هذا ما جرى في ليلة إذلال الجيش الإسرائيلي.. “جنين”.. حقل الموت الذي ينتظر إسرائيل..
نادر الصفدي
بالنسبة لإسرائيل فإن اليوم التي جرت فيه عملية اقتحام مخيم جنين الأخيرة وما تكبدته من خسائر فادحة ومفاجئة، لن يكون كأي يوم سابق وعادي فقواعد المعركة واللعبة قد تغيرت تمامًا الآن، والمقاومة الفلسطينية فرضت أوراقها بقوة على الأرض.
ورغم أن إسرائيل استخدمت أفضل وأقوى كتائبها في عملية الاقتحام التي جرت فجر أمس الإثنين لمخيم جنين شمالي الضفة الغربية، إلا أن ما جرى على أرض الواقع من مقاومة شرسة، وانتهاء الجولة بتفجير أكثر المدرعات الإسرائيلية تحصينًا بعد خروجها من المخيم وتدميرها وإصابة 8 جنود إسرائيليين، كانت الضربة القاسية التي سيحاول الاحتلال استيعابها رغم مرارتها.
الإعلام العبري صب جام غضبه على الجيش الإسرائيلي وقادته، لما شكلته هذه العملية من “إهانة وذل” بحق ما يتزعم بأنه “أقوى جيوش لمنطقة”، فيما ذهبت أراء أخرى للتحريض على قتل الفلسطينيين بالطائرات والصواريخ دون أي رحمة، فيما طالب غيرهم بشن عملية عسكرية كبيرة للقضاء على كل أشكال المقاومة بالضفة.
الاحتلال لا زال يتخبط بعد الصفعة الموجعة التي تلقاها في جنين، بعد أن تمكنت كتيبة جنين- سرايا القدس، من استهداف جنوده بالعبوات الناسفة والرصاص وأوقعت فيها اصابات مؤلمة، وأعطبت آلياته المصفحة، ما اعتبره مراقبون بأنه فشل ذريع، وضربة قوية لم يكن يتوقعها الاحتلال، قبل أن يقوم باقتحام المخيم.
واقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين، فجر الاثنين، واشتبكت مع مقاومين، في مواجهات أسفرت عن استشهاد 6 فلسطينيين، غير أن المقاومة نصبت كمينا في المدينة، فاجأ قوات الاحتلال، حيث أصيب سبعة جنود بحسب ما أعلن الجيش.
الانتقام الإسرائيلي
وتوالت ردود الفعل الاسرائيلية المطالبة بشن عدوان على مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث قال وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت إنه “لا ملاذ للإرهاب ولن يكون موجودًا في أي مكان سواء في جنين أو نابلس أو غزة”، مشيرًا إلى أن إسرائيل “ستصل لكل مخرب وسيكون القتال بلا هوادة بنهج هجومي واستباقي”.
وخيمت الصدمة على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأصابها الشك حول نجاعة عمل الجيش الإسرائيلي في مخيمات الضفة خاصة مخيم جنين العصي والصعب دائما، واستغربت من معرفة المقاومين بخط انسحاب قوات الجيش بعد اقتحامها المخيم والذي كان عبارة عن طريق عبوات متفجرة كانت تنتظر القوات المنسحبة.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الجيش الإسرائيلي يحقق إذا كانت العبوات الناسفة زرُعت سابقاً أم أنها زرعت فور اقتحام قوات الجيش لجنين، وكيف تمكن المسلحين من معرفة طريق الانسحاب أو تقييم ذلك، فيما قدّر مصدر عسكري بأن العبوة الكبيرة التي انفجرت بالمركبة العسكرية “الفهد” في جنين احتوت على 40 كلغ من المتفجرات.
ويقول المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشع، إن جنين ستراكم القوة وستعمل على منع الجيش الإسرائيلي من الدخول مجددًا إلى المخيم، وأن صورة الردع تضررت أمس عقب الكمين المحكم الذي وقع فيه جنود الجيش والآليات العسكرية.
وأكد المراسل العسكري أن “ما نراه أمام أعيننا ليس مجرد تصاعد للمقاومة في شمال الضفة، ولكنه جهد منظم، يهدف إلى ردع دخول القوات إلى المنطقة من أجل أخذ الحرية في تعاظم القوة على غرار قطاع غزة”.
وأشار إلى أنه مع تصاعد وتيرة إنتاج العبوات في جنين، قد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه مضطرًا للدخول إلى هناك مع ناقلات الجنود المدرعة الموجهة إلى لبنان وغزة، موضحًا أن أخذ الفلسطينيون في جنين أمس صوراً أمام أجزاء من حطام المركبات العسكرية الإسرائيلية التي تعرضت لعبوات ناسفة، تضر جداً بالردع الإسرائيلي.
ولفت إلى أنه عندما يُقال أن جنين تمر في مرحلة وفق نموذج لبنان أو غزة فإن المقصود بالضبط هو: “عبوة جانبية قوية يتم تفجيرها بالوقت المناسب، تبني وحدة الهندسة للعملية، كاميرات جاهزة للتصوير لبث المشاهد في إطار حرب الوعي”.
ووصف الدخول إلى جنين بالأمر المعقد وقال: “الدخول إلى مخيم جنين أصبح معقدًا للغاية، حرفياً يسير فيه الجندي على حبلٍ مشدود، ويتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا وموافقات من القيادات العليا في الجيش”.
وأضاف أن “عملية أمس في جنين ستصبح علامة فارقة في الجيش الإسرائيلي، ليس فقط بسبب الوقت الطويل الذي استغرقه الجيش للخروج من الكمين المحكم الذي وقع فيه، بل بسبب دخول أيضاً العبوات الناسفة القوية إلى الساحة، والتي أوقعت خراباً كبيراً في الآليات العسكرية والتي حولت جنين إلى منطقة شبيهة بجنوب لبنان في سنوات التسعينيات حتى لو كانت هذه العبوات أقل قوة من تلك التي رأيناها آنذاك”.
من جهته، قال وزير المالية بحكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش إن الوقت قد حان لشن عملية واسعة شمالي الضفة الغربية وإدخال القوات الجوية والمدرعة، وإنه سيطلب عقد اجتماع طارئ للمجلس الأمني والسياسي المصغر.
أما رئيس حزبه “يسرائيل بيتنو” أفيغدور ليبرمان، فقد دعا إلى اغتيال قادة حماس في قطاع غزة، محملًا إياها المسؤوله عن عمليات المقاومة بالضفة الغربية.
وقال ليبرمان، في مستهل اجتماع حزبه في الكنيست، إنه يجب شن عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية من أجل القضاء على المسلحين الفلسطينيين والتخلص منهم، بالتزامن مع استئناف عمليات الاغتيالات ضد قادة حماس في غزة.
وأضاف، “لا يمكننا قبول قواعد اللعبة التي يمكن من خلالها تأجيج الضفة الغربية بينما يكونون محصنين في غزة”.
وهنا قالت حركة “حماس” إن المقاومة الفلسطينية في جنين “قدمت جوابا واضحا على تهديدات العدو المستمرة للضفة”، وأكد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن “على الاحتلال أن يحسب ألف حساب للمقاومة في جنين لأي حماقة يفكر في ارتكابها”.
وذكّر بتحذير وجهته “حماس” إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من أن المساس بالمسجد الأقصى هو “لعب بالنار وأن الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة سيواصلون الدفاع عن الأقصى مهما بلغت التضحيات”.
وكانت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- قالت أمس إنها تمكنت من إيقاع قوة إسرائيلية في مخيم جنين في كمين محكم، وأمطرتها بوابل من العبوات المتفجرة وتلته زخات كثيفة من الرصاص.
وقالت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس (الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي) إن عناصرها اشتبكوا مع قوات خاصة للاحتلال تم اكتشافها في منطقة الجابريات في المخيم.
قواعد اللعبة
الخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد، يوسف الشرقاوي قال إن ما جرى في جنين يعتبر فشلاً استخبارياً لجيش الاحتلال، حيث أن قوات الاحتلال الاستخبارية لم تستطع اكتشاف عبوات المقاومة، على الرغم من أنهم كانوا يحذرون منها قبل فترة.
وأوضح، أن قوات جيش الاحتلال وقعت في كمين لم يكن في الحسبان مطلقا، مشيراً الى أنهم (قوات الاحتلال) كانوا يعتقدون أن العبوات الموجودة في جنين عبوات جانبية، ولا تؤثر على عربة النمر الجديدة، علماً ان هذه العربة جرى تصفيحها منذ اسبوع تقريبا.
وأشار الى أن الاحتلال قد يستفيد من هذه العملية، في جانب واحد، وهو أنه عرف بوجود مثل تلك العبوات، موضحاً أن الاحتلال يقوم باستطلاق النار، وقد يتلاشى الفشل الذي تلقاه اليوم مستقبلاً .
ولم يستبعد الخبير الشرقاوي أن يشن الاحتلال عملية على عسكرية على كافه المناطق في الضفة الغربية، وخصوصاً جنين ونابلس، لتنظيفها من الاسلحة، حتى يسهل السيطرة عليها.
وحول ردود الفعل الاسرائيلية التي أعقبت العملية، اشار الشرقاوي الى ان الاحتلال اعترف بتغير قواعد اللعبة في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في جنين، وأن جنين ادخلت الاحتلال بقواعد لعبة جديدة، مشيراً الى أن هذا أيضاً قد يكون إما تقدير موقف او تهديد بأنه من الممكن ان يتحكم في قواعد اللعبة الجديدة، لانه الطرف الاقوى.
وأمام هذا التطور الهام.. هل ستكون هذه العملية إنطلاقًا لعمليات أكبر وأخطر ضد إسرائيل وجيشها؟.. أم ستجد المقاومة من يتحرك خلفها لإفشال مخططاتها وإبقاء الضفة رهينة للمحتل؟
صحيفة رأي اليوم الألكترونية