هل انتهى شهر عسل المرجعيتين الهاشمية والعثمانية؟

 

رغم البعد التنافسي المعروف بين النائبين الأردنيين خليل عطية وأندريه العزوني باعتبارهما أبناء دائرة انتخابية واحدة وبينهما صولات وجولات من المنافسة، يبقى الجدل الذي افتعلاه حول الموقف الأردني من العملية التركية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا بحاجة للتأمل والتحليل.

الحاجة عملياً كبيرة وملحة لفهم تقلبات الموقف الأردني، بين منطوق عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني في شهر شباط الماضي أمام رؤساء وزراء بلاده مجتمعين عن علاقة “شراكة استراتيجية” مع تركيا والذي أكّده الملك قبل ذلك بلقاء مع محللين استراتيجيين وكتاب وصحفيين بالقول ان الشراكة مع تركيا استراتيجية وان المملكة ستعيد ترتيب مواقفها في المنطقة وعلاقاتها على أساس هذه العلاقة، ولاحقا بين منطوق ذات المرجعية في اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي برهم صالح يرفض فيه أي انتقاص من سيادة سوريا وتهديد وحدتها، وضرورة احترام القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية، التي تنظم العلاقات بين الدول.

موقف ملك الأردن الأخير من العملية التركية، بدا وكأنه إشهار أردني لتبدّل المزاج والانقلاب على “الشريك الاستراتيجي” في أنقرة، رغم كل الدفء الذي أبداه الجانبان خلال الأشهر الأولى من العام ومنذ الإعلان الأمريكي للقدس كعاصمة لإسرائيل، والذي في حينه أظهرت تركيا الكثير من الدعم للأردن والوصاية الهاشمية.

عمان تتغير في موقفها عمليا وفجأة من المحور التركي القطري، ولكن أحداً في الدبلوماسية ولا حتى المرجعية الملكية يريد أن يشرح أو يوضح، لا كيف ولماذا ذهبت عمان للتحالف مع الأتراك، رغم الماضي والتاريخ الذين يقولان ان الهاشميين (الذين يمثلهم ملك الأردن) قادوا ثورة على العثمانيين الذين يمثلهم أردوغان، وأن الزعيمين بكل الأحوال يمثلان مرجعيتان سنيتان مختلفتان؛ كما لا الدبلوماسية ولا المرجعية الملكية تريد أن توضح كيف ولماذا انقلبت على الأتراك وعلى التشارك معهم. وهنا تحديدا يحدث جدلٌ من وزن ما تسبب به نشاط النائب المخضرم عطية في البرلمان العربي لإفشال قرار يدين العملية التركية، ثم اتهامه من قبل خصمه العزوني حرفياً بالعمل ضد مواقف الملك.

هنا تبدو الدبلوماسية الأردنية متجلية في واحدة من أكثر أوجهها ارباكاً وارتباكاً، وتظهر كمن لديها رؤية مزدوجة في العلاقات مع دولة تمثّل محوراً اليوم مثل تركيا، وهو إرباكٌ لا يستشعره فقط المحللون والقارئون للمشهد وإنما حتى سياسيون منضوون تحت مظلة مؤسسة دستورية كالبرلمان، وبالتالي ينعكس كل ذلك على أدائهم في الداخل والخارج.

طبعا هنا أيضا سؤال توحيد المواقف وشرحها لممثلي الأمة على الطاولة رغم كل التحفظات على الأداء النيابي من قبل الشارع، والمشهد المتخبط مع تركيا لا يمكن اعتباره وحيدا او طارئا على المشهد الأردني حيث دبلوماسية قليلة الشرح للداخل أصلا ومواقف متذبذبة من الملفات الخارجية كما الداخلية وأحيانا اكثر.

بكل الأحوال ومن سياق التحليل ومع الاخذ بعين الاعتبار ان المرجعيات لم تشرح ولا يبدو انها ستفعل، يبدو التوضيح الوحيد المحتمل متعلقٌ بأزمة مرتبطة بصورة افتراضية رسمتها الدولة الأردنية في اقنيتها عن مؤامرة قادها الاخوان المسلمون في البلاد في ازمة اضراب المعلمين الداخلية، وهي جماعة بالضرورة ينظر اليها المسؤولون الأردنيون باعتبارها مدعومة من تركيا وقطر بطبيعة الحال.

النظرة المذكورة والتي استمعت اليها “رأي اليوم” مباشرة وبصورة “اقرب للممجوجة” من مسؤولين في الحكومة ومقربين من القصر ومراكز القوى الأمنية، بدا وكأنها تجد طريقها للمنطقة بصورة كبيرة في ازمة المعلمين، وفي محاولة لتعميق نظرية المؤامرة في الاضراب الذي استمر لاكثر من شهر بدلا من مواجهة الجانب الاقتصادي والأخلاقي المحقّ من مطالب المعلمين في ذلك الوقت.

مع انتهاء الاضراب قبل نحو شهر اليوم يمكن استذكار التغريدة الملكية التي بدت تحذيرية وتهديدية حول “اجندات” عطلت مصالح الطلبة، وهو امر فُسّر أصلا ضد الاخوان المسلمين بكل الأحوال، خصوصا وانه كان متزامنا مع لقاءات يبدو انها ستتكرر بين الملك نفسه والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيرهما العراقي برهم صالح، وهي لقاءات يرى البعض منها محاولة لخلق محورٍ جديد في المنطقة رغم أن الدول الثلاثة اليوم تعاني من فقدان ثقة بين الشارع والأنظمة بنسب متفاوتة. ورغم ان عمان ستجد نفسها في تنافس سنّي اخر مع القاهرة بمرجعية الازهر أيضا.

بين الدول الثلاثة كان ولا يزال يمكن لعمان ان تكون بمكان متوسط القرب مع تركيا، ولكن ازمة العاصمة الأردنية في المملكة الرابعة وفق مقربين من دبلوماسيتها انها رغم ادعائها الحياد الا انها تتطرف في يمين او يسار الحياد المذكور بحيث تخسر حلفاءها في الأغلب دون أن تكسب خصومهم.

بفرضية الرغبة بمعاداة الاخوان المسلمين مجددا، وباعتبار ان تركيا داعما أساسيا لهم تكون عمان تنهج نهج القاهرة والذي لا تحتاجه برأي المراقبين ببساطة لان الأردن ذو تركيبة مختلفة والاخوان فيه لا بديل لهم، حتى ان الأحزاب الناشئة من وزن التيار المدني وغيره يتهمون الدولة أصلا بتفكيكهم ومنعهم من تشكيل كتلة سياسية قد تساهم في منافسة الاخوان المسلمين في الساحة وبطريقة حضارية وتشكيل معادل موضوعي لهم.

في السياق الخارجي يرى كثر أيضا ان إصرار الأردن على تأزيم المشهد مع تركيا عبر المبالغة في البرود والجمود لا يحسّن موقع الأردن من حلفاء تخلوا عنه كأبو ظبي والرياض بل على العكس يزيده سوءا، وهو الامر الذي يظهر بالجمود الذي غطى حضور الملك عبد الله الثاني لمؤتمر دافوس الصحراء السعودي رغم كونه الوحيد برتبة رئيس دولة بين حضور المؤتمر الذي يعتبر استثماريا حضاريا بكل الأحوال، لا بل وينافس النسخة الأردنية لمؤتمر دافوس في البحر الميت.

بكل الأحوال، من الواضح ان عمان تغيّر خطها مجددا وقارب دبلوماسيتها الذي يحاول إيجاد مساره لا يزال شبه تائه ووحيد، الامر الذي لا يمكن له أن يأتي بعوائد إيجابية ان لم يأتِ بسلبية أصلا، خصوصا وتركيا اليوم تمسك بملف إضافي تستطيع فيه ازعاج الأردن ان ارادت وهو ملف المقاتلين الدواعش الذين كانوا في السجون الكردية وباتوا في قبضتها وتتوعد بإعادتهم لبلدانهم مع عائلاتهم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى