هدوء ما قبل العاصفة.. والحلم الأمريكي بأفغانستان جديدة في سوريا
كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيعازاته بهدنة جديدة في حلب، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وقبل بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأربعة أيام فقط.
نشاطات التحالف الأمريكي لا تزال تدور في الموصل، بينما لا يعرف أحد ما يجري بالضبط إلا من بيانات واشنطن وبعض حلفائها. مدينة المليوني نسمة تواجه قصف التحالف الأمريكي من أعلى، وسيوف ومنجنيق الدواعش من أسفل. والمعلومات الواردة تفيد بأن الموصل تفقد سكانها تدريجيا.
الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يستطيعون إعطاء ضمانة واحدة على منع الإرهابيين من التسلل إلى سوريا، وإلى الرقة تحديدا. ولكن واشنطن ترى ضرورة حصار هذه المدينة من أجل إغلاقها في وجه الدواعش. المشهد يتضح تدريجيا:
– روسيا تعلن هدنة جديدة في حلب لحقن دماء المدنيين، وإخراج الإرهابيين من جحورهم.
– بعد أن فضلت أو رفضت الولايات المتحدة فصل الإرهابيين عن المعارضة في سوريا عموما، وفي حلب على وجه الخصوص، بدأت روسيا بتطبيق آلياتها لتحقيق هذه العملية بنفسها.
– الولايات المتحدة وتحالفها الدولي لا يتعجلان كثيرا إنهاء الأمور في الموصل، وفي الوقت نفسه يسعيان للتوجه إلى الرقة السورية.
– تصاعد نبرة التهديد والوعيد من جانب التحالف الأمريكي، وإطلاق تصريحات تمهد لتحركات غير محمودة العواقب.
– شن حملات إعلامية دعائية وتضليلية لا تعتمد على معطيات الميدان، بقدر ما تعتمد على الحشد والتجييش الإعلامي للرأي العام.
– ظهور توجهات خطيرة لدى كل من التحالف الأمريكي وحلفائه في سوريا نحو استعاده شعارات أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين.
المشهد في غاية الخطورة، والتقارير تتحدث عن إمكانية قيام التحالف الأمريكي بمغامرات خلال الأيام القليلة المقبلة، من شأنها أن تقلب الطاولة على رؤوس الجميع. بينما يرى مراقبون أن الأمر سيظل كما هو عليه من حيث التصعيد إلى أن يتم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. غير أن الملفت هنا، هو أن تقارير عسكرية واستخباراتية تتحدث بقوة حول حصول التنظيمات الإرهابية وفصائل معارضة متحالفة مع القوى اليمينية الدينية المتطرفة على أسلحة ثقيلة ومضادات دفاع جوي. إضافة إلى وجود خبراء غربيين، في العراق وسوريا، يقومون بعمليات تدريب للتنظيمات الإرهابية والعناصر المسلحة التي تعلن انتماءها إلى هذا الفصيل تارة، وإلى ذاك الفصيل تارة أخرى.
إن محاولات الولايات المتحدة وتحالفها توسيع رقعة المواجهات، والالتفاف على كل مساعي التهدئة والهدن، وطرح المبادرات، تطرح خيارات أحلاها مر. إذ يدور الحديث الآن حول كيفية التعامل مع أي مغامرة أمريكية في سوريا.
الملاحظ أيضا أن المعارضة السورية والقوى اليمينية الدينية المتطرفة والعديد من التنظيمات الإرهابية بدأوا يتحدثون حول سيناريو أفغانستان في سوريا. وربما يكون هذا الحديث الدائر بقوة هو أخطر حديث يدور خلال السنوات الأخيرة من عمر الأزمة السورية ذات السنوات الست.
الآن يمكن أن نفهم جيدا، وندرك لماذا “فشلت” الولايات المتحدة في فصل المعارضة عن الإرهابيين، ولماذا رفضت التخلي عن القوى والتنظيمات المتطرفة، ولماذا ترفض بشكل مثير للشكوك التعاون مع روسيا لمكافحة الإرهاب. ووفقا لتقارير كثيرة، فهناك الآن ترتيبات جارية بين مختلف التنظيمات المتطرفة وفصائل المعارضة “المعتدلة”، بل ومن الممكن التلميح أيضا إلى أن هناك نوعا من التنسيق مع الدواعش بدرجة أو بأخرى وبأشكال مباشرة وغير مباشرة.
كل ذلك يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين تحديدا يجهزون لشيء آخر تماما، وهو ما يصفه متحدثو المعارضة ونشطاؤها بـ “أفغانستان السورية”. هذا الأمر يعيدنا مرة أخرى إلى تورط حلفاء أمريكا الإقليميين في حسابات وتنسيقات تلقي بظلال الشك على “تصريحاتهم” بمحاربة الإرهاب، وتجعلهم مرة أخرى رهينة في يد الولايات المتحدة، ودمية تحركها كما تشاء، مثلما حركتها في أفغانستان وشمال القوقاز. وفي نهاية المطاف قامت القاعدة، حليفة الولايات المتحدة، بتفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ولا تزال طالبات تقتل جنود الناتو والعسكريين الأمريكيين في جبال أفغانستان، بينما قامت الولايات المتحدة بتوجيه أصابع الاتهام إلى دول حليفة لها في أفغانستان والبوسنة وكوسوفو وشمال القوقاز بأنها تدعم الإرهاب ودعمت عمليات إرهابية في داخل أمريكا نفسها.
هل تجهز الولايات المتحدة فعلا لأفغانستان جديدة في سوريا؟ وهل سيشارك حلفاؤها القدامى ليكرروا مآسي أفغانستان والشيشان وكوسوفو والبوسنة والعراق؟ وهل ستتهمهم الولايات المتحدة بعد ذلك بدعم الإرهاب؟
روسيا اليوم