هاتِ يداً…للمصافحة
هاتِ يداً للمصافحة … قبل أن تجلب الثورات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي قد لا تجلبها أبداً… تعبر، وقد تدمر في طريقها ، الحدائق ، والبيوت، والأرواح ، والممتلكات، فتهدم في هذا الطريق ما ليس ضرورياً هدمه. ذلك لأن العنف المتوفر، بطبيعة السلاح والصراخ، سيعبّر عن نفسه بطرق عديدة من بينها ما لا لزوم لقتله أو تدميره أو تبديده… كمن يحرق غابة للثأر من ثعلب الدجاج!
هذا ثمن قد لا يكون هناك بدّ من دفعه. وفي الوقت نفسه يثار التساؤل: ألا يمكن إنجاز الحائط المائل، وإقفال البوابات الكبرى لسجون الجماعات، وترك الرغيف يكرج أمامك، باتجاهك، وليس كمن يوّلي هارباً… ببضعة براميل، فقط ، من الدم، وأخرى من النفط، وثالثة من الفوضى؟!
عندما تنتهي البنادق من مهمتها والسكاكين من عطشها، ويقف من يقف، على أطلال ما، مشيراً إلى هندسة أخرى للمعان، موعودة ومرتجلة. ينتبه من ينتبه إلى شيء غريب قد حدث، وهو: البغضاء!
شيء غريب ومحسوس وعميق وجارح وحذر، وله رائحة قصف جوي، وشكل سرقة علنية، وشتائم بذيئة، وعفن مزمن . ومن حيث البشاعة يكون كحيوان منتفخ في حديقة عامة، وللبغضاء صفات أخرى عسيرٌ تجميلها!
عند قدمي البغضاء تحدث المسـرحية المسـتحيلة : المصلحة الصغيرة . الجوع الصغير. الكلام الصغير. الآمال الصغيرة. ذلك لأن الجميع قد رضعوا، غبر العنف مناعتهم ضد الضمير ، وارتووا من الماء المعكر بالقصـف الجـوي ، والمدفعيـة والخناجر . حدث هـذا على خرائـط هـذه البلاد العربية حيث تكون الحكمة الحمقاء السائدة: لقد فعلنا الصواب!!
سيأتي، في لحظة الحقيقة حكماء، وباردون، ومفكرو مجاميع وأزمات بشرية، وسيأتي معهم كل حفاري مناجم الكوارث، وأنواع من ضباب الحروب الأهليــة للتسلية بالبقايا. ولكن عبثاً … ما لم يتغير شيء جذري ، ونظام أبدي ، وأشــخاص يفكرون قبـل المصلحة… بالمذبحة.
ولسوف يمر وقت طويل، ونحن جميعاً نرفع رايات مكتوباً عليها ” المصالحة الوطنية”. وهي الشعار الذي سهل ترديده وكتابته وصعب تنفيذه وإدامته… الشعار الذي كان الغش… شعاره!
الدماء ليست لدهن أروقة المنكوبين ، ولا تعوّض ، روحاً مزهوقة واحدة, أية خيمة لمغربي المصالحة الوطنية.
إنك، في الكارثة ، وما بعدها بقليل ، تحتاج إلى أكثر من المصافحة للمصالحة والوعد… تحتاج إلى عودة الحب بعد أن قضى في المهجر الخائف سنوات، وتلقى عدداً كثيرا من الصفعات، على خده الأبيض ، وأصبحت لديه مقبرة خصوصية في
أرض بائرة … مجاورة!
الحب المهاجر أو المهجر… يعود… ولكن إلى… وطن! يعود ليس كما خرج من الوطن، بل كما صاغته المحن!
الآن على السوريين جميعاً ، ليس واجب التأييد أو الشجب ، فهذا مقدور عليهً، بل التفكير كيف يعاد بناء الأشياء المدمّرة في القلوب ، قبل المدن ، وفي العقول قبــل الحقول. وإذ يبدأون الآن ، يحتاجون إلى عشرات السنين يمكن اختصارها.. ببضع
أنواع من العدالة، والمساواة، والحرية، والثقافة ” بالممحاة” لجعل ولادة المستقبل ممكنة!
أليس أحد الاقتراحات أن يكون المستقبل مؤنثاً ؟