هل بدّدت عمليّة القدس الفدائيّة التي أدّت إلى مقتلِ مُستَوطِنَيْن اثنين الآمال في تحقيق التّهدئة …
عمليّة الدّهس التي نفّذها شابٌّ فِلسطينيّ اُستشهد برصاصِ الجيش وأسفرت عن مقتلِ إسرائيليين وإصابة خمسة آخرين، جاءت إعلانًا رسميًّا عن فشلِ الجُهود الأمريكيّة والوِساطات العربيّة، بتحقيقِ التّهدئة في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، لأنّ الجانبين، العربيّ والأمريكيّ ذهبوا إلى الجِهات الخطأ لتحقيقِ هذا الهدف.
الهُجوم استهدف مجموعةً من المُستوطنين المُتطرّفين في حيّ رامون في القدس المحتلّة التي ضمّتها دولة الاحتِلال، ممّا يعني أن وعود إيتمار بن غفير وزير الأمن الدّاخلي في تحقيق الأمن تخرج من فشلٍ لتَدخُلَ في آخَر، حيث قُتِل حواليّ 9 إسرائيليين مُنذ بداية العام الحالي، مُقابل استِشهاد 43 فِلسطينيًّا مدنيًّا برَصاصِ الجيش الإسرائيلي، نسبةٌ كبيرةٌ منهم من الأطفال.
الفشَل في تحقيق الأمن والحِماية للمُستوطنين الإسرائيليين يعني انهِيارُ الأُسس الرئيسيّة التي تقوم عليها الدولة العبريّة، وهذا ما يُفسّر تعالي الأصوات من قِبَل الكثير من الإسرائيليين المُنتقدة للحُكومة، وتزايد أعداد المُهاجرين إلى أوروبا وامريكا وكندا بحثًا عن ملاذاتٍ آمنةٍ لهُم وأطفالهم.
أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي الذي زارَ المِنطقة الأسبوع الماضي طالب حُكومتيّ مِصر والأردن بِبَذْل جُهود مع فصائل المُقاومة لكبْح جِماح الانتِفاضة المُسلّحة الثالثة في الضفّة الغربيّة، واستدعت السّلطات المِصريّة على إثْرها زياد النخالة قائد حركة “الجهاد الإسلامي”، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إلى القاهرة من أجل إقناعهما باستِخدامِ نُفوذهما بوقف العمليّات الفدائيّة ضدّ الاحتِلال في الضفّة الغربيّة، ولكنّ هذه الجُهود باءت بالفشَل، لأنّ مُعظم مُنفّذي هذه الهجمات قامُوا بها من أجل الشّهادة، ودون أن يكون لهم أيّ ارتِباطٍ بالفصائل، مُضافًا إلى ذلك أن الفِلسطينيين في الأراضي المُحتلّة، سواءً كانوا مُقاتلين أفرادًا، أو كتائب مُقاتلة، لا يثقون مُطلقًا بالوُسَطاء العرب الذين لا يستطيعون تنفيذ وعودهم، أو إلزامِ دولة الاحتِلال بتطبيق الاتّفاقات التي يتم التوصّل إليها معهم بعد توقيع اتّفاقات وقف إطلاق النّار.
الظّاهرة اللّافتة أن مُعظم العمليّات الفدائيّة الأخيرة وقعت داخِل ما يُسمّى بالخطّ الأخضر، أيّ المناطق الخاضعة للأمن الإسرائيلي، وخاصّةً مدينة القدس المُحتلّة بشقّيها الشّرقيّ والغربيّ، ويحمل مُعظم مُنفّذوها البِطاقة الزّرقاء الإسرائيليّة، الأمر الذي يُؤكّد مُجَدّدًا فشل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة في توفير الحِماية للمُستوطنين فيها.
الضفّة الغربيّة تعيشُ حاليًّا حالةً من الغليان الثوريّ، فلا يَمُرّ يوم دُون حُدوث هُجومٍ على قوّات الأمن وحواجزها والمُستوطنين، فالسّلاح الآلي بات مُتَوفّرًا، وطوابير طالبي الشّهادة تزداد طُولًا لجعل الاحتِلال أكثر كُلفَةً ماديًّا ومعنويًّا وبشريًّا، الأمر الذي باتَ يضع دولة الاحتِلال على حافّة الانهِيار، وجاءت الانقِسامات الداخليّة المُتفاقمة لتُعَجّل به.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية