «إنهم ناس بتوع ربنا».
■ بخبرتك البرلمانية.. أيهما أفضل نظام القائمة أم الفردى أم المختلط، فى ظل ما نعيشه من استقطاب سياسى وانقسام؟
– نظام القائمة سيمنح فرصة للمرأة وللشباب وللأقباط أن يدخلوا الانتخابات، لكن الشعب اعتاد على النظام الفردى، وما زالت الأحزاب لا تقدم برامج أو أفكارا، لكن نظام الثلثين والثلث هو الأفضل الآن، وذلك يعطى الفرصة للجميع للمشاركة.
■ فى تصورك.. ما ملامح الشخصية المناسبة لحكم بلد مثل مصر؟
– بدايةً، «أنا مش عارفة ليه الناس بقت عاملة هيصة على أى مواطن له خلفية عسكرية، ما احنا من زمان ويحكمنا شخصيات لها تاريخ عسكرى»، بدءا من «مينا» موحد القطرين، و«أحمس» قاهر الهكسوس، و«محمد على» بانى نهضة مصر الحديثة، و«عبد الناصر» الذى حقق الاستقلال عن الإنجليز، و«السادات» الذى أعاد لنا سيناء، و«السيسى» الذى خلصنا من المخطط الأمريكى الصهيونى التركى القطرى، جميعهم كانوا عسكريين، المشكلة ليست فى خلفية الشخص، المشكلة فى البناء الفكرى لتكوينه وشخصيته، وهذا لا يعنى أننى أؤيد «السيسى» لكنى أرى أن شعبيته جارفة، ولكن هو الوحيد الذى من حقه أخذ قرار ترشحه للرئاسة من عدمه، لكنه سيفكر ملياً فى إرادة الشعب إذا ضغط عليه.
■ هل تتوقعين خروجاً ثانياً للمؤسسة العسكرية من مشهد إدارة الدولة؟
– لا.. المؤسسة العسكرية مختلفة تماماً، وأنا فى ظنى سواء ترشح «السيسى» أو لا سيظل الجيش له دور أساسى فى السنوات القادمة، والسيناريو الحالى هو سيناريو تركيا من ٢٠ سنة، حكومة مدنية يساندها الجيش فى إطار علمانى.
■ كيف ترين المصريون اليوم؟
– نحن فى معجزة من الله حدثت يوم ٣٠ يونيو، وشاركنا فيها، لكننا نعانى من حالة استقطاب وشرخ فى المجتمع بعد عام من حكم الإخوان، ورغم أننا قلقون إلا أننا فى نفس الوقت متفائلين، فمبعث القلق يأتى من العنف الذى مازال مستمرا يومياً، وأكبر مصيبة حدثت كانت فى الأخلاق، والقيم التى تغيرت تماماً واندثرت واختفت، كالولاء للوطن والاهتمام بالمحتاجين والأخوة، وسيطر العنف والثأر والكراهية على المجتمع، ولأننا فى ثورة ولسنا فى حفلة شاى، ما نحن فيه ليس تراكماً لعام، وإنما ٣٠ سنة،على أن بعد ثورة يناير لمصريين تغيروا تماما، وشعروا بقيمتها ولن يفرطوها فيها أبداً، ثم حالة التسييس الذى ضرب المجتمع المصرى، الجميع يتحدث فى السياسة وهذه علامة صحية، فالمصريون يشعرون أنهم «مبقوش رعايا» لكنهم مواطنون، يطالبون بحقوقهم، وعلينا أن نتفاءل بالمستقبل الذى بدأ بثورة ٣٠ يونيو، ولم يكن متوقعاً أبدا أن يخرج كل المصريين فى ٢٦ يوليو إلى الشوارع، ويمنحوا تصويتا للفريق السيسى، كان هناك شعور بأن «بلدنا رجعتلنا»، ومن هذا الإحساس بدأت الناس تتفاءل.
■ وهل هناك من إجراءات قامت بها الحكومة لتؤصل لهذا التفاؤل؟
– للأسف لا.. لأنها ليست حكومة ثورية، وهذا ليس تقليلا منها وبها كوادر محترمة، و«لكن الواحد مش حاسس إنهم بيعطوا بكل طاقتهم، كأنهم مكبلون»، كان من المفترض أن تكون هذه الحكومة، هى حكومة إعادة بناء المؤسسات، وهذا هو أهم شىء فى مصر اليوم، نحن نريد دولة مؤسسات وليس دولة رجال، وكان كل أملنا أن نبنى الدولة، ونرى إصلاحات شاملة فى الأمن والاقتصاد والسياحة والقضاء والتعليم وظروف المعيشة، كان من المنتظر أن نرى قصاصاً لكل الشهداء الذين سقطوا، «الناس ماتت بقالها ٣ سنين، وفى عائلات مازالت تئن وتتألم، ومحدش سأل عنهم، ليه مفيش قصاص إلى الآن، ليه مفيش يد حديدية تمسك المجرمين اللى بيعتدوا علينا وبيهددوا أمننا فى الشارع، وبيروعوا المواطنين ويخوفوهم، ومفيش أمن ولا أمان»، أهم شىء اليوم هو الاستقرار، لا وقت الآن لا للديمقراطية ولا مصالحة وطنية «دى آخر حاجة ممكن نعملها، والعدالة الانتقالية لا تعنى أبدا أن نتصالح بعد أن تتم محاكمة ومحاسبة من أخطأ خلال الـ٣ سنوات الماضية»، ونجد من يقول إننا تخلينا عن الحريات، نعم بالفعل ونحن فعلنا ذلك فى الوقت الحالى، وأنا أطالب بمد قانون الطوارئ، نحن فى مرحلة خطرة جداً لا يجوز رفعه فيها، «إحنا عشنا ٦٠ سنة مع قانون الطوارئ، يحصل إيه لما نعيش ٦ شهور زيادة؟!»، وأنا دوماً أرى كلمة رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، عندما قال «إذا تهدد الأمن القومى، لا مجال للحديث عن حقوق الإنسان»، وأنا مؤسس المنظمة العربية لحقوق الإنسان من وقت وزير الإعلام فتحى رضوان.
■ فى تصورك.. لماذا لا يجرى الإخوان وأنصارهم مراجعات فكرية لوقف العنف؟
– هذا شىء غريب جداً، وطالبناهم كثيراً بوقف العنف، و«ماكنوش هيخسروا قد ما خسروا»، للأسف لا يوجد فى ذهنهم استجابة إلى أى نصائح، لأن ذلك مغروس فى تكوينهم وتنظيمهم الحديدى، ولا يقبلون لا بالنقد الذاتى الإيجابى ولا الاستماع للرأى الآخر، هم يتحركون فقط وفق تعليمات مكتب الإرشاد، وأنا حاولت معهم وفشلت بشدة، لكن لدى أمل فى شباب الإخوان بعد أن تعرفت بهم خلال مشاركتهم فى ثورة يناير، ووجدت أنهم يكتشفون حقيقة الآخر كالشباب المدنيين والليبراليين واليساريين، ووجدوا أن الذى يجمعهم أكثر من الذى يفرقهم، وهم أكثر انفتاحاً من قياداتهم، وبعيداً عن تلك التركيبة الأيديولوجية الصماء التى تكبل التفكير الإبداعى، لتكون أكثر طموحاً فى المستقبل.
صحيفة المصري اليوم