هل تتحد المعارضة التركية في انتخابات الرئاسة؟ (محمد نور الدين)
محمد نور الدين
ليس من حديث في اسطنبول سوى عن «ظاهرة» رجب طيب اردوغان، سواء من قبل المؤيدين له أو من معارضيه.
شخصية لا تحتمل النقد ولا تحتمل ان يتقدمها أحد. في الاحتفال القضائي الأخير لم يراع الرجل بروتوكول وجود رئيس الجمهورية عبد الله غول الى جانبه، وجرّه معه للخروج من القاعة احتجاجا على كلمة رئيس نقابة المحامين متين فايزي اوغلو.
ان يكون دائما في موقع الأول هو هاجس اردوغان الذي يريد، بحسب صحيفة «راديكال»، أن يكون المؤسس الثاني للجمهورية، باعتبار أن مصطفى كمال أتاتورك هو مؤسسها الأول.
ورغم ان معركة رئاسة الجمهورية بدأت تتقدم على أولويات الجميع، لكن شبح الصراع بين اردوغان وجماعة فتح الله غولين لا يزال يحوم بقوة فوق رؤوس الجميع.
وعند سؤال كثيرين عن أسباب الصراع الحقيقية، تنهال عليك إجابات متعددة متناقضة، ربما تكون مجتمعة هي الجواب الشامل.
يرى البعض أن السبب الرئيسي للصراع هو التنامي المخيف في حجم قوة جماعة غولين في الدولة، منذ أن دخل شريكا لأردوغان في السلطة في العام 2002، بحيث لم يبق موقع إلا وكانت الكلمة الأولى فيه لغولين. ولم يكن يمانع اردوغان في ذلك، غير ان رغبة غولين في أن يضع يده ايضا على الاستخبارات التركية، بشخص رئيسها حقان فيدان، إما تطويعا له أو استبداله، وكان هذا في شباط العام 2012، انما كانت جرس انذار مبكرا لبدء مسلسل الصراع على السلطة، ذلك ان الاستخبارات تعني علاقة الدولة مع الخارج، وهذا أثار الشكوك لدى أردوغان وفريقه في دوافع حملة غولين على فيدان.
هنا يربط مؤيدو «حزب العدالة والتنمية» ذلك بروابط خارجية لغولين مع الاستخبارات الأميركية، وصولا الى اسرائيل. حيث ان الدولة العبرية منزعجة مما تقول عنه انه تعاون تركي – ايراني على صعيد الاستخبارات، فكان توكيل جماعة غولين بذلك بداية الانفجار مع اردوغان.
ويرى هؤلاء ان اردوغان شعر بثقل الشراكة مع غولين، وبات مغلول اليدين، ولهذا أراد التحرر من هيمنة غولين. وابتدأت خطة رئيس الحكومة بحرمان الجماعة من الموارد المالية الضخمة التي توفرها لها المدارس التي أنشأها غولين داخل تركيا وخارجها، بدءا من المدارس المسائية التي تعطي الطلاب دروسا إضافية استعدادا للامتحانات الرسمية. ويقدر هؤلاء حجم الأموال التي تدرّها مدارس غولين في الداخل والخارج بحوالي 8 مليارات دولار سنويا، وهو مبلغ كبير جدا.
ولا يخامر الشك مؤيدي «العدالة والتنمية» في أن «حركة جيزي» وعملية الفساد في 17 كانون الأول الماضي، ويصطلح على تعريفها في تركيا بـ« عملية 17 كانون الأول»، هما من صنع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل، بأداة محلية هي جماعة غولين.
جماعة غولين ليست بالحجم الكبير عدديا، بل إن البعض يرى أن حجمها لا يتجاوز واحدا في المئة من القوة الناخبة، لكن تأثيرها شبيه بـ«اللوبي اليهودي» في الولايات المتحدة: حجم صغير جدا، لكن بتأثير كبير جدا.
ويرى هؤلاء أن المشكلة لدى الجماعة أنها ليست حزبا سياسيا، لذلك عندما ذهب الناخب التركي للاقتراع في الانتخابات البلدية فإن قواعد الجماعة الشعبية أعطت أصواتها لأردوغان، لأن لا بديل إسلاميا له، بينما ذهبت النخبة الغولينية وصوتت ضد اردوغان، لكن ليس لحزب معين بذاته.
المحصلة المقدرة حتى الآن أن اردوغان نجح في تصفية نفوذ جماعة غولين في الدولة بنسبة عالية جدا، ولم تعد في موقع المؤثر، الذي ربما يستمر مشاغبا لفترة محدودة، لكن تاريخ الجماعة بات يمكن اعتباره من الماضي.
وهذا يفتح على ملف له صلة بغولين، لكنه يتصل بالعلاقة مع طهران، وهو أن حرص إيران على استمرار إقامة علاقة جيدة مع «العدالة والتنمية» وأردوغان شخصيا مرتبط مباشرة، وفقا لمطلعين، بطبيعة انتماءات غولين الغربية والإسرائيلية، وتعذر إمكان أن تقف إيران إلى جانب غولين. ورغم أن اردوغان وحكومته لم يغيرا موقفهمت من الأزمة في سوريا، غير أن مصادر على صلة بهذا الملف تقول إن طهران تراهن على انه ليس أمام أنقرة سوى تغيير موقفها، ولو بعد حين.
