هكذا خرقوا وصية حنا مينه عند وفاته!

 

دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة:

 نعم …

 ببساطة لم تنفذ وصية حنا مينه، التي نالت اهتماما كبيرا عند نشرها كنص يثير الفضول في التعرف على مايقوله هذا الكاتب الكبير لنا قبل موته .

كنت قد كتبت عنها قبل شهور، من وفاته ، ومن مرور عشر سنوات على كتابتها، وتوقفت عند النقاط نفسها التي حصلت الآن بعد وفاته، فهذا الكاتب الكبير لايريد طبلاً ولازمراً، كالذي يسعى إليه أحد أعضاء مجلس الشعب، أراد أن يموت هادئ البال، فاستبق موته بعشر سنوات وكتب وصية يمكن اعتبارها واحدة من أهم وثائق الحركة الثقافية المعاصرة التي يجب الوقوف عندها طويلا، وفي وصيته تلك عنوانان بارزان : اتركوني أموت بهدوء ، وادفنوني دون احتفالية دعاوية، لكنه قالها بأقسى عبارة يمكن أن يكتبها الإنسان للآخرين قبل أن يموت، فقد قال حرفيا:

“أشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التأبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، استغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها.” !

هل أراحوا عظامه ؟!

خرجت جنازة حنا مينه من المستشفى الثلاثاء الماضي، متواضعة لم يحتشد فيه الناس لوداعه ولا تجمع فيها زملاؤه الكتاب لإلقاء نظرة الوداع على جثمانه، كما يجري عادة للكتاب الكبار، ولكن القرار الثقافي أضفى على الجنازة بعدا رسميا فحضرت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، وحضر أيضا وزيرا الثقافة والإعلام وحضر مسؤولون آخرون ومن بينهم أمين عام الحزب الشيوعي الموحد حنين نمر..

والمفاجأة أن الكتاب لم يحضروا الجنازة، حضرها الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، وكان يمكن أن نقول إنه حضرها من باب مسؤوليته كرئيس للاتحاد فقط لولا أنه قال لي حرفيا، بعد الجنازة، وبلهجة المعاتب والمندهش: لم يحضر الكتاب. هل يظنون أنهم لن يموتوا !

كان الكاتب الكبير حنا مينه يعرف طباعنا أكثر مما نعرفها نحن، فلا يمكن أن نقرأ الفاتحة على ميت ولا نترحم عليه إلا إذا كان ثمة فائدة ما سنقطفها من ذلك، فأراد أن يريحنا من ذلك ويحرمنا من هذه المتعة الانتهازية بآن واحد، أتعرفون ماذا كتب في وصيته ؟

لنقرأ معا هذه العبارات :” عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي، وليس لي أهلٌ، لأن أهلي، جميعاً، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا علي عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية”

بدأ خرق الوصية من أسرته التي نعته وحددت  مواعيد تقبل العزاء، وقد اتكأ رئيس اتحاد العرب في سورية الدكتور الصالح على هذا الخرق وهو يرد على سؤال لبرنامج “كلام الورق” التلفزيوني خصص للكاتب الكبير حنا مينة، يتعلق بسبب خرق وصية حنا مينه ، فقال:  “أنا لم أكن لأنعي حنا مينه لو لم تكن أسرته قد بادرت إلى ذلك ، ولاسيما ابنه الفنان المعروف سعد مينه ”

ويضيف في شرحه للمسألة عبر البرنامج المذكور الذي بثته الفضائية بعد تشييعه: “ما حصل ليس خرقاً للوصية . سألتُ سعداً لماذا فعلتم ذلك ، وهناك وصية؟ فقال كلاماً بغاية الرصانة الإنسانية : طوال حياتي لم أشعر أن حنا مينه يخصني بوصفه أباً . اليوم شعرت به ليس بوصفه أبا لكن بوصفه كينونة إنسانية يليق بها أن تمضي الى مثواها الأخير كما تمكنت من أن تحفر وجودها بقوة ووجود كبيرين ”

هكذا خرقوا وصية حنا مينه، اعتبروه مُلكاً للثقافة وليس مُلكاً لنفسه، ولانعرف إذا كان غياب الكتّاب الذين تركوه ليشيعه بعض المسؤولين هو التزاماً بالوصية أم كسلاً أو لأن الجمل التي نثروها على صفحات الفيس بوك هي آخر مبتكرات العصر لكي نهرب من المشي في جنازة كاتب كبير تحت أشعة شمس حارة !

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى