هــل انـهـــار الـردع الاسـرائيلـي؟؟ (رشيد حسن)
رشيد حسن
هل أدت الحروب التي شنها العدو الصهيوني مؤخرًا على لبنان وغزة، والتطورات والمستجدات التي عصفت وتعصف بالمنطقة وبالعالم، وتطورات صناعة الأسلحة، وبالذات الصواريخ، وسقوط العديد من النظريات العسكرية، إلى انهيار الردع الإسرائيلي، كما يؤكد العميد المتقاعد أمين حطيط في كتابه الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الاولى 2012، والموسوم بنفس العنوان.
نتمنى ذلك.. ونعتقد أن هذا الاستنتاج يحتاج الى مزيد من النقاش من قبل العسكريين والخبراء الاستراتجيين، في ضوء اعتداءات العدو على مواقع عسكرية في سوريا، وتهديده بضرب المفاعلات النووية في ايران، وشن غارة على بورسودان، وتطوير قدراته العسكرية، وخاصة الطيران وأسلحة الجنار الشامل “ النووية” …بشكل ملفت ليبقى اقوى دولة في المنطقة.
العميد حطيط يستعرض بداية أسباب قوة الردع، ونعني: اي قوة، والتي تعتمد في الاساس على ثلاثة عوامل هي: الركن المادي ويتجسد بالقدرات العسكرية، والركن المعنوي، وهوارهاب العدو وتخويفه، كما فعل ويفعل العدو الصهيوني، ثم عناصر البيئة الاستراتجية، وهي تشابك المصالح الدولية، التي تحكم السلوكيات العسكرية، بما في ذلك الحرب واستثماراتها.. ليصل بعد ذلك الى مقومات الردع الاسرائيلي، وتاريخ هذا الردع، منذ ان أقيم الكيان الصهيوني على ارض فلسطين العربية عام 1948، إذْ اعتمد في المقام الأول على ارتكاب المجازر، لارهاب الشعب الفلسطيني، ودفعه الى الرحيل من وطنه، وهذا ما حدث بالفعل، اذ استمرت مجازر العدو التي ابتدأت بدير ياسين في نيسان 48، ولم تنته بعد، وفد اسفرت عن طرد أكثر من “750” الف فلسطيني من وطنهم الى اربعة ارجاء المعمورة، ولا يزالون يتجرعون مرارة التشرد والحرمان، متمسكين بحق العودة المقدس.
تستند استراتجية العدو في السابق، بالتركيز على عدة مفاصل مهمة ابرزها:
القتال على ارض الخصم، إذْ قام بمهاجمة الدول العربية المحاورة، والتوغل في أراضيها، ولم يتعرض هذا الكيان الغاصب منذ قيامه الى اي عمل عسكري يصل أعماقه الا الصواريخ التي اطلقها العراق الشقيق في حرب1991، وصواريخ المقاومة اللبنانية عام 2006، وصواريخ المقاومة الفلسطينية التي وصلت ضواحي القدس وتل ابيب، ثم اعتماده الحرب الاستباقية، او ما يسمى بالضربة الوقائية، التي نفذها في عدوان 67، وفي تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981، وفي اعتداءاته المتكررة على سوريا بحجة ضرب مخازن الصواريخ ..الخ.
واللافت في هذا الخصوص “ ان العدو لا يوافق على وقف اطلاق النار الا بعد ان تملك اسرائيل زمام المبادرة والسيطرة في الميدان، فقدراتها العسكرية تتوافق مع القرارات الدولية، لتنتهي الحرب عندما تكون النتيجة حسمت لصالحها، كما حدث في عام 1973، عندما حقق الجيشان المصري والسوري انجازات بالغة الاهمية في اول الحرب، فلم يتدخل مجلس الأمن، بل كان تدخله عندما انقلب الموقف لصالح اسرائيل”ص16.
وفي تقديرنا فان تآكل قوة الردع الإسرائيلية، بدأت عندما انتصر الجيش الأردني في معركة الكرامة الخالدة، وحينما تمكن الجيشان المصري والسوري من تحقيق النصر الحاسم في حرب تشرين، وكسر حاجز الخوف، وانهاء اسطورة الجيش الذي لا يقهر، وصمود المقاومة الفلسطينية في بيروت 89 يوما، وفي مخيم جنين، واخيرا امتلاكها صواريخ وصلت الى ضواحي القدس واجبرت اكثر من مليون مستوطن على الاحتماء بالملاجئ في حنوب فلسطين..
ان نتائج هذه التطورات والمستجدات وغيرهما.. ادت الى سقوط نظرية “الحرب الاستباقية” بمعنى ان العدو لم يعد قادرا على شن هذه الحرب خوفا من رد المقاومة ولم يعد قادرا على عبور الحدود واحتلال ارض الغير كما حدث خلال الحروب السابقة، كما ادت هذه التطورات الى انتهاء ما يسمى بالحرب الخاطفة.
ومن هنا فقد العدو قدرته على حسم الحرب بسرعة فلجأ الى الحل الوسط “حرب الشهور الثلاثة” او ما يسمى بالمناعة الاجتماعية كما ورد في التقرير الاستراتيجي الصادر عن مركز أبحاث الأمن القومي للعدو “2010” وهو يعني: مناعة المجتمع الاسرائيلي؛ اي قدرته على تحمل الحرب خلال هذه المدة.
باختصار… نخلص من كل ذلك الى ان الردع الاسرائيلي تآكل استنادا الى التقرير المشار اليه، إذْ فقد العدو حرية القرار وحرية استعمال القوة، وهو ما يفرض على الامة كلها ان تعيد حساباتها، وتتخلص من عقدة حزيران، ومن مناخ الهزيمة المسيطر عليها، خاصة وانها انتصرت في الكرامة ومعارك العبور وجنوب لبنان وفي مخيم جنين وغزة، واثبتت انها قادرة -فعلا- ان تنتصر من جديد، اذا ما خرجت الدول العربية من تحت العباءة الأميركية .