تحليلات سياسيةسلايد

هجمات «الكردستاني» تؤرّق تركيا: نحو عملية برية جديدة؟

محمد نور الدين 

لم تكن دماء القتلى الـ 12 من الجنود الأتراك قد جفّت بعد، على إثر هجوم «خاكورك» في شمال العراق، الذي استهدف قاعدة عسكرية تركية في الـ23 من الشهر الماضي، حتى نفّذ مقاتلو «حزب العمال الكردستاني» عملية جديدة في منطقة متين القريبة، ليل 12 – 13 الجاري، سقط فيها 9 جنود أتراك. وأثارت العملية الثانية ضجّة كبيرة وانتقادات واسعة للحكومة، ذلك أنها كانت نسخة طبق الأصل عن الأولى، سواء لناحية الأسلوب أو الظروف المناخية الصعبة أو حتى النتائج، علماً أن وزارة الدفاع أكدت بعد الضربة الأولى أنها اتّخذت التدابير اللازمة كافة لمنع تكرار الهجمات على القواعد التركية.

وعلى إثر الهجوم الثاني، تداعى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لعقد اجتماع عاجل ضمّ وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، ورئيس الأركان، ورئيس الاستخبارات، ومستشاره للأمن القومي، ورئيس دائرة الاتصالات في القصر الرئاسي. وخرج المجتمعون ببيان أعلنوا فيه أنهم لن يسمحوا أبداً بإقامة «إرهابستان» على امتداد الحدود الجنوبية لتركيا، وأن الأخيرة لن توقف عملياتها ضدّ «الإرهابيين» قبل محو آخر واحد منهم، انطلاقاً من حقّها في الدفاع عن أمنها القومي. ولأن تركيا تَنظر إلى مناطق تواجد عناصر «الكردستاني» على أنها «حوض واحد»، فإن ردّ الفعل الأول للحكومة، كان غارات عنيفة ومتتالية على قواعد القوى الكردية في شمال العراق وفي شمال شرق سوريا. وما لفت في هذه الغارات أيضاً، استهدافها للبنى التحتية والمعامل، ومن بينها مصانع توليد الكهرباء وإنتاج الإسمنت.

غير أن هذه الهجمات أثارت نقاشاً سياسيّاً يتّصل بالمعركة ضدّ الإرهاب وتحمُّل المسؤوليات؛ إذ بادر «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، بعد اجتماع لمكتبه السياسي، إلى توجيه أسئلة إلى الحكومة من بينها: ما الذي تحقَّق من أهداف سياسية وعسكرية بعد 20 شهراً من عملية «المخلب – المفتاح»؟ هل يوجد ضعف استخباراتي في منطقة العمليات؟ أَلَم يكن ممكناً تلافي المخاطر من جرّاء الظروف المناخية الصعبة الموسمية؟ لماذا لم يتمّ اكتشاف المهاجمين، وهل هناك نقص في كاميرات المراقبة؟ ما مدى كفاية جهاز الاستدراك الصحي لمعالجة الجرحى؟ جاء الردّ الرسمي على تلك الأسئلة، من وزيرَي الدفاع، ياشار غولر، والخارجية حاقان فيدان، اللذين تحدّثا أمام النواب في افتتاح البرلمان، يوم الثلاثاء الماضي. وقال غولر: «هذه الانتقادات لنا ناتجة من جهل وعدم معرفة بما نفعل على الأرض»، معتبراً أن «محاربة الإرهاب لا تكون داخل الأراضي التركية، بل بضرب منابعه حيثما يكون». وأضاف: «لو لم نكن في سوريا والعراق، لكان الإرهاب يضرب على حدودنا وفي مدننا، ولكنّنا ندفع ثمناً أكبر. اليوم، ليس من شهيد واحد منّا يسقط داخل تركيا، والهجمات على قواعدنا في الخارج دليل على نجاح إستراتيجيتنا». ومن جهته، كرّر فيدان ما قاله إردوغان، قائلاً: «أكسبنا جهاز الاستخبارات ديبلوماسية الاستخبارات، وأكسبنا وزارة الخارجية ديبلوماسية الحرب على الإرهاب»، موجّهاً تحذيراً إلى «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي يتزعّمه بافل، ابن الراحل جلال طالباني، بالقول: «رغم كل التدابير التي قمنا بها ضدّ السليمانية، فإن استمرار تعاون الاتحاد مع العمال الكردستاني سيدفع تركيا إلى أن تتّخذ تدابير أكثر تقدّماً».

في المقابل، طرحت العمليات الكردية في شمال العراق، تساؤلات عمّا إذا كانت تركيا في وارد القيام بعملية بريّة واسعة جديدة، على غرار «درع الفرات» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام». وفي هذا المجال، أكد الرئيس التركي، بعد اجتماع للحكومة أول من أمس، أن بلاده لن تقف عند ما حدث، بل ستواصل حماية أمنها عبر عمليات عسكرية جديدة. ويرى عبد القادر سيلفي (المقرب من إردوغان)، في صحيفة «حرييات»، أن إردوغان، عندما تحدّث عن «إرهابستان»، إنّما كان يوجّه تحذيراً إلى الولايات المتحدة وإسرائيل الداعمتَين الأساسيتَين، كما يقول، لـ«حزب العمال الكردستاني»، إذ تسعى واشنطن وتل أبيب بعد غزة إلى «إحياء الكوريدور الإرهابي من العراق إلى البحر المتوسط. وجاءت عمليّتا 23 كانون الأول، و12 كانون الثاني، باعتبارهما رسالةً إلى تركيا»، التي يؤكد الكاتب أنها ليست في وارد التخلّي عن القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق، بل «بصدد تعزيزها واستئناف العمليات العسكرية الواسعة». ومن جهته، يدعو سنان برهان، في صحيفة «عقد» الموالية لإردوغان، الدولة، إلى «احتلال شمال العراق، لأن أمن تركيا يبدأ من سوريا والعراق. إن معركتنا في سوريا والعراق ليست مع حزب العمال الكردستاني بل مع مَن وراءه، وهو الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تأسيس دولة كردية لحماية أمن إسرائيل، وهو ما يجب أن يحذر منه الأكراد».

وفي الإطار نفسه، يرى الخبير في شؤون الإرهاب، عبد الله آغار، أن «تركيا تواجه مباشرة الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث ازداد التوتّر معهما بعد حرب غزة». ولكنه يقول إنه «لا يمكن استبعاد دور إيران والحشد الشعبي في تحريض حزب العمال الكردستاني على إضعاف تركيا في القوقاز، وعرقلة طريق التنمية المخطّط إقامته في العراق بمساعدة تركية». وعن الموضوع نفسه، نقلت صحيفة «جمهورييات» عن العميد المتقاعد علي إر، قوله إن «هدف الجيش التركي واضح، وهو إبقاء الكردستاني تحت الضغط وقطْع تواصله مع امتداداته في سوريا. تركيا تنوي الاستمرار في العمليات العسكرية حتى النهاية، وهذا يتطلّب ألّا تبقي جنودها هناك لمدة أكثر من ستة أشهر واستبدالهم حتى لا يتعرّضوا للتعب والاسترخاء». ويرى أن «المشكلة الأكبر للجيش التركي في العشرين سنة الأخيرة هي تردّي البنية البشرية للقوات المسلّحة، من حيث العدد والتدريب والترفيع، لذا يجب إعادة النظر في هذه البنية».

أمّا العقيد المتقاعد، إراي غوتشلوير، فيلفت إلى أن «عمليتَي الكردستاني في شمال العراق، تفوقان قدرته على التنفيذ. والوصول إلى القاعدة في ظروف مناخية صعبة جداً، يحتاج إلى مساعدة طرف ثالث»، مرجّحاً أن تكون شركات أمنية مزوّدة بأجهزة حديثة، وتعمل لمصلحة الولايات المتحدة في المنطقة هي التي قدّمت المساعدة، متّهماً أميركا وإسرائيل بالوقوف وراء العمليّتَين من أجل إخراج تركيا من العراق، ثم نقل الإرهاب إلى الداخل التركي.

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى