نِتنياهو “يُشرّع” سياسة الاغتيالات ويؤكّد تمسّكه بها ويتوعّد بهدر دم أيّ مُعترضٍ على “مسيرة الأعلام”..
أن يتباهى بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بالمُضيّ قدمًا في سياسة الاغتيالات ويؤكّد “نفّذنا عمليّات اغتيال ليس في قطاع غزّة فقط، وإنما في أماكنٍ أُخرى، ومن يستفزّنا دَمُهُ مهدور”، فمِثل هذه اللّغة، وهذه الاعترافات، لا تصدر إلا عن زُعماء عصابات المافيا، وليس عن رئيس وزراء دولة تدّعي أنها الديمقراطيّة الوحيدة في المِنطقة، وأن جيشها هو الأكثر تمسّكًا بالانضباط والقيم الأخلاقيّة.
من الطّبيعي أن لا تُحرّك ساكنًا الولايات المتحدة الأمريكيّة زعيمة العالم الحُر، والحارسة لعقيدة حُقوق الإنسان واحتِرام القانون، ولن تُوجّه كلمة نقد واحدة إلى هذه الدّولة المارقة ورئيس وزرائها لأنها تُؤيّد هذه السّياسات، وتعتبرها حقّ الدّفاع عن النفس، حتّى لو أدّت إلى قتل أطفال ونساء مثلما حصل في العُدوان الأخير على قِطاع غزّة.
رسالة نِتنياهو التي يُريد إيصالها من خِلال إطلاق هذه التهديدات تقول بكُل وضوح إنه سيرتكب مجازر أخرى، ربّما اكثر جسامةً من تلك التي ارتكبها جيشه في قطاع غزّة يوم الخميس المُقبل حيث ستنطلق مسيرة الأعلام الاستفزازيّة التي سيُشارك فيها آلاف المُستوطنين وأربعة وزراء في حُكومته، وتقتحم باحات الأقصى والمدينة القديمة تحت حماية الجيش الإسرائيلي وقد قالها نِتنياهو بكلّ وقاحةٍ وغطرسةٍ “من يستفزّنا يوم تسيير مسيرة الأعلام سيكون مصيره الاغتيال دون تردّد ودَمُهُ مهدورٌ.. مهدور”.
نِتنياهو، وبإطلاق هذه التهديدات الوقحة والخطيرة، يُريد أن يُغطّي على هزيمته الأخيرة في قِطاع غزّة على أيدي مُجاهدي حركة “الجهاد الإسلامي” وصواريخها (أكثر من 1400 صاروخ وقذيفة) التي وصلت إلى القدس المُحتلّة، وجنوب تل أبيب، وأغلقت المطارات، ودفعت أكثر من مِليونيّ مُستوطن في غلافِ قِطاع غزّة للهُروب في كُلّ الاتّجاهات مرعوبين وبُدون وعي في مُختلف الاتّجاهات.
أليس من العار أن يقول رئيس الدولة النوويّة الأقوى في المِنطقة إنه حقّق تعزيز الرّدع وتغيير قواعده، وضدّ مَن؟ ضدّ حركة “الجهاد الإسلامي” التي صمدت لأكثر من خمسة أيّام، وفضحت صواريخها منظومتيّ القبب الحديديّة ومِقلاع داوود؟
نِتنياهو بتمجيده لسياسة الاغتِيالات هذه، وتنفيذها، ليس في قطاع غزّة فقط وإنما في ساحاتٍ أُخرى، يفتح الباب على مِصراعيه، ويُشَرعِنُ الرّد عليها في أيّ مكانٍ في العالم، ممّا يخلق حالةً من الفوضى العنيفة والأمنيّة، فهل تُريد الحُكومات الأوروبيّة أن تتحوّل مُدنها إلى ساحةٍ دمويّةٍ لهذه العمليّات مثلما كان عليه الحال في السّبعينات والثّمانينات من القرنِ الماضي؟
الرّسالة الأهم التي جاءت على لسان نِتنياهو لم تكن مُوجّهةً إلى حركة “الجهاد الإسلامي” التي لم تتردّد في الرّد على اغتيال قياداتها الميدانيّة، وتُطلق مِئات الصّواريخ بالتّالي، وإنما إلى حركة “حماس” التي أشاد بعدم مُشاركتها في الرّد إلى جانب أشقّائها في حركة “الجهاد” على العُدوان الإسرائيليّ الأخير، وخاصّةً عندما تباهى نِتنياهو مِثل الطّاووس بموقفها هذا وقال “مُنذ عمليّة حارس الأسوار في أيّار (مايو) عام 2021 لم تُطلق حركة “حماس” صاروخًا واحدًا على إسرائيل”.
أثناء معركة “سيف القدس” هرع نِتنياهو إلى القِيادة المِصريّة عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن مُستَجدِيًا تدخّلها لوقف إطلاق حركة “حماس” وباقي الفصائل الصواريخ من القِطاع الذي استمرّ ما يَقرُب من 11 يومًا، ودفع بستّة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وكانَ له ما أراد، أيّ نِتنياهو، بعد أن وافق على جميع شُروط المُقاومة ومن بينها وقف سياسة الاغتِيالات، ليخترقها لاحقًا.
السُّؤال الذي يتردّد حاليًّا في أذهان الملايين ونحن من بينهم، هل سترد حركة “حماس” على مسيرة الأعلام التي ستخترق حُرمة المسجد الأقصى، وتُمهّد لتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، وهل سنرى صواريخها الأكثر دقّةً تَهطُلُ مِثل المطر على المُستوطنات الإسرائيليّة في إطار “معركة سيف القدس 2” أم أنها ستلتزم الصّمت؟
نتركُ الإجابة للأيّام وربّما للسّاعاتِ القليلةِ المُقبلة؟
صحيفة رأي اليوم الالكترونية