مع ذلك، فإن أوساطا أخرى تجزم بأن علاقات اردوغان مع إسرائيل لا تزال قوية، وهي كما هو نفسه يعبر عن ذلك قد تشهد عودة السفيرين بين الدولتين قريبا، واستكمال التطبيع الكامل، خصوصا أن الأرقام الرسمية للعلاقات التجارية بين الدولتين ترتفع سنويا، وهي بلغت حوالي خمسة مليارات دولار في العام 2013، بعدما كانت أربعة مليارات في العام 2011. ولا يزال القنصل الإسرائيلي في اسطنبول في حركة دائمة، كما لا تزال اللقاءات المشتركة ناشطة على مختلف الصعد، وآخرها قبل أيام مؤتمر استراتيجي بين باحثين إسرائيليين وأتراك في الجامعة الثقافية في اسطنبول.
وفي ما يتصل بالأزمة السورية لا يزال الموقف التركي على حاله لجهة عدم التراجع عن دعم المعارضة المسلحة، مع تأكيد من قبل مسؤولي وزارة الخارجية التركية أن التوتر الذي كان قائما مع واشنطن حول سوريا قد تراجع، وأن السياسة التركية تنسجم إلى حد كبير اليوم مع السياسة الأميركية، خصوصا بعد فشل مؤتمر «جنيف 2»، الذي لم تكن أنقرة متحمسة له، بل إنها ذهبت إليه كما المعارضة السورية بقوة الإملاء الأميركي.
الجميع هنا يتحدث عن خطط اردوغان للوصول إلى رئاسة الجمهورية، بينما الحديث عن مرشح آخر منافس له غائب إلى حد كبير، ولا يزال خجولا. ترشيح اردوغان للرئاسة بات محسوما، بعد أن قررت قيادة «حزب العدالة والتنمية» العمل بمبدأ ثلاث ولايات فقط لكل عضو في الحزب، وهو يعني أن اردوغان إما أن يتقاعد في العام 2015 من رئاسة الحزب وإما أن يترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا أمر مفروغ منه.
لكن الكلام هو عمن يخلفه في رئاسة الحزب، وهنا تكبر أسهم وزير الخارجية احمد داود اوغلو الذي بات من «شعراء البلاط» يكرر ما يقوله «سيد القصر»، ولو كان على حساب بعض القناعات الخاصة. وربما تتقدم أسماء أخرى مثل علي باباجان أو غيره، لكن في النهاية سيكون ذلك، وفقا لما يتداول، مرحلة انتقالية في انتظار اجراء انتخابات نيابية في ربيع العام 2015، حيث سيتولى عبد الله غول رئاسة الحزب بعد فترة من خروجه من رئاسة الجمهورية ليخوض الانتخابات على رأس الحزب، فيصبح نائبا ويتولى حينها رئاسة الحكومة أيضا.
لكن ذلك قد لا يغير من الجوهر شيئا، حيث ان اردوغان أعلن منذ الآن انه إذا أصبح رئيسا للجمهورية سيستخدم كل صلاحياته، في إشارة إلى انه سيمارس ولو بالإكراه دور الرجل الأول في تركيا، والتي هي دستوريا بيد رئيس الحكومة. وربما من هنا سيعمل اردوغان على تغيير النظام ليكون رئاسيا أو نصف رئاسي.
حظوظ اردوغان بالنجاح في انتخابات الرئاسة شبه محسومة، لكنها غير مضمونة بالكامل، إذ ان سعي المعارضة، وخصوصا حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» لمرشح مشترك قوي قد يقلب المعادلة نسبيا، في حال أيدت الكتلة الكردية الناخبة مرشح المعارضة، وهذا مشكوك بأمره، خصوصا إذا أعطى اردوغان وعودا للأكراد ببعض التنازلات.
غير أن رهان المعارضة هو على أن جانبا من قواعد «حزب العدالة والتنمية» التي ترى ان اردوغان متورط فعلا بالفساد قد يعطي أصواته لمرشح المعارضة. وهنا يتعلق الأمر بشخصية هذا المرشح، على أن تكون معتدلة علمانية ومحافظة وغير متوترة ومنفتحة، وهذه صفات من الصعب أن تجتمع في شخص واحد. وهنا تطفو بعض الأسماء، مثل الوزيرة السابقة ميرال أقشينير التابعة لـ«حزب الحركة القومية»، او منصور ياواش مرشح «حزب الشعب الجمهوري» لبلدية أنقرة وهو كان سابقا في «الحركة القومية»، أو ربما رئيس الأركان السابق ايلكير باشبوغ الذي في حال وافق على الترشح فقد يكون اسما قويا في مواجهة اردوغان.
صحيفة السفير اللبنانية