تحليلات سياسيةسلايد

هل بدأ عبّاس الاستِعداد للرّحيل وتهيئة الميدان لخليفته؟ وما هي الأسباب التي دفعته إلى هذه الخطوة الآن؟  

عبد الباري عطوان

أصدر الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس قرارًا مُفاجئًا أمس بتعديل دستوري يقضي بتولّي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (روحي فتوح) رئاسة السّلطة في حال “شَغُر” منصب رئيسها (وفاة عبّاس) لمُدّة 90 يومًا يتم خلالها إجراء انتخابات حُرّة ومُباشرة لانتخابِ رئيسٍ جديد للسّلطة وفق قانون الانتخابات.

هذا القرار يعكس تماهي السّلطة ورئيسها مع الإملاءات الأمريكيّة التي تُخطّط لمرحلةِ “ما بعد حماس” وإنهاء وجودها في الحُكم في قطاع غزة، وتكوين هيكليّة جديدة بديلة وفق الشّروط الإسرائيليّة.

البداية كانت إقدام الرئيس عبّاس على تجميد المجلس التشريعي، برلمان السّلطة المُنتخب، الذي كانت حركة “حماس” تُسيطر على غالبيّة مقاعده، ومن ثمّ حلّه عام 2017، وتحويل جميع سُلطاته إلى المجلس الوطني الخاضع بالكامِل لسيطرته، ثمّ عن أيّ انتخاباتٍ حُرّةٍ يتحدّثون؟ فهل أجرى الرئيس عباس أيّ انتخاباتٍ مُنذ تولّيه السّلطة قبل عشرين عامًا، حُرّة أو غير حُرّة، بعد انتهاء مُدّته وفق الدّستور؟

هُناك عدّة احتمالات تقف خلف هذا القرار غير الدستوريّ و”المَلغوم” يُمكن اختِصارها في النّقاط التّالية:

الأوّل: أن تكون صحّة الرئيس الفِلسطيني الذي يَبْلُغُ من العُمر ما يقرب التّسعين عامًا (89 عامًا)، تُواجه صُعوبات حقيقيّة، خاصَّةً أنّه يُعاني مِن مشاكلٍ في القلب، وأُصيب بسرطانِ البروستات قبل عشرين عامًا تقريبًا، بالإضافة إلى أمراضِ الشّيخوخة الأُخرى، وربّما قرّر الانسِحاب بالتّالي، وقضاء ما تبقّى من أيّامه في منزله في رام الله أو في الخارج.

الثاني: اتّفاق الرئيسين الأمريكيين الذّاهب جو بايدن والقادم دونالد ترامب على تغيير السّلطة وتركيبتها الحاليّة، والإتيان بتركيبةٍ فِلسطينيّةٍ جديدة تقبل بالصّيغة التي تعكف إسرائيل وأمريكا على طبخها، إذا لم تكن قد نضجت فعلًا، وأوّل عناوينها القضاء على أيّ وجودٍ لحركة “حماس” في السّلطة أو خارجها، في قطاع غزة أو في الضفّة الغربيّة.

الثالث: وجود صراعٍ خلف الكواليس بين قيادات حركة “فتح” حول خِلافة الرئيس عبّاس، خاصّةً داخل اللجنة المركزيّة للحركة، وتضخّم عدد الطّامحين، ومُعارضة الشّخصيّتين البارزتين المُقرّبتين منه، والدّور المُتصاعد لهُما في إدارة شُؤون السّلطة، وهُما حسين الشيخ والجنرال ماجد فرج رئيس جهاز المُخابرات، وقال لنا عُضو لجنة مركزيّة طامح في الخِلافة: “الرئيس عبّاس يُريد تعيين الشيخ رئيسًا بعده، والأخير لن يكون أمامه في حال خِلافته إلّا خِيارين: الأوّل، إطلاق النّار علينا وقتلنا كأعضاء لجنة مركزيّة، أو الزّج بنا خلف القضبان، والثاني، الرّضوخ لقيادتنا والالتزام بقوانين الحركة الداخليّة”، فنحنُ نُجسّد الشرعيّة التنظيميّة والوطنيّة الأهم ويعرف حجمه”.

الرابع: وجود سُلطة فِلسطينيّة مُستقبليّة جاهزة تقبل بصفقة القرن والقيام بدور “المُحلّل” لضمّ الضفّة الغربيّة والقطاع، وتهجير مُعظم مُواطنيها إلى سيناء في حالة القطاع، والأردن في حالة الضفّة الغربيّة، تحت مُسمّيات جديدة ربّما جرى الاتّفاق عليها عربيًّا وأمريكيًّا وإسرائيليًّا، وهذه السُّلطة تنتظر صافرة الانقِضاضِ على القيادة.

بصِفَتي عُضو مجلس وطني فِلسطيني مُصنّف رسميًّا على قائمة المُستقلّين، لا أعترف بتركيبة المجلس الحاليّة الذي يزيد عدد أعضائه عن 700 عُضو جرى تعيين غالبيّتهم من قِبَل الرئيس عبّاس وسُلطته دون أيّ التزامٍ باللّوائح المُعتمدة، ويفتقد (المجلس) إلى أيّ نوعٍ من الاستقلاليّة والتعدّديّة، وعقد جميع جلساته في المُقاطعة تحت حِرابِ الاحتلال، ويَبْصُم على جميع قرارات “الرئيس” دون أي مُناقشة، رَحِمَ الله مجالسنا الوطنيّة السّابقة التي كانت تضمّ أُسودًا مِثل شفيق الحوت، ومحمود درويش، وجورج حبش، وإدوارد سعيد، وقدومي وعمرو والسايح والقائمة تطول.

هُناك عدّة أسماء مطروحة حاليًّا لتولّي رئاسة السُّلطة في المرحلة المُقبلة خلفًا للرئيس عبّاس، أبرزها شخصيّتان، الأوّل هو الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الأسبق، وناصر القدوة وزير الخارجيّة الأسبق الذي تبنّى مُبادرة جديدة للسّلام مع أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الأوّل، أي الدكتور فياض، يُمثّل السّلام الاقتصادي، والثّاني، السّلام السّياسي، والتّعايش وِفق الصّيغة والتركيبة السِّريّة التي يجري التكتّم عليها حاليًّا، وستَظهر في الوقتِ المُناسب لهُم.

الشّعب الفِلسطيني سيُقاوم كُل هذه المُؤامرات، والخليف الوحيد للرئيس عبّاس هي المُقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال في الضفّة الغربيّة التي تتبلور إرهاصاتها في جنين ونابلس وطولكرم وباقي المُدُن والمناطق الأُخرى، أمّا قطاع غزة الذي قدّم أكثر من 45 ألف شهيد، و150 ألف جريح بينما السّلطة تُواصل التواطؤ مع الاحتلال ولم تُقدّم قارورة ماء واحدة لأهل القطاع الجوعى العطشى، وتُبالغ في تجسّسها على أبناء شعبها المُقاوم، وتوفير الحماية للمُستوطنين، فلن يتخلّى أهلنا في القطاع عن حركة “حماس” التي حقّقت أكبر انتصار “طُوفان الأقصى” في تاريخنا، وألحقت، وما زالت، هزيمة كُبرى في صُفوف الاحتلال ومزّقت كُل أقنعته الزّائفة، وكشفت حقيقة وجهه الدمويّ القبيح أمام العالم بأسْرِه، ونسفت المشروع الصهيونيّ من جُذوره.

لا سُلطة بعد هذه السُّلطة تأتي على ظهر دبّابة أمريكيّة أو إسرائيليّة، وعلى جثامين الشّهداء الطّاهرة، ولا رئيس يستمدّ شرعيّته من واشنطن وتل أبيب، ومثلما هزم الأفغان والمُقاومة العِراقيّة أمريكا، ستهزمها المُقاومة الإسلاميّة في فِلسطين ولبنان واليمن والعِراق وسورية، وكُل خطط “التّرقيع” الحاليّة ومُحاولة تسويق الكيان الصّهيوني وإنقاذه ستفشل.. والأيّام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم الإلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى