هـل قُتـل بابلـو نيـرودا (اسكندر حبش)
اسكندر حبش
«الحقيقة، هي أن لا تكون هناك حقيقة». هل يتحول هذا البيت الشعري الذي كتبه ذات يوم شاعر الشيلي الكبير، بابلو نيرودا، إلى «نبوءة» ما، تخص مصيره مثلما «تخص الحقيقة» حول وفاته أو «مقتله»؟
نظرية قتل الشاعر، ظهرت للعيان في العام 2011، وهي جاءت لتقف على تضاد كبير مع الرواية الرسمية التي تقول إن حائز نوبل للآداب توفي يوم 23 أيلول من العام 1973 جراء أزمة قلبية نتيجة معاناته من سرطان البروستات، وهي نظرية اعترفت بها عائلة الشاعر كما المسؤولون عن المؤسسة التي تحمل اسمه.
لكن في العام 2011 ظهرت نظرية جديدة بطلها مانويل أرايا، مساعد الشاعر الراحل وسائقه حين أعلن في مقابلة صحافية، أن الشاعر، لم يمت من جراء مرضه، (كما جاء في الخبر الرسمي) بعد حوالي أسبوعين من انقلاب الجنرال بينوشيه على الليندي، بل قُتل بأمر من بينوشيه نفسه (حين كان لا يزال في مستشفى سانتا ماريا في سانتياغو، «حيث أعطي حقنة ضد الألم أظن أنها حقنة سامة أودت بحياته»)، إذ كان يخشى فيما لو غادر نيرودا شيلي أن يقوم بتأليب الرأي العام، عبر مناداته بالديموقراطية.
سرعان ما اتسع الخبر يومها وتفاعل في مختلف أنحاء العالم، ليصيب «دخان هذه القنبلة» عددا كبيرا من المهتمين وبخاصة أنه يتعلق بواحد من كبار شعراء القرن العشرين، على الرغم مما أثار الكثير من الحيرة والتساؤل، وليعيد فتح صفحة جديدة من صفحات الدكتاتورية في شيلي. ومما قاله أرايا يومها في مقابلته هذه إن الرئيس المكسيكي يومها سمح لنيرودا باختيار المنفى، وقد أرسل له طائرة خاصة لتنقله إلى المكسيك، لكن بينوشيه لم يستسغ الفكرة، «لأن نيرودا كان يتمتع بتأثير كبير في العالم. كان يريد أن يطلب من مثقفي العالم وحكامه أن يساعدوا شيلي في إعادة الديموقراطية». وعلى الرغم من نفي مؤسسة بابلو نيرودا لهذا الخبر، وتأكيدها أن الشاعر توفي من جراء مرضه، كما أن ليس هناك أيّ دليل على صحة هذه الإشاعات، إلا أن كلام أرايا أثار الكثير من الالتباسات حول التاريخ وحول الشاعر كما حول هذه الأنظمة التي حكمت و«تحكم»، بالدرجة الأولى، ضد ثقافتها الخاصة وضد مبدعيها.
اليوم وبعد سنتين من انفجار هذه القضية، ونظرا إلى طلب وإلحاح الحزب الشيوعي الشيلي، قررت السلطات هناك أن تنبش قبر الشاعر الراحل، لإجراء فحوص مخبرية للتأكد من السبب الفعلي لوفاة نيرودا، وفق ما أعلنته مؤسسة نيرودا التي أضاف المتحدث باسمها: «إن التحاليل تسمح لنا بإزالة الشكوك التي لا تزال تحلّق حول سبب وفاة الشاعر». (لم يحدد بعد موعد نبش الجثة ولا موعد إجراء التحاليل، وإن كانت بعض المصادر الصحافية قد أعلنت أن نهاية شهر نيسان المقبل موعد لذلك). يذكر أن التحقيقات حول نيرودا، بدت كنتيجة «منطقية» لنبش قبر سلفادور الليندي العام 2011، إذ تراوحت الرواية بين انتحاره وإعدامه، قبل أن تثبت التحاليل أنه انتحر فعلا لحظة دخول جنود بينوشيه إلى القصر الرئاسي.
في أي حال، وفي انتظار ذلك فإن معرفة النتيجة وإن غيرت شيئا في الرواية التاريخية، إلا أنها لن تغير شيئا بالواقع الشعري أي بكون نيرودا واحدا من أولئك الذين وسموا مسار التاريخ الأدبي في العالم، أي أن شعره هو الذي انتصر في النهاية على كلّ أشكال القمع والخيانة، وسيبقى حاضرا في الذاكرة أكثر من أيّ شخص آخر. لكن السؤال، الذي لا نتوقف عن استعادته: متى يفهم الحاكم فعلا أنه لا يستطيع أن يغير مجرى التاريخ حتى وإن قتل أدباءه ومثقفيه؟
صحيفة السفير اللبنانية