هذه السينما ليست لي..كل الناس يملكون طموحا ، والبعض من الفلاسفة والحكماء يربط وجود الإنسان بقدرته على إمتلاك الطموح أو الحلم . ( ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ) .
الحلم هو جزء عزيز من حياة أي إنسان ، وكثيرة هي الأحلام التي لم يوفق الناس إلى تحقيقها ، لذلك يكون الفن والأدب وسيلة الإنسان ، لإشباع نهمه للحلم ، فهو – أي الإنسان – يقبل بشرطية الفن ، أي المتخيل لكي يشاهد أحلامه التي عجز عن تحقيقها في حياته الطبيعية . فلعله بذلك يحقق شيئا من ذاته وبالتالي يكون متصالحا مع نفسه ومتوازنا معها .
ولكن هنا تبرز مسألة هامة وحاسمة . فماذا لو لم يتحقق هذا الحلم ، حتى في المتخيل الفني أو الأدبي ؟ لابد أن النتائج عندئذ ستكون كارثية ومحبطة . وسوف يكون حال المواطن أكثر سوءا ، ذلك أنه عجز عن تحقيق حلمه حتى في إطار الفن .
سينمائيا ، إستحضرت التجارب العربية العديد من اللقطات التاريخية العربية ، التي سجلت في أسفار التاريخ وشكلت إضاءات بالغة الأهمية في التاريخ الإنساني . ولكن ، لو نظرنا إلى عديد تلك التجارب مقارنة مع غيرها من الخيارات الفنية الأقل شأنا ، لوجدنا أن الكفة تميل بعنف نحو الجهة المقابلة . شخصيات سينمائية عربية هامة حضرت على الشاشة السينمائية العربية ، وغابت شخصيات كثيرة أخرى ، بينما حضرت شخصيات عربية أقل أهمية بكثير .
يمكننا ، أن نوجد مثالا هنا ، كان صنعه الفنان السينمائي السوري العالمي مصطفى العقاد ، صاحب الفيلمين الخالدين ، الرسالة ، الذي تحدث عن رسالة الإسلام ، وفيلم عمر المختار ، قائد الثورة الليبية . مصطفى العقاد ، كتب سيناريو فيلم يتحدث عن القائد المسلم الكردي العظيم ، صلاح الدين الأيوبي ، وقد بقي هذا الفيلم لمدة تقارب العشرين عاما ، حبيس الأدراج ، لأن العقاد لم يجد منتجا واحدا له يخرجه للنور . في حديث قاله العقاد مرارا ، بين أن الأمر وصل أنه عرض موضوع إنتاج الفيلم على عدد من الزعماء العرب ، من ملوك وأمراء ورؤساء ، ولكن الجميع أحجم عن التمويل تحت ذرائع شتى . وبالنتيجة ، لم يظهر الفيلم . البعض من هؤلاء ، وكما يقول العقاد طلب منه أن يصنع فيلما عنه أولا ، ثم يمول له هذا الفيلم ، وبالطبع رفض العقاد ، فخسرنا فيلم صلاح الدين وخسرنا أيضا فيلم تلك الشخصية التاريخية التي كانت ستمول الفيلم ، وربما كانت الثانية من حسن السينما العربية .
غريب ألا تستحضر إنتاجات السينما العربية ، إلا المواقف والأحداث التي يريدها ، بعض من الزعماء العرب ، لكي يكرسوا أهدافا وشعارات تناسبهم ، وبالتالي تغيب عن التحقيق ، كثير من الأفكار والأحداث وبالتالي القيم ، التي يحفل بها التاريخ العربي والإسلامي ، والتي نستطيع من خلالها أن نقتحم أهم منابر الميديا العالمية ، من خلال فن السينما .
ولعل مثالا يمكن طرحه هنا ، سيكون جيدا ، فمن المعروف لدى الخاصة عند العرب ، أن مدينة سمرقند ، في آسية الوسطى ، قد شهدت حادثة متميزة عند وصول جيش الفتح الإسلامي إليها . فعند أبوابها ، كان جيش المسلمين بقيادة ، قتيبة بن مسلم الباهلي ، الذي لم ينتظر مرور ثلاثة أيام وهو زمن المهلة الذي يمنح لأهل المدينة المطالبة بدخول الإسلام ، ودخل المدينة قبل ذلك ، فشكى أهل المدينة أمره للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز في دمشق ، فأحال أمره إلى قاضي خراسان ، الذي نظر في الأمر ، بعد سماعه الطرفين ، قتيبة ووفد من أهل المدينة . ثم كان حكمه بأن قتيبة أخطأ ، وحكم بخروج الجيش من المدينة ، ثم عزل الخليفة عمر قتيبة . هذه الحادثة لم تحدث في تاريخ الإنسانية ، أن جيشا فاتحا يتمكن من فتح مدينة ، يخرج منها لأن قاضيا أمره بذلك ، ويلتزم قائد الدولة بذلك ، وفي هذه القصة الكثير من العبر التي يمكن أن نستخلصها ، ويمكن أن تكون مثالا نادرا ، للدخول في تجارب سينمائية هامة نخلد من خلالها هذه الأحداث وشخوصها ، ونخلق حوارا حضاريا على أعلى المستويات بيننا وبين أمم الأرض .
ولكن ، وللأسف ، لاتهتم الإنتاجيات السينمائية العربية الرسمية ، وغير الرسمية ، بتنفيذ هذه الأفكار ، لأسباب تجارية حينا ، وربما غير ذلك أحيانا أخر . وغرقت السينما العربية ، بصناعة سينما بديلة ، تغرق في الحدث اليومي ، البسيط وأحيانا الساذج ، الذي يحاكي هموم منطقة محددة ، أو يعبر عن مواجع شخص أو حي أو منطقة ، دون الاهتمام بآفاق الوطن كله ناهيك عن الأمة .
من هنا كان الشعور عند الكثيرين ، من مواطني العالم العربي ، خاصة للذين يطلعون على تاريخ شعوبهم وأوطانهم ، أن هذه السينما التي يشاهدونها ، أو يفترض أنهم يشاهدونها ، لا تنتمي إليهم ، ولا تشبههم . لذلك لايتابعونها ، لأنها لا تجسد بالنسبة لهم ذلك الهم والوجع . ولا يستحضرون من خلالها قيما هامة من قصصهم عبر تاريخهم الطويل .
لابد أن السينما ، المعاصرة هامة ، بل وضرورية ، ولابد للإنسان ، أن يشاهد من خلال فن السينما ، المشاكل التي يعيشها في حياته اليومية ، وهي بذلك تكون منبرا لطرح المشكلات الحياتية الحارة والآنية ، ولكن في الوقت نفسه ، لابد من تكريس ما هو ناصع في التراث ، والتاريخ . خاصة مع أمة تمتلك ماضيا مشرقا ، وحاضرا قلقا ، ومستقبلا مضطربا على المدى القريب .
السينما -على الأقل في العالم العربي – هي فن ، يحب الناس أن يشاهدوا فيه قصص حياتهم بشكل متخيل ، يحمل جمالا فكريا ونبلا أخلاقيا أكثر . في زمن كثر فيه إنكسار المواطن العربي أمام تحديات عصره ، فهل نغلق عليه الدائرة أكثر ، ونهزمه حتى في أحلامه .