هتاف للوطن! (محمد صلاح)

 

محمد صلاح

أي شيء يمكن أن يحدث في أي وقت في مصر، وعلى ذلك فإن ما جرى أمس عند كاتدرائية الأقباط لم يكن مفاجئاً، والأحداث العاصفة قبلها بساعات أمام دار القضاء العالي كانت متوقعة، لم تعد الأسئلة التي تدور في أذهان المصريين تتعلق بتفسير ما يحدث، فكل له تفسيره، ولا تتعلق بتوقع استمرار المناخ الذي لا يرضي عدواً أو حبيباً أو زواله. فالقناعة راسخة لدى الكثيرين بأن الفشل والارتباك والانفلات والفقر والصدامات والاحتجاجات والإضرابات والاضطرابات ستبقى على حالها، بل وستزيد. الناس في مصر يسألون عن احتمالات المستقبل، وكيف سيكون، وإلى أي مدى سيدوم حكم الإخوان؟ يستطيع الرئيس محمد مرسي أن يتمسك بالنائب العام المستشار طلعت عبد الله رغم أي أحكام قضائية ضده ومهما كانت الاعتراضات عليه بين القضاة أو في أوساط النيابة أو عند النخب أو في الشارع. لكن ستظل قرارات النائب العام محل شكوك من غالبية الناس، وسيبقى الشارع ملتهباً غاضباً ساخطاً، وإن هدأ لفترة فإنه سيعود لينفجر من جديد عند كل محك يكون المستشار عبد الله طرفاً فيه، أو أي قضية يكون العدل فيها مطلباً شعبياً. ويستطيع الرئيس مرسي أن يمضي في طريق الانتخابات البرلمانية مهما كانت الاعتراضات بين قوى المعارضة على القوانين المنظمة لها، والإجراءات المنفذة لإجراءاتها، والعوار القانوني الذي يحيط بها. لكن البرلمان المقبل لن يكون مرضياً عنه، أو سبباً في وأد الفتنة أو إعادة الهدوء إلى الشارع، وأنه مطعون في مشروعيته، وسيفجر الأوضاع بصورة أكبر، وسيتعرض نوابه للحصار داخل جدرانه مرة ومرات، وسيعجزون عن الخروج من بواباته خشية الجماهير الغاضبة التي ستحيطه أثناء الجلسات، وسيوصف نوابه بأنهم «ترزية قوانين» أتى بهم الإخوان والرئيس ليفصلوا نموذجاً لدولة الجماعة! ويملك الرئيس مرسي القدرة على إبقاء حكومة الدكتور هشام قنديل حتى نهاية فترة ولايته الأولى رغم الفشل والارتباك والاهتراء.. والسقطات. لكن الاقتصاد سيسوء أكثر، وأحوال الناس ستتدهور بصورة أكبر، وغضب الشعب سيتراكم أكبر وأكثر، والاحتجاجات ستزيد والوقفات والاعتصامات ستتصاعد، والندم على انتخاب مرسي والاتيان بالإخوان سيتضاعف، وأنين الجوعى سيفضح الحكومة، وصراخ الفقراء سيصم الآذان، وستضيق المساحات التي يمكن أن يتحرك فيها الرئيس وأعوانه ومساعدوه ومحبوه ومؤيدوه، وسيزيد عدد المحافظات والمدن التي لا يمكن الرئيس أن يزورها! وستصاب مرافق الدولة بالشلل لانتشار الاضرابات والاضطرابات. ويمكن للرئيس مرسي أن يظل على موقفه الرافض الغاضب الكاره لقوى المعارضة سواء في جبهة الإنقاذ أو غيرها من الجبهات والائتلافات والأحزاب والمؤسسات المدنية والقوى الشبابية، ويمكنه أن يبقي على الطريقة التي يتعاطى بها مع تلك القوى، ولا يعيرها اهتماماً، وأن يكتفي بالإشارة إلى اتهامات تورطها في أعمال مخالفة للقانون في كل خطاب أو حديث، أو يترك المهمة لمحبيه من الإخوان لتشتمهم أو الإساءة إليهم، أو لأجهزة الأمن مطاردتهم وحبسهم. لكن الاحتقان سيزيد، والعنف سينفجر، والحرائق ستحصد المنشآت والأرواح، ولن يهنأ الإخوان بمقر أو الرئيس بقصر. وفي إمكان الرئيس ومؤيديه ومحبيه «جرجرة» مزيد من الإعلاميين والصحافيين إلى سرايا النيابات والمحاكم، أو الضغط على البرامج والقنوات وإغلاق بعض الصحف أو الفضائيات، أو تحويل الحصار الموسمي لمدينة الإنتاج ومقار الصحف إلى «إقامة دائمة» حولها. لكن غضب الإعلام عليه سيزيد، والانتقادات الدولية ستسيء لحكمه، والإعلاميون والصحافيون الذين يعارضونه لن يغيروا بوصلتهم لإرضائه، وإنما ربما يهاجر بعضهم ليطلوا من بعيد فيزيدون هجومهم.. وسخريتهم وهم في منأى من المطاردة وبعيدين من الحصار! في إمكان الرئيس أن يزيد من وتيرة «الأخونة» أو ما يعتبره الإخوان رد الحقوق لأعضاء الجماعة في أن يتولوا المناصب الكبرى في الدولة، لكن الخلافات مع حلفائه ستزيد، والهوة ستتسع «حزب النور نموذجاً» وغضب باقي قطاعات الشعب سيدعم القناعة بأن الإخوان حلوا محل «الحزب الوطني»، ما سيضم قطاعات جديدة من الشعب إلى لائحة الغاضبين من الحكم الإخواني.
إي مناخ هذا الذي وضع فيه الرئيس وحزبه وجماعته أنفسهم فيه؟ وعن أي ثورة مضادة يتحدثون؟ هل يعتقد الرئيس أو قادة حزب الحرية والعدالة أو رموز الجماعة ومكتب الإرشاد أو يتصورون أن البلاد ستنهض في ظل هذه الظروف والأجواء؟ خرج المصريون في الثورة يهتفون ويحملون شعاراً يحلمون أن يتحقق في وطنهم «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» فوجدوا أنفسهم اليوم وقد يئسوا من تحقيق أهداف الثورة، وبعدما باتوا يخشون على دولتهم من الانهيار صاروا يبحثون عن هتاف للوطن!

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى