هل انتهى زمن التفهًّم والتفاهُم في لبنان؟ (ناصر زيدان)

 

ناصر زيدان

شعار النفهُّم والتفاهُم اطلقه رئيس الحكومة الراحل صائب سلام، والد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الحالي تمام سلام، وقد افاد هذا الشعار البلد، حتى في اوجّ الازمة، وإبان الحروب الداخلية والدولية التي حصلت على ارض لبنان، وحافظ لبنان من جراء خيوط التواصل على الحد الادنى من التفاهمات التي انقذت المؤسسات الرئيسية للدولة من حالة الانفراط، او الانهيار، وجنَّبتها الفراغ، برغم الانقسامات الحادة التي عاشتها البلاد.
يبدو أُفق التواصل بين القوى السياسية اللبنانية مُغبراً، ويميلُ الى السواد، اكثر من اي وقتٍ مضى، في زمنٍ تحتاج المرحلة الى حوارٍ وتفاهم على قضايا جوهرية، بصرف النظر عن الخلافات الواسعة التي تتحكم بالخارطة السياسية اللبنانية، على خلفيةِ ملفاتٍ اساسية، اخطأ البعض في مقاربتها، لاسيما الاحداث الدامية الجارية في سوريا، ووصل امر التباين حولها الى حد القطيعة الكاملة بين قوى اساسية ، بعد خطيئة التورط العسكري اللبناني في مناصرة فرقاء الصراع السوري، خصوصاً تدخُل حزب الله.
مهما كان تقييم اداء الاطراف اللبنانيين، واياً تكُن درجة ارتكاباتهم، او اخطائهم، او تجاوزاتهم. لا يمكن القفز فوق معادلة الحوار، ولا تجاوز صيغة التفهُّم والتفاهم، لتسيير امور الدولة ، وتقطيع العُقد التي تؤمِّن جريان الدماء في اوردة جسم الوطن، وعلى وجه التحديد ابعاد شبح الفراغ عن مؤسسات الدولة الرئيسية، في رئاسة الجمهورية، وفي مجلس الوزراء، وفي قيادة الجيش، ومصرف لبنان، ناهيك عن القطاعات الهامة الأُخرى.
يُهدد الانقسام العامودي في الساحة السياسية مُستقبل الدولة، ويؤشِّر انقطاع التواصل والحوار الى مرحلة قاتمة، سيكون لها تداعيات قاسية، إذا لم يتدارك مخاطرها المعنيون. وقد تكون اسوأ من الازمات السابقة التي مرَّت، لأن البيئة المحيطة بلبنان تغيَّرت الى حدٍ كبير، وتحولت الى بيئة حاضنة للتطرف، إذا لم نقُل للتهوّر، وانشغلت الدول التي كانت تُساعد لبنان بما يُشبه الحربٍ الاهلية الاقليمية المسدودة الأُفق، على وقع احتدام المأساة السورية، التي شبهتها الامم المتحدة بأنها الاسوأ منذ مجازر رواندا العام 1994.
رئيس الجمهورية ميشال سليمان يُدرك مدى خطورة المرحلة، وهو في الافطار الرئاسي دعى الى اعادة احياء طاولة الحوار في بعبدا، وطالب بإجراء بعض التعديلات الدستورية التوضيحية التي تسمح للسلطات التشريعية والتنفيذية التهرُّب من الانسدادات التي تواجه عملها عندما يكون الاختلاف واسعاً بين القوى السياسية، كما هو حاصل اليوم.
مجموعة من الملفات المُلحَّة المطروحة في لبنان، تحتاج الى تفهُّم وتفاهُم، بصرف النظر عن الاختلاف السياسي. وهذا الاختلاف لا يستطيع ان يمنع الناس من ان تتعاطى مع بعضها البعض، ولا قادر ان يُوقف الاهتراء الذي يُصيب مرافق البلاد الخدماتية الاساسية، وليس لهذا الخلاف قدرة على تقديم اية مُقترحات واقعية، تٌنقذ الاوضاع من الصعوبة التي تعيشها، خصوصاً ان المؤشرات الاقتصادية بدأت تعكس الواقع المُتأزِّم في تراجعات مُخيفة لقطاعات السياحة والصناعة والزراعة، وحتى قطاع البنوك والخدمات.
مصادر متابعة ترى انه لا بديل عن الحوار والتواصل لحل بعض المعضلات الصعبة، ولا يمكن انتظار توحيد وجهات النظر بين القوى المتباعدة لبناء مسارٍ تشريعٍ، او اجرائي قويم، لأن الاختلاف كبير بين تصور كل فريق اتجاه ما يجري في سوريا، وحتى في الاختلاف على مشروعية سلاح المقاومة، ولا يستطيع اي من الاطراف فرض وجهة نظره، او تسويقها، حتَّى لو كانت مُحقة، لأن المعطيات الخارجية هي الاقوى في تحديد مواقف القوى الداخلية، خصوصاً ارتباط حزب الله في محور اقليمي، لا يستطيع الانفراد بالقرار عنه.
التفهُّم والتفاهُم هي الصيغة الوحيدة القادرة على تدوير الزوايا، واخراج لبنان من دوامة الاضطراب المُرشح للتفاقم، وهذه الصيغة هي الوحيدة ايضاً الكفيلة بإخراج المأزق الحكومي من عنق الزجاجة. وقد تكون مقاربة توزير المُقربين من القوى والاحزاب، هي الاقرب الى التنفيذ، في ضلِّ صعوبة جمع شخصيات حزبية فاقعة من مختلف الاطراف على طاولة واحدة. وما انطبق قسراً على تداعيات ازمة حكومة الرئيس ميقاتي في بداية العام 2011 لا يمكن ان ينطبق على ظروف وخطورة الاوضاع الراهنة. فلا العزل كان قراراً صحيحاً في حينها ليتم تكراره، ولا مطلب الثلث المُعطِّل محقٌ، وهو يُخفي نية انقلابية، اكثر مما يدعوا الى التضامن.
والتفهُّم والتفاهم هما القادرين على انتاج مخرج مقبول، وواقعي، ومتوافق عليه، للتمديد الضروري لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ولرئيس الاركان اللواء وليد سلمان.
فهل انتهى زمن التفهُّم والتفاهُم في لبنان، ام ان الصيغة ما زالت قائمة وقادرة على انتزاع الحلول من انفاق الظلام؟


صحيفة الانباء الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى