نوافذ للحوار| الكاتب في أشرف العشماوي يتغلب على القاضي (حاوره: محمود محجوب)

 

 

حاوره: محمود محجوب

بين وجع الكتابة وآلامها ومعاناة تطبيق القانون ومسؤولية تحقيق العدالة من منصات القضاء تحتشد أفكار الروائي أشرف العشماوي وتتشكل لديه الصورة الروائية من بين الملفات الرسمية لكنه كقاض لا يستخدمها بوقائعها ولكنه يخطها في أعمال روائية، والعشماوي قاضٍ بمحكمة استئناف القاهرة وكاتب وروائي صدرت له عدد من الرويات من بينها "زمن الضياع"، "المرشد" و"تويا" التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وأخيراً رواية "البارمان" التي حصد فيها جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب مؤخراً، ثم ألّف كتاب عن "سرقات مشروعة" الذي يتضمن حكايات عن سرقة الآثار .
نحن أمام كاتب لا يتردد في كشف المسكوت عنه ويعالج قضايا المجتمع بتناول مشاكله ويعبر عن آلامه، آماله وأحلامه، وأمام قاضٍ يحكم من فوق منصة القضاء على نماذج بشرية داخل مجتمعه، ويدينه، ويفضحه، ويكشف زيفه حكاماً ومحكومين .

• كتابة الرواية مهمة شاقة وفيها الكثير من المعاناة، وتتطلب موهبة وثقافة ومعرفة .. لماذا اخترت هذا الفن من بين الأجناس الأدبية؟

ـ الكاتب لا يختار موضوع الكتابة، ولكن نوع الكتابة هي التي تفرض نفسها عليه، بمعنى أنني ممن يقرئون الشعر وأحب الشعر بصفة عامة وشعر أحمد شوقي بصفة خاصة، أحب المعلقات والقصائد الطويلة، لكن لا أستطيع كتابة الشعر، وليس بالضرورة أن أحب جنساً أدبياً أن أقوم بكتابته. الرواية قطعة عريضة من القماش تكتب فيها كل أفكارك، الشخصيات التي تحبها أو تكرهها، والتي تريد أن يراها الناس على شكل ما، الرواية من أجمل أنواع الفنون التي تناسب شخصيتي، لكنها قد تكون غير مناسبة لشخص آخر.

• كيف تكونت لديك فكرة رواية "البارمان"؟

ـ فكرة رواية "البارمان" جاءت لي وأنا أشاهد الرئيس السابق محمد مرسي في بداية عهده وهو يتحدث أكثر من مرة، وبإلحاح غريب جداً يحاول أن يؤكد أنه أول رئيس منتخب، يكاد يشعر أنه ليس رئيساً، يريد أن يؤكد على هذا المعنى بتكراره وليس بإثباته، مجرد أنه يعيد الكلمه أكثر من مرة لكي يصدق الناس ما يقول أنه الرئيس المنتخب، كانت هنالك نوع من السخرية في حديثه، وبالتالي تذكرت في الماضي القريب انتخابات عام 2005، حين كان يردد الرئيس حسني مبارك قوله: أنا أول رئيس منتخب، وتخلى عن بدلته واكتفى بقميص وكرافتة، وبدأ يظهر بصورة وكأنه شاب.

• هل ضاع الحلم من مريم – في الرواية المتخيلة – كما ضاعت أحلام المصريين في الواقع الحقيقي المعاش؟

ـ نعم بالتأكيد، مريم هي تجسيد للدولة المصرية وحالها، وحال شبابنا الذي يحلم بمستقبل أفضل، وكان في يده يوم 11 فبراير 2011 "يوم تنحي حسني مبارك"، أضاعه بسبب قلة الخبرة، وشباب طاهر نقي نظيف، من السهل الضحك عليه، راح حلمه وتبخر، مريم طول الرواية تضحي، ومضطهدة، تتحمل أكثر من أي شخص ممكن أن يحتمل، إلى أن فقدت عقلها في النهاية، فتركت هذا العالم وأصبحت في عالم آخر. عندما تصل الذات إلى التحرر فعلاً من كل عبودية .فإنها عندئذ تستطيع أن تعلو على نفسها، وأن تصل إلى درجة الانتصار الروحي .

• أثرت قضايا مهمة تتعلق بالدين ماذا قصدت في ذلك؟

ـ قصدت أن أركز على نقطة الاضطهاد المفتعل الذي ليس هناك ما يبرره من أسباب، منيرة زوجة ستيفي التي قبلت أن تتزوج من شخص مسيحي من البداية، وتعلم جيداً أنه غيّر ديانته بصورة شكلية وليس عن إيمان عميق بالإسلام، قبلت كل ذلك، وقبلت شراكته من مال هي لا تعرف مصدره ، وهو يتصور إنه يُطهر هذا المال الذي يحصل عليه من البار ويشارك به في تجارة ملابس المحجبات، وهي شريكة لشخص قميء جداً، وهي المتحكمة في كل شيء، وكل ذلك لأنها أنجبت له طفلاً ، وأصبح هو الحبل الذي شنق به نفسه، اضطهدت ابنته مريم، لا لشيء ؛ لأنها لا تعلم أنها بقيت على ديانتها، وإنما أصرت على الشكل وهو الحجاب، وكانت في منتهى السعادة عندما تحجبت، وهي في لقائها مع عبدالوهاب اللقاء الأخير تعلم أنها ذاهبة لمصيرها المحتوم .. الاضطهاد الذي تعرضت له مريم ومعاناتها من حرصنا الشديد على الشكل على حساب المضمون، هذا ما قصدت أن أبرزه، قد تكون الشخصيات كثيرة لكن مشاهدها قليلة، لكي أجعل الفكرة هي البطل للقارئ، ولا أجعله يتعلق ببطل معين، أو مكان محدد، تظل الفكرة الساقي الشارب هي التي تدور في ذهن القارئ وأصل لرواية صغيرة.

• السرد جاء بلغة عربية فصيحة، بينما كتبت الحوار للشخصيات باللغة العامية، لماذا لجأت إلى ذلك؟

ـ أول مرة أستخدم العامية، كنت متخوفاً جداً من هذه التجربة ، كتبت ثلاث روايات قبل هذه الرواية، كتبتها بلغة عربية بسيطة، لكن جاءت لي انتقادات كثيرة أو آراء من بعض النقاد اعتبرتها سلبية، في رواية "المرشد" رغم إن لدي شخصيات البواب والمرشد البوليسي، وهي شخصيات متدنية في الثقافة، مردود عليها أن نجيب محفوظ لا يكتب العامية، وقلت: ولِمَ لا أحاول تجربة الكتابة بالعامية ؟ مادامت شخصيات الرواية تسمح بذلك، وليس عندي شخصية تحتمل الفصحى، ولاقت التجربة استحساناً ونجحت.

• قدمت نماذج لشخصيات مقهورة في الرواية على أكثر من مستوى، هل هي دلالة رمزية لقهر المجتمع بأسره في تلك المرحلة الزمنية؟

ـ تعرض المجتمع المصري لأقصى درجات القهر، في الخمس سنوات الأخيرة من 2005 لنهاية 2010، يكاد يكون يومياً، مما أدى للانفجار، كما حدث في يوم 25 يناير وهو طبيعي نتيجة كل القهر الذي حدث في هذه السنوات، البعض يتصور أن الثورة مؤامرة أو بالصدفة أو إلى آخره، لكن أردت أن أضع في الرواية يدي على حالات كثيرة جداً، وفي غيرها عشرات الحالات التي يكتب عنها روايات كثيرة جداً، والتي تؤدي إلى قيام ثورة في كل حالة منها.

• كيف ترى العلاقه بين الأدب والقضاء؟

ـ العلاقة بين الأدب والقضاء مثل طرفي المقص، كلاهما مشدود للآخر، لكن كل منهما في اتجاه، لو أغلقت المقص هناك شيء ما يقطع، هما بعيدان عن بعضهما، الأدب لا يضيف أي شيء في عمل القضاء، لكن عملي بالقضاء يعطيني خبرات حياتية، وفرصة لتأمل الشخصيات من الداخل، وأنا على المنصة، أو في التحقيق في النيابة، بصورة أعمق وأكبر عند الكتابة، وتصبح لدي القدره على استلهام الشخصية من الواقع وأضيف إليها بعض من الخيال لتصبح شخصية روائية، فأنا لا آخذ الشخصية من الواقع كما هي .

• إذن كيف تستطيع التوفيق بين معاناة العمل القضائي ووجع الكتابة؟

ـ أجد صعوبة كبيرة جداً في الجمع بينهما، وحتى أكون أميناً، واحدة منهما تتغلب على الأخرى، شخصية الروائي تتغلب على شخصية القاضي، لا أعتبر نفسي قاضياً متميزاً ، أنا قاضٍ عادي، الهواية تأخذ مني وقتاً كبيراً جداً، الهواية محببة لي أكثر من العمل، ليست على حساب العمل، أعطي للعمل وقته وحقه، وفي نفس الوقت أعطي مساحة للكتابة على حساب راحتي وعلى حساب حياتي الخاصة وأشياء أخرى، أحب الكتابة ولا أعتبرها مهنة حتى الآن، أعتبرها هواية رغم أنها تدرّ مالاً، وأعتبر نفسي محظوظاً وأحمد الله أن المبيعات كثيرة. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى