نيرودا وماريو

طلب بابلو نيرودا، الشاعر التشيلي المعروف… أن تعيّن له إدارة البريد شاباً لجلب رسائله من صندوق بريد المركز في مدينة صغيرة، إلى حيث نيرودا يقضي إجازة في قرية على شاطىء البحر.

في اللقاء الأول كان فضول الشاب يتركز على معرفة سرّ هذه الأهمية المعطاة لشخص ذي مهنة غريبة… شاعر. فسأل نيرودا: ماذا يعني شاعر؟ فقال نيرودا بلطف ساخر: يعني يكتب الشعر. فتمادى الشاب وكان اسمه “ماريو” وسأل: ما هو الشعر؟ ولكسر الرتابة، ولتجنب الضيق من شاب فضولي، ساذج وطيب، قال له نيرودا: غداً أشرح لك ما معنى الشعر؟

في اليوم التالي نسي نيرودا الموضوع، فاستلم الرسائل من ماريو، وقال له منصرفاً: شكراً. لكن ماريو لم يتحرك، وعندما لاحظ الشاعر بقاءه قال: آه… تذكرت، وعدتك بالحديث عن الشعر، الشعر يا بني صعب التعريف. ولكنه “مجازات”. مثلاً تقول لفتاة تعشقها: “إن ابتسامتك تنتشر على وجهك كالفراشة ” هذا يعني: “مجازات”. إنها جميلة وابتسامتها حلوة وملوّنة كالفراشات.

مضى ماريو… وأصبح يهتم بالشعر، ويقرأ الكتب التي أعطاه إياها بابلو.وكان ماريو يحب فتاة يعمل معها في الليل في مشرب (بار) تملكه والدتها. ولم تكن الأم راضية عن علاقة شاب فقير، يعمل ساقياً لديها، بابنتها الجميلة والغنية.

وذات يوم تأخرت الفتاة، لأنها كانت مع ماريو على شاطىء البحر. سألتها الأم:

ـ أين كنت؟

ـ على الشاطىء مع ماريو.

ـ وماذا فعلتم؟

ـ لا شيء. تمددنا على الرمل، وتحدثنا.

ـ ماذا تحدثتم. ما قال لك؟

ـ مجازات.

ـ مجازات؟ ما هذا؟ مثلاً.

ـ مثلاً… قال لي: “إن ابتسامتك ياحبيبتي، تنتشر على وجهك كالفراشة”.

لطمت الأم على خدها وقالت ساخرة:

ـ أغلب الظن …هذه المجازات تؤدي إلى “الحَبَل”. من الآن فصاعداً… ممنوع المجازات. أفهمت؟

ماريو، وبسبب تأثيرات علاقته ببابلو نيرودا انخرط في نشاطات سياسية وثقافية، وعندما حدث الانقلاب في تشيلي اشترك في المظاهرات وقتل في إحداها.

بعد سنوات… تحولت رواية “ساعي بريد نيرودا” التي كتبها الشاعر إلى فيلم بديع.

وللمصادفة، مات الممثل بطل الفيلم الذي لعب دور ماريو،مات في آخر يوم تصوير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى