هجوم سوري على جائزة البوكر !

افتتاحيتي للعدد (1475) من صحيفة “الأسبوع الأدبيّ”:

السياسيّ والجماليّ

قبل نحو أسبوعين أعلنت لجنة التحكيم الخاصة بما يُسمّى الجائزة العالمية للرواية العربية، “البوكر”، القائمة الطويلة للجائزة لهذا العام، حظيت مصر بثلاث منها، وكذلك فلسطين بثلاث أيضاً، وذهبت العشر إلى اثنين لكل من العراق، وسورية، والمغرب، ولبنان، وواحدة لكل من الكويت، والسودان.

ليس غرض هذا المقال مناقشة “البوكر” في نشأتها، وأغراضها، ومحكّميها، ونتائج دوراتها التي مضت، بل إثارة الأسئلة حول هذه القائمة التي تضع المتابع للمشهد الروائي العربيّ، وللجائزة نفسها، في مواجهة غير علامة استفهام، وغير علامة تعجّب، وغير كليهما معاً. ومن تلك ما يعني نصّين ممّا ضمّت القائمة، وممّا قيل إنهما لكاتبة وكاتب سورييْن.

النصّان يُعنيان، كلٌّ بأسلوب كاتبه وأدواته وزاده المعرفيّ بالفنّ الروائي ومغامراته وتحولاته، بمقاربة الجرح السوريّ النازف منذ نحو خمس سنوات، والذي لا يعرف الكاتبان عنه سوى ما كانت وسائل الإعلام، غير الوطنية بالتأكيد، تقول حوله وعنه بسبب إقامتهما خارج سورية طوال السنوات الخمس التي مضت، حيث اختار كل منهما مغادرة سورية منذ أول نقطة دم سُفحت على أرضها باسم مفهومات وشعارات عالية إنسانياً وحضارياً وزائفة مرجعاً وواقعاً. الكاتبة إلى عمّان، والكاتب إلى الدوحة.

وإذا كان ليس من المناسب الآن التفصيل في مرجعيات اختيار كل منهما هذه العاصمة “العربية” أو تلك آنذاك، وإلى الآن، من دون سواهما من العواصم الأخرى، فإنّه من المؤكّد أنّ نصّيهما لم يبلغا القائمة الطويلة لاعتبارات فنية تجعلهما في موقع الصدارة من المنجز الروائي العربيّ الصادر في السنة الفائتة، ولاسيما أنّ النصّين السابقين لكلّ منهما، أي الصادران قبل النصّ الذي وصل القائمة، لم يتركا أيّ أثر في الذاكرة المعنية بالفنّ الروائي، قراءة ونقداً، ولم يجترحا مغامرة في السرد الروائي السوريّ، كما لم يلتفت إليهما أحد من النقّاد الجديرين بعدّهم نقّاداً بحقّ، بحقّ فحسب.

ها هي “البوكر” تؤكّد، بعد دورات ثمان سبقت لها، أنّها تقدّم السياسيّ على الجماليّ، وأنّه لا يعنيها من أمر الإبداع الروائي العربيّ سوى ما يعنيها نفسها، مهما يكن من أمر أنّها عرّفت القارئ العربيّ بغير علامة في هذا الإبداع، وبغير روائيّ ممّن لم يكن ممكناً لاسمه أن يتجاوز فضاء الحيّ الذي ولد فيه، أو يعيش فيه، أو الفضاء الجغرافيّ الثقافي الضيّق الذي ينتمي إليه.

وها هي أيضاً تستعيد إلى ذاكرة المعنيّ بالكتابة الروائية العربية ما حرصت عليه طوال تاريخها، ولاسيما في السنة الماضية عندما منحت جائزتها إلى أول عمل روائي للتونسيّ شكري المبخوت، عمل أقلّ ما يمكن أن يُقال فيه وعنه إنّ محكيّه، ومحكيّه وحده، كان جواز المرور اللازم لبلوغه الجائزة.

وربّما، بل على الأغلب، أنها ستستعيد إلى الذاكرة أيضاً ما دأبت عليه في دوراتها الثماني التي سبقت فيما يعني رئاسة التحكيم والمحكمين، أي نأي معظم أولئك عن حقل النقد الروائي. وليس بعيداً عن هذه الذاكرة عضوية الإعلامية البحرينية بروين حبيب في لجنة تحكيم أعمال الجائزة في السنة الماضية، التي لم يكن لها أيّ مؤلّف نقديّ في الفنّ الروائي.

وبعد، فإذا كان من أهم ما يميز “البوكر” اختزالها المشهد الروائي العربيّ، كلّ سنة، في قائمتيها الطويلة والقصيرة، فإنّ من أهم ما يميزها بآن هو جهرها بأنّها ليست خالصة لوجه الإبداع، وإلا فما معنى إلحاحها على موضوعات بعينها، وعلى رؤوساء تحكيم ومحكمين ثمة الكثير ممّا يُقال حول كفاءاتهم النقدية في مجال الإبداع الروائي، وليس أخيراً، بل قبل ما سبق، تصديرها إلى الوعي العربيّ ما يتقدّم السياسيّ فيه على الجمالي؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى