هل الانتفاضة الفلسطينية الشاملة قادمة؟
هل الانتفاضة الفلسطينية الشاملة قادمة؟… فشلت كل جولات المفاوضات. استمر العدو في التمدد على حساب الأرض والإنسان في فلسطين، وخارجها، مدعوماً باتصالات واتفاقيات سرية وعلنية مع أطراف عربية. واستمر الفلسطينيون في المقاومة، لكن تلك المقاومة أخذت في الغالب شكلاً فردياً غير منظم، على الرغم من أن موجة أعمال الطعن والدهس، التي ظهرت بين عامي 2015 و2106، سُمِّيت انتفاضة السكاكين أو الانتفاضة الثالثة. كان لأجهزة الأمن التابعة لسلطة رام الله دور مهم في قمع هذه الانتفاضة.
لم تتوقف عمليات المقاومة الفلسطينية، وبرزت منها عمليات نوعية، مثل: عملية الاشتباك واستشهاد المقاوم باسل الأعرج (2017)، وعملية قتل مستوطن في نابلس والاشتباك مع العدو، والتي نفذها الشهيد أحمد جرار (2018)، وعملية منطقة بركان الصناعية، التي نفذها الشهيد أشرف نعالوة (2018)، وعملية سلفيت، التي نفذها الشهيد عمر أبو ليلى (2019). لكن هذه العمليات، على الرغم من أهميتها، لم تدفع الوضع على الأرض نحو انتفاضة شاملة.
شهد عام 2021 حدثين مهمين: الأول هو صدور قرار المحكمة الإسرائيلية، القاضي بإخلاء منازل في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة بهدف إسكان المستوطنين، والثاني عملية نفق الحرية، التي نفّذها ستة أسرى فلسطينيين.
جاء تصدي سكان حي الشيخ جراح لقرار المحكمة الصهيونية، والذي صدر في الـ6 من أيار/مايو 2021، ليخلق حالة غير مسبوقة من الالتفاف الشعبي الفلسطيني، تميزت بالانخراط الواسع لفلسطينيي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. حاول العدو الهروب إلى الأمام باقتحام المسجد الأقصى، فانطلقت صواريخ المقاومة من غزة في الـ10 من أيار/مايو، وفي الوقت نفسه هبّت الجماهير العربية والفلسطينية في الخارج معبرة عن دعمها لمعركة “سيف القدس”. مرة أخرى، كانت مشاركة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 لافتة، وخصوصاً في المدن الواقعة في الداخل المحتل، كاللد والناصرة وعكا ويافا.
شكلت الوحدة الفلسطينية حالة من الرعب لدى العدو، فاستنجد بحلفائه العرب، الذين قاموا بوساطة أدت إلى تعليق قرارات المحكمة الإسرائيلية في مقابل إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة. انقشع غبار المعركة في الـ21 من أيار/مايو عن 200 شهيد فلسطيني و13 قتيلاً اسرائيلياً.
جاءت عملية هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع (عملية نفق الحرية) في أيار/مايو 2021 لتُظهر قوة الإرادة الشعبية الفلسطينية في مقابل هشاشة بنية سلطة رام الله، وربما توطئِها مع الأجهزة الأمنية للعدو. على مدى أكثر من أسبوع، شكّلت العملية مصدر إلهام ودعم معنوي لكل الفلسطينيين. وعلى الرغم من تمكن قوات الاحتلال من إلقاء القبض على الأسرى الفارين، فإن العملية ظلت علامة فارقة في الوعي الفلسطيني بما مثلته من تغلب إرادة الفلسطيني الأعزل على قوة الجلاد المدجج بالسلاج.
في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش عن الأحداث في فلسطين خلال عام 2021، وثّقت المنظمة 287 حادثاً أمنياً ارتكبها المستوطنون الصهاينة، أسفرت عن استشهاد خمسة فلسطينيين وجرح 137 آخرين، وكان مجموع هذه الحوادث ضعف ما حدث عام 2020، وثلاثة أضعاف حوادث عام 2019. أمّا الجيش الصهيوني فقتل 67 فلسطينياً، بينهم 14 طفلاً، بأرقام تشكل ثلاثة أضعاف من استشهدوا عام 2020. وخلال عام 2020، هدمت سلطات الاحتلال 666 منزلاً فلسطينياً، مشرِّدةً 958 فلسطينياً، بزيادة 38% مقارنة بعام 2020. في تموز/يوليو 2021، أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية “قانون قومية الدولة”، الذي يؤكد أن “إسرائيل هي الوطن القومي لجميع اليهود”، وأن “حق تقرير المصير القومي في “دولة” إسرائيل هو للشعب اليهودي وحده” ويرسخ “الاستيطان اليهودي” كقيمة وطنية.
على الجانب العربي، تصاعدت الهجمات والضغوط على محور المقاومة، متزامنة مع تصاعد وتيرة التطبيع الرسمي العربي، والذي وصل إلى حدّ التحالف بين الكيان الصهيوني والدول العربية المطبّعة، وخصوصاً الإمارات والبحرين. وغاب الموقف العربي الرسمي الداعم، ولو لفظياً، للشعب الفلسطيني في وجه ما يواجهه من عدوان صهيوني يومي على أيدي جيش العدو والمستوطنين. كانت صور المسؤولين العرب في “تل أبيب” وصور المسؤولين الصهاينة في العواصم العربية، إشارة إلى انسداد أفق الدعم العربي لنضال الشعب الفلسطيني. مع بداية عام 2022، تصاعدت موجة التطبيع من خلال القمم العربية الإسرائيلية، في أبو ظبي، والمنامة، وشرم الشيخ وعمّان والنقب.
تزامنت قمة النقب مع العملية التي نفذها الشهيد محمد غالب أبو القيعان في بئر السبع، وأودت بحياة 4 إسرائيليين، لتليها عملية الخضيرة التي نفذها الشهيدان خالد وأيمن اغبارية، والتي أدت إلى قتل جنديين صهيونيين وإصابة آخرين. في نفس الفترة، تصاعدت الأعمال الاحتجاجية الشعبية في نابلس والقدس ورام الله وجنين. في الـ29 من آذار/مارس 2022 نفذ الشهيد ضياء حمارشة عملية بطولية في “بني براك” في “تل أبيب”، أسفرت عن قتل خمسة صهاينة وجرح آخرين. لم يكد العدو يتمالك نفسه حتى عاجله الشهيد رعد حازم بعملية فدائية في شارع ديزنغوف، أسفرت عن قتل اثنين من الصهاينة وإصابة 14 آخرين.
مع بداية شهر رمضان، اندلعت الاحتجاجات الشعبية في معظم المدن الفلسطينية، بما فيها أم الفحم والناصرة في الأرض المحتلة عام 1948، وكان عنوان هذه المواجهات حماية المسجد الأقصى الذي أعلن المستوطنون نيتهم اقتحامه وتقديم القرابين في ساحاته. شمولية المواجهات واستمراريتها أعادتا طرح السؤال: هل الانتفاضة الفلسطينية قادمة؟
على الرغم من الصعوبات التي يفرضها موقف سلطة رام الله، والتواطؤ العربي ضد الفلسطينيين، فإن عدة عوامل على الأرض تشير إلى أن انتفاضة فلسطينية شاملة في الضفة أصبحت أقرب من أي وقت مضى. ويمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلي:
1- ازدياد نشاط المستوطنين في مناطق الضفة، وارتفاع وتيرة القمع الصهيوني للشعب الفلسطيني.
2- ازدياد ثقة فلسطينيي الضفة بأنفسهم وبإمكاناتهم، وخصوصاً بعد سلسلة العمليات الفدائية التي أدت إلى مقتل 14 إسرائيليا، وهو العدد نفسه الذي قُتل خلال معركة “سيف القدس”، وشعور الفلسطينيين بوجود دعم قادم من المقاومة في غزة، وخصوصاً بعد ظهور الأسلحة المضادة للطيران في المواجهات الأخيرة.
3- الشحن المعنوي الإيجابي العالي، والذي حمله الانخراط الواسع للفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948، في المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة، الأمر الذي يُعيد الاعتبار إلى وحدة نضال الشعب الفلسطيني على كامل أرض فلسطين.
4- انسداد آفاق العمل السياسي، عربياً وفلسطينياً، بعد موجات التطبيع والعجز الذي أبدته سلطة رام الله في جميع محطات المواجهة مع العدو، الأمر الذي عزّز الشعور لدى الجماهير الفلسطينية بضرورة أخذ مصيرها بيدها.
الكرة اليوم في ملعب الجماهير العربية وقوى المقاومة، وعليها مسؤولية تقديم الدعم، سياسياً وإعلامياً ومادياً وعسكرياً (إن أمكن)، إلى الجماهير الفلسطينية الثائرة، لتعزز صمودها وتساعدها على تصعيد أعمالها النضالية.