هامش نتنياهو في قرار الحرب: ضيّق… لكن

 

مع كل حملة انتخابية في إسرائيل، تتصدر التحليلات في الداخل والخارج إمكانية أن تشكل هذه المحطة مناسبة ودافعاً لقيادة العدو من أجل شن عمليات عسكرية واسعة في المنطقة لحسابات داخلية. يُضاف إلى هذه الاعتبارات، في هذه المحطة الانتخابية بالذات، قلق رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، على مستقبله السياسي والشخصي بفعل ملفات الفساد المتهم بها، وخاصة أنه يسعى إلى مواجهة القضاء بتحصين مكانته شعبياً وسياسياً عبر الانتخابات.

من الواضح في ضوء النصوص القانونية والتجارب التاريخية أن لرئيس الحكومة الإسرائيلية دوراً أساسياً في صناعة القرار السياسي، لكن المؤكد أن هذا الدور غير مطلق، إنما يأتي في سياق مجموعة من العوامل والجهات الأخرى المؤثرة في بلورة القرار السياسي والأمني. ومن المعطيات المستجدة التي تعزز وجود قيود عليه التعديل الذي سُنّ قبل أشهر، إذ نقلت صلاحية اتخاذ قرار الحرب إلى «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت) بعدما كان من صلاحية الحكومة حصراً. في بداية التعديل، أضيفت مادة في القانون الجديد تمنح رئيس الوزراء ووزير الأمن في حالات استثنائية صلاحية اتخاذ قرار الحرب، لكن هذه المادة أثارت ردود فعل داخلية، الأمر الذي أدى إلى التراجع عنها وإلغائها وإبقاء قرار الحرب محصوراً بيد «الكابينت».

مع ذلك، الشخصيات الأكثر تأثيراً في أي قرار عسكري هم رئيس الوزراء ووزير الأمن ورئيس أركان الجيش، لكن الأول يبقى الشخصية الأكثر تأثيراً، مع أن هذا الأمر مرتبط بأكثر من عامل ولا يقتصر على منصبه الرسمي فقط. وقد تضيق أو تتسع مساحة تأثيره في الدفع نحو قرار الحرب بلحاظ مجموعة من العوامل المتصلة بتاريخه وخبرته ومكانته في الواقع الإسرائيلي، وثقة الجمهور والمؤسسات به، وأيضاً بتناغم المؤسسة العسكرية والاستخبارية معه. وقبل كل ذلك ومعه، الموقف الأميركي من الخيار الحربي المطروح.

وتزداد أهمية ثقة الجمهور والمؤسسات في هذه المرحلة التي يمر بها نتنياهو على خلفية قضايا الفساد المتهم بها كونه بات تحت مجهر مراقبة وسائل الإعلام والسياسيين والجمهور، لجهة إن كان سيدفع نحو خيارات عسكرية وسياسية تخدمه على المستوى الشخصي أو لا.

على مستوى التجارب التاريخية، يؤكد تاريخ الكيان الإسرائيلي منذ ما بعد حرب 1948 أنه لم يسبق أن فرض المستوى السياسي على الجيش حرباً كان يعارضها، رغم أنه من الناحية القانونية يمكن فعل ذلك، مع الإشارة إلى أنه سبق أن فرض المستوى السياسي تحت ضغط المقاومة، على المؤسسة العسكرية، انسحابات كان يعارضها، وأبرزها تحرير 2000، والأمر نفسه ينسحب على الانسحاب من قطاع غزة. في المقابل، بإمكان الجيش أن يوصي بعمليات عسكرية أو بحرب، لكن المستوى السياسي يرفضها ويحول دون تحققها بفعل صلاحياته المنصوص عليها في قانون الحكومة والجيش.

هكذا، يتضح أن مساحة المناورة لدى رئيس الوزراء تتسع عندما تتلاقى توصيات المؤسسة العسكرية وتقديراتها مع مصالحه السياسية والحزبية، الأمر الذي يوفر له هامشاً في أصل القرار وتوقيته وأسلوبه بما يمنحه هامشاً معتبراً في توظيفه مصالحه، فتتداخل المصالح الشخصية والاستراتيجية. في ضوء ذلك، يصبح رئيس الحكومة، في أي خيار حربي يتخذه، حتى لو كانت خلفياته في العمق ذاتية أو مركبة، محصناً من أي مساءلة وخارج أي اتهامات، باستثناء المواقف السياسية والإعلامية المنتقدة والمشكّكة التي لا أثر فعلياً لها.

مع ذلك، لا يمكن استبعاد تأثير مجريات التحقيق مع نتنياهو في خلفية قراراته السياسية والأمنية، رغم أن من المستبعد جداً أن يتمكن نتنياهو بمعزل عن توصيات الجيش وتقديراته من الدفع نحو حرب أو مواجهة واسعة. ويزداد هامشه ضيقاً عندما تكون الخيارات العملانية المطروحة هي في مواجهة حزب الله والجبهة الشمالية، بفعل إدراك القيادتين السياسية والأمنية الأثمان الهائلة والاستراتيجية التي ستدفعها في أي مواجهة واسعة.

ورغم أن تطور قدرات المقاومة في غزة، والمعادلات التي استطاعت إرساءها تحديداً بعد الجولة الأخيرة، دفعت قادة العدو كي يكونوا أكثر حذراً في مواجهة القطاع، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن نتنياهو سيكون أكثر تطرفاً في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من أجل استنهاض الشارع اليميني وتعزيز التفافه حوله، وبهدف الالتفاف أيضاً على مزايدات منافسيه من اليمين، وتوفير غطاء سياسي شعبي يواجه به الإجراءات القضائية المقدرة، التي بات من المؤكد أنها تقضّ مضاجعه وتسيطر على أدائه وتكمن في خلفية الكثير من المواقف والخطوات التي أقدم وقد يقدم عليها لاحقاً.

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى