هل السنوار أقوى من بايدن ونتنياهو مثلما يتنبّأ الإعلام الإسرائيلي؟
عبد الباري عطوان
عندما يستجدي الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ حركة “حماس”، ورئيسها في قطاع غزة المجاهد يحيى السنوار للعودة إلى المفاوضات للتوصّل إلى اتّفاق تبادل أسرى جديد، ويعرب عن استعداد كيانه لتقديم تنازلات كبيرة، فهذا اعترافٌ صريحٌ وواضحٌ لفشل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهزيمة كبرى للجيش الذي “لا يقهَر”.
تصريحات الرئيس الإسرائيلي هذه تزامنت مع عقد لقاء ثلاثي في بولندا بين الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس وزراء دولة قطر. ورئيس “الموساد” الإسرائيلي، ووكالة الـ”سي آي إيه” الأمريكيّة (وليم بيرنز). لاستئناف المفاوضات مع حركة “حماس” للتوصّل إلى “هدنةٍ إنسانيّة” تؤدّي إلى إطلاق الأسرى في الجانبين.
هل السنوار أقوى من بايدن ونتنياهو
المرحلة الثانية للمفاوضات هذه، تأتي بعد الضّغوط المتعاظمة على حكومة بنيامين نتنياهو من قبل أسر الأسرى. والرّأي العام الإسرائيلي. الذي بات يؤمن بأنّه تعرّض لخديعةٍ كبرى من نتنياهو وحكومته والجيش الإسرائيلي. كما وبات يؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ كلّ الوعود بتحقيق أهداف الهجوم على القطاع وأبرزها القضاء المبرم على حركة “حماس” وعودة جميع الأسرى بالقوّة العسكريّة، كانت أكاذيب مضلّلة.
نتنياهو بات يتنازل عن كلّ خطوطه الحمراء، ومستَعد للتّفاوض مع حركة “حماس” عبر الوسيطين القطري والأمريكي. التي كان يريد تدميرها. والتّراجع عن الحلّ العسكريّ لعودة جميع الرّهائن.
السنوار لن يقبل بالعودة إلى ملف المفاوضات إلّا بعد وقفٍ كاملٍ لإطلاق النّار. وانسِحاب القوّات الإسرائيليّة من المناطق التي احتلّتها في قطاع غزة. كما والسّماح بوصول المساعدات الطبيّة والغذائيّة والوقود والماء والكهرباء إلى القطاع. فالمجاهد السنوار الذي أوقف المفاوضات وما يسمّى بالهدَن الإنسانيّة المؤقّتة لن يقبل في المرحلة التّفاوضيّة الجديدة إلّا بتبيض السّجون. وإطلاق سراح جميع المعتقلين، القدامى والجدد أيضا.
التنازلات الكبيرة والتخلي عن الشروط شبه المقدسة
التّنازلات الكبيرة والمؤلمة التي يتحدّث عنها الرئيس الإسرائيلي تحدّثت عنها أجهزة إعلام عبريّة، ولخّصتها بالتخلّي عن الشّروط “شِبه المقدّسة” وأبرزها عدم الإفراج عن المعتقلين “المدانين” بقتل جنود إسرائيليين، أو “الملطّخة يديهم بالدّماء” وفق التّوصيف الإسرائيلي، والتّنازل عن هذا الشّرط يعني التّمهيد للرّضوخ لشروط حركة “حماس” بالإفراج عن جميع الأسرى وعلى رأسِهم مروان البرغوثي عضو اللّجنة المركزيّة لحركة “فتح” والصّادر بحقّه عدّة أحكام بالسّجن المؤبّد.
الهزائم الكبرى التي تعرّض لها الجيش الإسرائيلي، ومقتل المِئات من جنوده، وتدمير أكثر من 500 دبّابة وحاملات جنود، وعربات مصفّحة، وتراجع الدّعم الدّولي، الشّعبي الحكومي إلى ما يَقرب من القاع، وإقدام هذا الجيش على قتل العديد من الأسرى بنيرانٍ صديقة بسبب ارتِباكه وانهِيار معنويّاته، وحالة الرّعب التي يعيشها، كلّها مجتمعة أو متفرّقة، أدّت إلى هرولة السّلطات الإسرائيليّة إلى مائدة المفاوضات لتقليص الخسائر.
المفاوضات القادمة ستكون الأصعب، لأنها ستتمحور حول أسرى إسرائيليين غالبيّتهم من الجِنرالات والجنود وليس من المدنيين، مثلما كان حال مفاوضات المرحلة الأولى، وعدد هؤلاء يزيد عن 140 أسيرًا على الأقل، الأمر الذي يضع المفاوض الفلسطيني في موقع قوّة يستمدّها من صموده وانتِصاراته وهزائم العدوّ المتلاحقة على الصّعدِ كافّة.
السنوار الرّجل الأقوى بالمقارنة إلى بايدن ونتنياهو
بعض المحلّلين في الإعلام الإسرائيلي ومعظمهم من الجنرالات المتقاعدين، أصابوا كَبِدَ الحقيقة عندما قالوا إنّ السيّد السنوار هو الرّجل الأقوى وصاحب الكلمة الحاسمة بالمقارنة إلى بايدن ونتنياهو. لأنّه يفهم جيّدًا العقليّة الإسرائيليّة. وهندس الهزيمة الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال. كما ويتمتّع بدعم الحاضنة الشعبيّة الموحّدة خلف المقاومة. كما ويؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ إطالة أمَد الحرب لصالحه. الأهم من كل ذلك أنه لا يخشى الموت. ويتطلّع إلى الشّهادة.
ختامًا. نقول إنّ “إسرائيل” ذاهبة بينما المقاومة باقية وتتمدّد، وتملك كل أوراق القوّة. ولم تخسر إلّا القليل من قوّتها رغم مرور أكثر من سبعين يومًا على الحرب. وما زالت قادرة على إطلاق رشقات الصّواريخ لضرب أهداف في قلب تل أبيب والقدس ومدن غلاف القِطاع مِثل أسدود وعسقلان وسدروت.
صمود المقاومة في غزة غيّر وسيغيّر جميع قواعد الاشتِباك ومعادلات الوّة في مِنطقة الشّرق الأوسط، وسيتكلّل بتغييراتٍ شاملة ليست في مصلحة أمريكا ودولة الاحتِلال الإسرائيلي.
السنوار سيخرج من تحتِ الأرض مرفوع الرّأس متجوّلًا في مدن القطاع رافعًا شارة النّصر. بينما سيذهب نتنياهو وجِنرالاته إلى زنازينهم مطأطِئي الرّؤوس. هذا إذا لم يهربوا إلى ملاذاتٍ آمنة في أوروبا ومعهم الملايين من المستوطنين.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر