هل تتحول إيران إلى فدرالية وتحكم باللامركزية وهل تغدو نموذجاً لتقسيم دول الشرق الأوسط؟

 

طرح البعض في الداخل الإيراني شعار "الفدرالية الاقتصادية" وذلك قبل عدة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، في حين أن طرح موضوع الفدرالية يسوق العقول بعيداً عن جوهره الاقتصادي ليقودها إلى القضايا القومية. وما الضمان في أن لا تتحول هذه الفكرة إلى نموذج للفدرالية القومية؟ وهل يمكن تطبيق هذه الفكرة في إيران أصلاً؟
تعتبر الفدرالية أحد سيناريوهات المحافظين الجدد في أمريكا ومن آخر ما توصلت له مراكز الدراسات الغربية بهدف تهديد الأمن القومي الإيراني والتمهيد لممارسة ضغوطات على الحكومة الإيرانية وتحريض الهوامش لإثارة الفوضى وخلق الاضطرابات لتدمير إيران.
في الآونة الأخيرة أعلن حزب "كوملة" والحزب الديمقراطي الكردستاني المعارضان  في بيان لهما دعمها للفدرالية في إيران، وقد انتشرت الكثير من المقالات على شبكة الإنترنت دفاعاً عن الفدرالية. نسعى في هذه المقال أن نبحث إمكانية تطبيق الفدرالية في إيران نظرياً وعملياً وسوف نسلط الضوء على التحديات التي ستوجدها وفي الختام سنقدم طروحات لمواجهة هذا المشروع القبلي خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وبوجود احتمال كبير ليقوم بعض المرشحين دون قصد كما حدث في الماضي بطرح شعارات فدرالية وقومية.
هناك تساؤل رئيسي يطرح؛ لماذا في فترة الأشهر القليلة المتبقية لموعد الانتخابات الرئاسية يتحدث البعض عن "الفدرالية الاقتصادية" وعن موضوع "التعليم باللغات المحلية"؟ ومن يضمن أن لا تتحول في يوم ما هذه الفدرالية الاقتصادية إلى فدرالية قومية؟ وأن طرح الفدرالية يسوق العقول بعيداً عن جوهره الاقتصادي ويقودها إلى القضايا القومية ذات الخصوصية. لذا فإن تقديم أي طروحات حول الفدرالية من الممكن أن يضّر بالمصالح القومية الإيرانية.
التنوع القومي، العرقي، اللغوي والمذهبي أحد خصائص بنية المجتمع الإيراني وطالما أوجد لإيران هذا الأمر على الصعيد الداخلي تحديات كبيرة لكن بشكل غير متعمد وخارجياً كان يرتبط بأجندات دولية وخارجية. فمنذ مدة تقوم أمريكا واسرائيل باستغلال هذا الشقاق إلى أبعد حد ممكن وتستثمرانه بكل امكاناتهما حيث ترّكز مراكز الأبحاث والدراسات في كلا البلدين على هذا الموضوع وعلى كيفية استغلال الاختلاف القومي والعرقي واللغوي في إيران للضغط على الحكومة المركزية وتهديد كامل الأراضي الإيرانية.
لقيت السيناريوهات الأمريكية الساعية إلى انفصال الأجزاء الشمالية والغربية عن إيران دعماً كبيراً وخلال فترة حكم بوش ُطرح مخطط الشرق الأوسط الكبير وكان من ضمن أهدافه الرئيسية الدفع قدماً لتقسيم إيران إلى دويلات صغيرة محاصرة وبمقدرة سياسية وعسكرية ضعيفة تفتقد لأي تأثير أو نفوذ.
في الآونة الأخيرة أصدر حزبين علمانيين  هما حزب "كوملة" و "الديمقراطي الكردستاني" بياناً دعما فيه تقسيم إيران وطالبا بتطبيق الفدرالية، الأكراد في العراق وفي سوريا وتركيا كانوا من مجموع القوى التي دعمت ما جاء في البيان لأنهم يسعون عن طريق إيجاد فدرالية في إيران إلى إضعاف الشعور بالانتماء القومي والديني للإيرانيين وتهيئة الظروف لممارسة ضغوطات على النظام الحاكم وكسب نقاط من الحكومة المركزية بهدف إضعافها.
إن عدم الانتباه للعوامل الخارجية وتحركات بعض اللاعبين السياسيين في الداخل الإيراني يزيد من حدة هذه القضية مثال ذلك يعتبر بعض المرشحين لانتخابات مجلس الشورى وحتى بعض المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية أن ترشحهم مرتبط بانتمائهم القومي واللغوي والعرقي ويدافعون بشكل متعصب عن هويتهم القومية المغايرة للهوية الوطنية ويقدمون على طرح شعارات "الفدرالية الاقتصادية" التي تمهد الطريق للفدرالية القومية والعرقية وهم يساهمون في تحقيق أهداف الغرب دون أن يشعروا بذلك.

سنتناول في هذه الدراسة تعريف الفدرالية وحدودها وأبعادها وتبعاتها والتحديات الذي توجدها في دولة كإيران.
الفدرالية في أدبيات علم السياسة مصطلح يطلق على شكل من أشكال الإدارة لمجموعة من الناس مقابل المركزية وفي هذا الأسلوب من الحكم تكون كل ولاية لها قواها المستقلة التنفيذية والقضائية والتشريعية ولها أعرافها وآدابها الخاصة ولغة مستقلة أيضاً.
في هذا النظام السياسي يتم تشكيل عدة ولايات مستقلة حسب التنوع والتعددية في الدولة بهدف الوصول إلى إدراة أفضل وتتوافق هذه الولايات فقط في نهج السياسة الخارجية والعملة الوطنية وتتبع للحكومة المركزية في السياسات العسكرية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا.
يعتبر النظام اللامركزي مناسب للدول الشاسعة المساحة التي يوجد فيها شقاق قومي أوديني أوسياسي واضح لذلك هذا النوع من الأنظمة السياسية في الأساس ليس جيداً أو سيئاً بل يرتبط بالمحيط الذي يطبق فيه وبناءً على ذلك يمكن أن يُقَيم بأنه فاعل أو غير فاعل. لكن سيترافق تطبيق هذا النظام في إيران بأخطار نظراً لخصوصياتها وسيوجد تحديات على الشكل التالي:

1-الفدرالية: تتعارض مع المصالح الوطنية الإيرانية نظراً للالتزامات الدولية:
إذا ما طبقت الفدرالية فسوف تضعف قدرة الحكومات الوطنية ولن تكون وقتها قادرة لوحدها على مواجهة التهديدات الطارئة. لذلك التشبيك مع المنطقة والتحالفات الاستراتيجية القائمة فيها يعتبر من عمق الاستراتيجية الوطنية المتمثلة في الدفاع عن السيادة على كافة الأراضي والحفاظ على المصالح القومية. مثال ذلك تحالف الدول النامية وحركة عدم الانحياز، APEC والاتحاد الأوربي ، لذلك نادراً ما حدث أن تطبق دولة ما الفدرالية إلا الدول الفقيرة أو الداخلة في الحرب أو التي تعاني من فقدان الأمن مثل العراق الذي يتجه نحو الفدرالية بسبب ضعف الحكومة المركزية.
من هنا ندرك أن أهداف الغرب الاستراتيجية  تتحدد في توجيه ضربة للمصالح الوطنية الإيرانية والسياسة المطلوبة لمواجهة هذه التحركات تتمثل في الارتباط والتشبيك مع المنطقة. لذلك فإن الذين يطرحون شعارات الفدرالية بقصد أو بغير قصد يساهمون في التحركات الرامية إلى إضعاف المصالح الوطنية والقومية وتصعيد النزاع القومي في إيران.

2-الفدرالية نظام سياسي وضع لدول تعاني من شقاقات اجتماعية غير قابلة للحل:
يعد هذا النوع من الحكم نموذج مناسب للمجتمعات التي تعاني من شقاقات اجتماعية واضحة غير قابلة للحل كالنزاعات العرقية والقومية والثقافية. بعبارة أخرى الدول التي تعاني من مشاكل وجودية وبنوية لا يمكن حلها وغالباً ما تنجر إلى نزاعات عنيفة فالفدرالية تعد نموذج مناسب في هذه الحالات. لكن في إيران طرح الفدرالية ليس بمحله لوجود التاريخ واللغة والدين والهوية المشتركة واختلاط الأعراق والمذاهب فيما بينها وانصهارها في هوية وطنية واحدة وهذا يؤدي إلى ردم الهوة بين الشقاقات والاختلافات الموجودة.

3-نموذج الفدرالية غير فاعل نظراً للظروف الداخلية في إيران:
كل الأراضي الإيرانية تتشابك مع المصالح التي تؤمنها القوة الوطنية للدولة و لا تستطيع أي جماعة أو عرق أو أثنية أن تعلن أنها تستطيع تحقيق الإكتفاء الذاتي لأن كل جزء من أجزاء الهيكلية السياسية والاجتماعية الإيرانية يحتاج إلى الأخر لتأمين احتياجاته. من جهة أخرى منذ عهد المشروطية (الثورة الدستورية في إيران 1906) حتى الآن تشّكل النظام السياسي الحالي في ايران طبق نموذج المركزية السياسية ولا يمكن دفعة واحدة تغيير هذا النموذج المتجذر والاستعاضة عنه بالنظام الفدرالي لأن جعل إيران فدرالية ومقسمة جغرافياً إلى فدراليات كبيرة قائمة على أساس اللغة والعرق سيثير نقاشاً حول التميز العنصري.

4-تعارض الفدرالية مع الموقع الجيوسياسي وأهداف السياسة الخارجية الإيرانية:
في يوم من الأيام كانت الكثير من الأراضي في أطراف إيران ودول الجوار جزءاً من الامبراطورية الإيرانية بدأً من العراق وحتى تركيا وأذربيجان وأرمينا وطاجكستان وأفغانستان و.. لكن روسيا وبريطانيا قامتا بسلخ هذه الأراضي عن الامبراطورية الفارسية.
كما يسعى المتدخلين في المنطقة لتقسيم إيران مرة أخرى بسبب موقعها وامكانياتها الاستراتيجية الكامنة في امتلاك ممريين مائيين في بحر الخزر والخليج الفارسي بالإضافة إلى وجود جزر إيرانية في الخليج، موقع إيران على تقاطع الشرق والغرب والشمال والجنوب، وجود معادن غنية كالنفط والغاز و اليورانيوم والأحجار الكريمة الباهظة الثمن وكذلك وجود الأنهار والأراضي الزراعية الخصبة، وجود قوى بشرية مستعدة والأهم امتلاك إدارة ذكية للكفاءات وذكاء مرشد الثورة الإسلامية، كل ما ذكر يشكل مجتمعاً محصله قوة عظمى لإيران، الأمر الذي لا يرغب به بعض الجيران والقوى العظمى المتواجدة في المنطقة. المطلعين على هذا الموضوع يطرحون شعار الفدرالية للتغطية على نقاط الضعف في سعيهم وراء مصالحهم غير المشروعة، لأن إيران إذا ما تقسمت سيكون من السهولة السيطرة عليها والتحكم بها. في حين مجرد صمت إيران الحالية بما تمثله يشكل مصدراً للخوف والقلق. لذك بسبب الموقع والجغرافيا الجيوسياسية الخاصة فمن الطبيعي أن يفشل مخطط تحويل إيران إلى فدرالية لأنها ستؤدي إلى إضعاف الدولة.

5-التجربة المرّة لإيران من الفدرالية:
في بداية عهد المشروطية بعض السياسيين والمفكرين المطالبين بالدستورية والداعيين إلى قيام نظام سياسي جديد مبني على القانون والعدالة والحرية طرحوا  قضايا في ذلك الوقت كزيادة التوجه والاهتمام بشكل أكبر بالمدن الكبرى مثل تبريز وأصفهان وشيراز و طهران وتخصيص عدد أكبر من النواب لهذه المدن في المجلس وبالتالي تخصيص نفقات أكبر من الميزانية العامة للدولة وفرض ضرائب أقل على هذه المدن.
بناءً على ذلك تم طرح تشكيل هيئات للولايات والمحافظات في الدستور لكن لأسباب عديدة من جملتها الاستبداد وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي بالإضافة للذكريات المؤلمة للتجربة القومية والانفصالية التي رعاها الاتحاد السوفيتي وبريطانيا فقد انتفى موضوع تحول إيران إلى النظام الفدرالي، وفي هذه الأيام تغيب مقومات قيام الفدرالية مع انحسار الهوات الاجتماعية.

النتيجة:
يجب القول أن الفدرالية نظام سياسي يمكن الحكم عليه من خلال تطبيقه ومعرفة مدى فاعليته أو عدمها، لكنه بالنسبة لدولة كإيران لا يحقق النتائج المرجوة. الفدرالية شعار ليس لديه في إيران من داعم لا نظرياً ولا عملياً وفي العموم يطرح من قبل المعارضين والمخربين والانفصاليين للضغط على الحكومة والتأثير على الوحدة الوطنية.
الفدرالية لن تطبق في إيران نظراً للتجارب التاريخية والنظام الاقتصادي والإداري المركزي للدولة الحالية بالإضافة لوجود قوميات متعددة، ولن تحقق الفدرالية سوى مزيد من التعصب القومي والإضرار بالمصالح الوطنية.
لتجنب الأفكار المتباينة والدخيلة يقع على عاتق النخب السياسية واجب التنبه إلى موضوع التنوع القومي وجعله فرصة لتقدم وتطور البلاد. وعلى الحكومة أن تنخرط في الإدارة والتحكم والاستفادة الصحيحة من المصادر الطبيعية والبشرية. وأن تسعى للتوزيع العادل والموجّه للإمكانيات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وعليها أن ترتقي بالوحدة الوطنية وتعززها.

ولتحقيق هذه الأهداف يمكن اقتراح بعض الخطوات:
-اللامركزية وزيادة صلاحيات الوحدات الإدارية المحلية.
-زيادة ميزانيات الوحدات السياسية وخصوصاً في المناطق الحدودية.
-جعل إدارة الوحدات السياسية المحلية في أيادي النخب المحلية.
– الاعتناء بالثقافة واللغة وآداب وعادات القوميات.
-توسيع دور القوميات في السياسات الإعلامية.

برهان نيوز الإيراني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى