هاني الراهب مصل مضاد للجنون
من المتوقّع أن تصدر في دمشق قريباً، الأعمال الكاملة للروائي السوري الراحل هاني الراهب (1939 ــ 2000/ الصورة) عن «دار التكوين». وتشتمل على أعمالٍ روائية وقصصية أبرزها «الوباء»، و«بلد واحد هو العالم»، و«شرخ في تاريخٍ طويل»، و«ألف ليلة وليلتان»، و«رسمتُ خطاً في الرمال»، و«جرائم دون كيشوت». وبذلك يعود اسم هذا الروائي الذي أُهمل نقدياً فترة طويلة، وكاد أن يطويه النسيان، إلى الواجهة مجدّداً.
هاني الراهب، روائي القلق والانعطافات الحادة بامتياز. روايته الأولى «المهزومون» (1961) التي كتبها في ثلاثين يوماً بما يشبه الحمّى، ليتقدم بها الى جائزة مجلة «الآداب» البيروتية، ويفوز بها فعلاً، وضعت اسمه، هـو الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره آنذاك، في طليعة الروائيين العرب، وإذا به يصبح مثار جدل واهتمام، نظراً إلى ما حملته الرواية من رفض وعبثية واقتحام للمحرمات، وقطيعة شبه كاملة مع المنجز الروائي التقليدي باستخدامه تقنية تعدد الأصوات والنبرة الفوكنرية (نسبة إلى وليام فوكنر) في رواية «الصخب والعنف». هكذا دخل الكاتب الشاب إلى حقل حداثي بكر، معريّاً بجسارة وصوت عالٍ، هواجس أبطاله المهزومين واضطراباتهم.
فـي «الوباء» (1981) تحفة أعماله الروائية، يستعيد الراهب بعمق وصدق ومكاشفة، تشكّلات القرن العشرين، على خلفية الحرب العالمية الأولى، و«السفربرلك»، ويدمج السيرة الذاتية بالمناخ العام ببراعة، متتبعاً مكابدات أسرة فلاحية عبر أجيال متعاقبة في هيكلية روائية تربطها علاقة «تناص» صريحة برواية غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة «مئة عام من العزلة». لكن واقعيته السحرية هي نسيج وقائع البيئة المحلية بكل تفاصيلها وقسوتها وخرابها الروحي، عبر عمليّة حفر عميق في المكان والأسطورة والسجال السياسي، راصداً بشراسة ملامح التبدلات الريفية واندغام شخوصه في متاهات المدينة منذ بدايات القرن إلى سبعينياته. ويجد قارئ الرواية شذرات من سيرة عائلية تتواتر مع الطفولة المضطربة التي عاشها المؤلف. كذلك فإن شخصيّة مريم خضير تكاد تكون نسخة عن والدته، فيما تغيب صورة الأب، ليس في «الوباء» وحسب، بل عن معظم أعمال الراهب، في اشارة إلى موته المبكر.
هكذا وجد الراهب مفهوماً آخر للرواية، يتجسد في «تكثيف الواقع وتخييله وترميزه وأسطرته» فعمر الواقعية كما يقول، لا يتجاوز الألف عام، والأدب عمره خمسة آلاف عام. ويضيف: «العالم كله منصرف إلى الأخيولي، لأنه يريد أن يقتنص المعاني الكبرى للحياة البشرية، بعد أن فتّتها الفرد والفردية». هاني الراهب الذي هزمه المرض العضال عن 61 عاماً، ظل يردد من دون كلل: «الرواية مصل مضاد للجنون».
صحيفة الأخبار اللبنانية