“هآرتس”: القيادة الأمنية فشلت في الاستعداد لحربٍ محتملة
نشرت صحيفة “هآرتس”، اليوم الجمعة، مقالاً للواء احتياط وعضو “مشروع انتصار إسرائيل” إسحاق بريك، تحدّث خلاله عن قلق المؤسسة الأمنية والعسكرية من تفكك التكتل الاجتماعي في “إسرائيل”.
وفيما يلي نصّ المقال منقولاً إلى العربية:
مع تعيين رئيس الأركان العتيد، هيرتسي هاليفي، أُثيرت المهمات والقضايا التي سيتعامل معها، ومنها: إيران وأذرعها في لبنان وسوريا وغزة، حكومة جديدة مع بدء ولايته، تفكك السلطة الفلسطينية، إلى جانب التوتر وغياب الحاكمية في الضفة الغربية.
إضافة إلى هذا، وعلى خلفية الحديث الجاري في الجيش الإسرائيلي مؤخراً، وما قاله رئيس الشاباك في هذا الأسبوع في مؤتمر هرتسيليا رايخمان، يثور انطباع بأنّ الموضوع المتوقع أن يُقلق رئيس الأركان القادم أكثر من كل شيء هو تفكك التكتل الاجتماعي في “إسرائيل”. مصادر في الجيش الإسرائيلي وفي المؤسسة الأمنية والعسكرية تقول إنّ عدم الاستقرار، والانقسام الداخلي المتزايد، وتشظّي القواسم المشتركة التاريخية، والخطاب المتطرف، يهددون ثقة الجمهور في المؤسسات أكثر من كل التهديدات الخارجية.
لو كان الأمر يتعلق بزعمٍ وحيد، لا بأس. لكن يبدو أنّ الأمر يتعلّق بمنحى مقلق أكثر، مما اعتقدت، من تركيز الجيش على موضوع ليس هو الجهة المفترض أن تعالجه، بل القيادة السياسية. هكذا أيضاً “قمة رؤساء الأركان” السابقين، التي بُثّت في البرنامج الإخباري “أولبان شيشي” في “القناة 12” قبل أسبوعين، التي كشفت أنّ الانقسام والاستقطاب الاجتماعي هما المشكلة التي تسلب النوم من عيون رؤساء الأركان الخمسة السابقين، وليس جهوزية الجيش لحرب.
عندما سأل المذيع عن التهديد الإيراني، أجاب غادي آيزنكوت، اللاعب الجديد في السياسة، وبصورة مفاجئةً، أنّ الأمر الذي يعرّض “إسرائيل” لخطر أكثر من كل شيء هو غياب التضامن في المجتمع. وانضم موشِه يعالون، الذي قال إنّه منذ سنوات ليس هناك تهديد وجودي تقليدي على “إسرائيل”، لكن هناك تهديد وجودي داخلي. والكتلة الحرجة النهائية وفّرها إيهود باراك الذي قال إنّ هناك إجماع وسط رؤساء الأركان ورؤساء الشاباك والموساد السابقين (الذين لا يزالون أحياء)، بأنّ ما يحدث في داخل المجتمع الإسرائيلي يهدد مستقبل “إسرائيل” أكثر من إيران وحزب الله وحماس.
لا شك أنّ الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي يجب أن يقلقنا جميعاً، لكنّ معالجته ليست وظيفة الجيش. وأكثر من هذا، نفس رؤساء الأركان السابقين هؤلاء، الذين كانوا مسؤولين على مدى عشرات السنين عن بناء الجيش والدفاع عن أمن مواطني “إسرائيل” من التهديد الوجودي التقليدي الذي نما في فترتهم، فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً.
في المحادثات والاطلاعات وتقديرات الوضع التي أجراها رؤساء الأركان هؤلاء خلال شَغلهم مناصبهم، تعاملوا مع التهديد الإيراني على أنّه تهديد استراتيجي ووجودي على الدولة. وها إنّهم فجأة، بعد أن نزعوا بزاتهم العسكرية، يقزّمون هذا التهديد عن قصد، ويقدّمونه على أنّه تهديد سنتمكن من التعامل معه بسهولة نسبية، بخلاف الشرخ الاجتماعي.
بهذه الروحية، هناك من يدعون الآن إلى إلقاء مهمة العمل على زيادة التكتل في المجتمع الإسرائيلي على رئيس الأركان القادم. صحيحٌ أنّ نموذج جيش الشعب، القائم على كونه “بوتقة صهر” توحد مجتمعاً كثير الأوجه وقبائل في أمة، لكن يبدو أنّ الداعين في السنوات الأخيرة إلى مشاركة رئيس الأركان في رأب الشروخ الاجتماعية يتسببون بتسييس الجيش.
صحيحٌ أنّ الجيش الإسرائيلي كان ولا يزال بوتقة صهر المجتمع الإسرائيلي، لكنّ وظيفته الأساسية هي الدفاع عن مواطني “إسرائيل” من أعداء خارجيين يهددون بالقضاء علينا. ولو كان جاهزاً ومستعداً لأداء مهامه، لا شك في أنّ هذا كان سيزيد ثقة الجمهور به وحافزية الشباب على التجند في خدمة مُهمة قتالية.
تصريحات رؤساء الأركان السابقين حول الموضوع تثير السؤال لماذا خلال شغلهم مناصبهم زعموا أنّ التهديد الإيراني هو تهديد وجودي ويجب أن يكون على رأس سُلّم الأولويات؟ لماذا طالبوا بميزانيات وبقوة بشرية لتطوير قدرات عسكرية حيال هذا التهديد، بينما يغيّرون جلدهم الآن ويتناولون ترميم التفكك الاجتماعي؟
يبدو أنّهم بعد نزعهم بزاتهم العسكرية نسوا تهديد حربٍ تقليدية متعددة الساحات مع إيران وأذرعها، ونسوا أنّ إيران بنت في العقود الأخيرة، بمساعدة وكلائها، حلقة خنق من اتجاهات “إسرائيل” كافة، مع أكثر من 200 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية وآلاف الطائرات غير المأهولة. تهديد لم يمثُل مثله أمام “إسرائيل” منذ حرب 1948. القيادة الأمنية غارقة في نومٍ عميق بدل الاستعداد الذي يتطور بوتيرة حثيثة.
في العقود الأخيرة استمر الجيش الإسرائيلي في كونه أسير مفهوم الـ “مبام” (المعركة بين الحروب). إنّه منهمك في شراء هدوء مصطنع ومؤقت في غاراتٍ نقطوية في سوريا لن توقف دقة الصواريخ وتبلوُر الميليشيات السورية الموالية لإيران في مرتفعات الجولان، وفي جولات قتال قصيرة مع حماس والجهاد الإسلامي لم تؤدّ إلى ردعٍ في الوعي، من دون تفكيرٍ استراتيجي للمدى البعيد من الاستعداد لحربٍ تقليدية. أيضاً الآن، أمام إشارات التحذير كافة، إنّه لا يُحسن الاستعداد للحرب القادمة.
منذ تبنّي استراتيجية المعركة بين الحروب بُنيت من حول “إسرائيل” 3 دوائر تهديد: في الدائرة الأولى الدول المعادية ومنظمات الإرهاب فيها، في الدائرة الثانية الميليشيات الموالية لإيران في اليمن والعراق، وفي الدائرة الثالثة إيران. دوائر التهديد الثلاث هذه أنتجت لـ”إسرائيل” تحدياً أمنياً من الدرجة الأولى لم تستعد له المؤسسة الأمنية والعسكرية كما ينبغي.
في سيناريو حرب متعددة الساحات، سيُطلق يومياً أكثر من 3000 صاروخ وقذيفة صاروخية ومئات الطائرات المسيرة نحو “إسرائيل”، ومن المتوقع أن توقع دماراً في أكثر من 150 موقعاً في اليوم، إضافة إلى عشرات آلاف مقاتلي المشاة من العدو الذين سيقاتلون في موازاة ذلك على حدود “إسرائيل” وفي الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ حزب الله من لبنان، الجهاد الإسلامي من غزة، الجيش والميليشيات السورية الموالية لإيران من سوريا، عشرات آلاف مقاتلي التنظيم من الضفة الغربية، وآلاف المشاغبين العرب والبدو داخل “إسرائيل”.
رؤساء الأركان في السنوات العشرين الأخيرة أطلقوا تحذيرات للخارج، كأنما كرروا صفحة رسائل عن ظهر قلب، وتجاهلوا التهديد التقليدي الذي أصبح تهديداً وجودياً. لقد فشلوا في إعداد الجيش والجبهة الداخلية للمواجهة في الهجوم وفي الدفاع. وعليه، الجيش والجبهة الداخلية غير جاهزين للحرب المتعددة الساحات التقليدية القادمة الواقفة على عتبة “إسرائيل”.
الميادين نت