هل الصهيونية العالمية هي وراء تفوق العرق الأبيض ام أن الإنجيليين هم وراء ابتداع أيدولوجية الصهيونبة العالمية ؟
د. ماهر عصام المملوك
لفهم العلاقة بين الصهيونية العالمية وفكرة تفوق العرق الأبيض، ولتحديد ما إذا كان للإنجيليين دور في خلق الصهيونية العالمية، يجب أن نتناول بعض النقاط التاريخية والتحليلية المعقدة.
يمكن تنظيم الموضوع ضمن الفقرات التالية، مع التركيز على الأصول التاريخية والتأثيرات الأيديولوجية المتبادلة بين هذه الحركات.
مما لاشك فيه ان نشوء مفهوم “التفوق الأبيض” كان جزءاً من حقبة الاستعمار الأوروبي، حيث انتشر مفهوم “المهمة الحضارية” لتبرير السيطرة على الشعوب غير البيضاء. والذي ساعد بالعموم في هذه الفكرة على تعزيز النزعة الاستعمارية واستغلال الموارد البشرية والطبيعية للدول الأخرى.
فالتمييز العرقي أثر فيه الفكر العنصري على القوانين والسياسات في أوروبا وأمريكا الشمالية، مثل الفصل العنصري ونظام الأبارتايد، مما ساهم في تعزيز فكرة تفوق العرق البيض على حساب المجتمعات الأخرى.
وبالرجوع إلى نشأة الصهيونية العالمية وتاريخها، والتي تطورت فيها الصهيونية كحركة سياسية، فلقد تأثرت أيديولجية الصهيونية العالمية بالظروف التي عاشها اليهود في أوروبا الشرقية والغربية، وبالاضطهاد والتمييز مما دفع الزعماء اليهود إلى الدعوة لإنشاء وطن قومي نتيجة الاعتقاد بضرورة الحاجة لتأسيس الحركة الصهيونية بشكلها المنظم والذي قدم له واتفق عليه في نهاية القرن التاسع عشر بقيادة تيودور هرتزل، حيث دعت لتأسيس دولة يهودية في فلسطين حيث حصلت الصهيونية العالمية من خلال هذه الدعوة على دعم من القوى الأوروبية الاستعمارية، وبخاصة بريطانيا، التي أصدرت وعد بلفور عام 1917، وهو ما شكل بداية الدعم الرسمي الغربي للمشروع الصهيوني.
نعود إلى الدور الإنجيلي التاريخي في دعم الصهيونية العالمية حيث آمنت بعض الحركات الإنجيلية، وخاصةً في بريطانيا والولايات المتحدة، بعودة اليهود إلى “أرض الميعاد” كجزء من النبوءات الدينية، وظهرت من وقتها حركة تسمى “الصهيونية المسيحية”، التي ترى أن عودة اليهود إلى فلسطين شرط ضروري لعودة المسيح.
شجعت هذه العقيدة بعض الإنجيلين على دعم إقامة دولة إسرائيل، وبذلك أسهمت في دعم الصهيونية، ليس لأسباب قومية يهودية بل لأسباب دينية مسيحية مرتبطة بالعقائد الإنجيلية.
ولا تزال هذه الحركة نشطة في دعم إسرائيل حتى اليوم، خاصةً في السياسة الأمريكية.
نعود هنا إلى التقاطعات بين الصهيونية العالمية وفكرة تفوق العرق الأبيض ، يث أصبحت الأمور، وبالرغم من اختلاف الدوافع، مؤشراً لوجود توافق غير مباشر بين الصهيونية العالمية وفكرة التفوق الأبيض؛ فكلاهما يبرر السيطرة على “الآخر” وفق تصورات خاصة بالهوية. ويرى بعض المؤرخين أن الصهيونية تبنت بعض المفاهيم التي تتوافق مع الفكر الاستعماري الأوروبي، مثل بناء دولة تعتمد على التفرقة الدينية والعرقية.
وقد أبرمت الصهيونية تحالفات مع القوى الأوروبية لتحقيق هدفها، واستفادت من الفكر العنصري السائد لتحقيق أهدافها، حيث أنشأت نظامًا عرقيًا يضمن التفوق لليهود داخل دولة إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
اما من الناحية التاريخية، فيبدو أن فكرة تفوق العرق الأبيض كانت سابقة لنشوء الصهيونية العالمية، وبالتالي من غير الدقيق القول إن الصهيونية العالمية هي من يقف وراء فكرة التفوق الأبيض. فالصهيونية تشكلت في سياق مغاير، ورغم استفادتها من الدعم الغربي، فإنها لم تكن المحرك الأساسي لفكرة تفوق العرق الأبيض.
غير أن هناك تأثيرًا متبادلًا بين الأيديولوجيات. إذ تتبنى الصهيونية نوعًا من الاستعلاء القومي والديني الذي يشبه أحيانًا الفكر التفوقي، مما يجعلها تتقاطع مع بعض جوانب الفكر الأوروبي الاستعماري، خاصةً من حيث التصور عن الشعوب الأصلية.
ومن المؤكد انه كان للإنجيليين دور في خلق الصهيونية العالمية وهم من أوجدوا هذا المفهوم . فقد دعمت بعض الفئات الإنجيلية الفكرة الصهيونية قبل تأسيس الدولة، وأيضًا من خلال التحالفات السياسية والمالية.
وفي العصر الحالي يسعى الإنجيليون والصهاينة لتحقيق مجتمعين وبأهداف مشتركة ومتقاطعة، ولكن لأسباب وأجندات مختلفة فالإنجيليون ينظرون لإسرائيل كمكانٍ لتحقيق النبوءات، بينما تسعى الصهيونية لتحقيق مشروع قومي لليهود. هذا التوافق ساعد على ترسيخ التحالف بين الطرفين، ولكنه لا يعني أن الإنجيليين هم من أنشأ الصهيونية.
في الدراسات الحديثة، تتعرض الصهيونية لانتقادات كثيرة باعتبارها أيديولوجية استعمارية تساهم في التفرقة العنصرية داخل إسرائيل وخارجها. كما أن حركة مناهضة الاستعمار تنتقد أي أيديولوجيا تبرر السيطرة على الشعوب الأصلية أو تبرر القتل والتهجير.
ولا تزال بعض الحركات الإنجيلية والسياسية تروج للتفوق الأبيض والصهيونية بطرق غير مباشرة، ما يجعلها جزءًا من السياسة العالمية المؤثرة على قضايا الشرق الأوسط.
في خاتمة القول هل يمكن فصل الصهيونية عن سياقات التفوق العرقي؟
ترجح الاستنتاجات ان الصهيونية والتفوق الأبيض لا يمكن فهمهما كظاهرتين منفصلتين تمامًا، إذ يشتركان في سمات تتعلق بالنظرة الاستعلائية تجاه الآخر. ومع ذلك، يجب فهم الفوارق بينهما وعدم الخلط بين الأيديولوجيات دون أدلة واضحة وأكيدة في أنهما وجهان لعملة واحدة …
بوابة الشرق الأوسط الجديدة