هل تتمدد تسوية درعا انسحاباً تركياً من الشمال السوري؟
بين التأثير الإيراني أو النفوذ الروسي في سوريا، تفضّل واشنطن الأخير، حيث تستطيع من خلال ذلك أن تقايض مع موسكو في ملفات أخرى الأمر الذي لن ينجح مع إيران.
هكذا، وبسحر ساحر، ترفع واشنطن قيودها العنيفة عن سوريا ولبنان، وتسمح – متجاوزة قانونها المسمى قيصر، والمتخصص أساساً في الضغط على سوريا ومحاصرتها- بإعادة الحياة والحرارة إلى خط الغاز العربي بين مصر والأردن وسوريا فلبنان والمتوسط، وحيث لم تكتف، كما يبدو، برفع قيودها تلك فقط، بل تدخلت لتسريع الاجتماعات التحضيرية للمعنيين من الدول الأربع المذكورة، ليظهر المشروع، وبعد أن تخطى بسرعة كل العقبات، حتى التقنية منها، كأنه جاهز للتنفيذ خلال أسابيع محدودة.
طبعاً، كان للقرار الذي تجرّأ عليه حزب الله باستيراد النفط أو نقله من إيران إلى لبنان، دور أساسي في إثارة حفيظة الأميركيين ودفعهم نحو مسابقة إيران إلى تقديم جرعة الحياة للبنان، بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي شبه القاتل الذي وصل إليه مؤخراً، فكان قرارهم بإحياء خط الغاز العربي المذكور، ولكن…
في سبيل إحياء هذا الخط، كانت هناك عقبة كبرى في طريقه، تمثلت في الوجود والنفوذ المسلّحَين لمجموعات إرهابية في درعا جنوب سوريا، كانت تضغط على بعض المفاصل المؤثرة على المعابر الدولية بين سوريا والأردن، أيضاً، ومن دون شك في وجود تسهيل أميركي، ذللت هذه العقبة بطريقة معقولة، بعد أن كانت تلك المجموعات تحظى برعاية أميركية- إسرائيلية، تماماً مثل المجموعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في الشمال السوري، وتحت جناح أنقرة وبدعمها المباشر.
انطلاقاً من هذه المقاربة، المتعلقة بدور واشنطن الفاعل في إعادة تفعيل خط الغاز العربي، أو في تسهيل أو غض النظر لإنهاء الوجود المسلح الخارج عن سلطة الدولة السورية في درعا، هل يمكن أن نشهد ما يشبه هذا الدور الأميركي في الشمال السوري وفي مناطق إدلب وشمال غرب حلب، لناحية تسهيل عودة سلطة الدولة السورية إلى تلك المنطقة، وإيجاد حل لإنهاء الاحتلال التركي والوجود الإرهابي في تلك المنطقة؟ وما هي المعطيات التي يمكن أن نستنتج منها إمكان تحقق ذلك في الشمال السوري؟
أولاً: الوجود المسلح الذي كان في درعا البلد، كان له دور غير بسيط في تنفيذ المناورة أو السياسة الأميركية- الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بإبقاء نقطة ارتكاز مسلحة خارجة عن سلطة الدولة السورية، مهمّتها، عرقلة المعابر مع الأردن خدمة لمناورة حصار سوريا، وعرقلة أي تمدد محتمل لعناصر من إيران أو من أي طرف آخر من محور المقاومة، وتقويض أو إضعاف نفوذ الدولة السورية في تلك المنطقة.
من جهة أخرى، فإن الوجود المسلح في إدلب، صحيح أن له دوراً مهماً وغير بعيد عن دور مسلحي درعا البلد، يبقى أقل تأثيراً وقدرة على عرقلة نفوذ الدولة السورية أو على المساهمة في محاصرة سوريا، لكون تركيا شمالاً قادرة على لعب هذا الدور من حدودها مع سوريا.
ثانياً: في متابعة لموقف موسكو حول ما يجري في الشمال السوري مؤخراً، نلاحظ أن الروس مستاؤون بشدة من الأعمال العدائية التي ينفذها مسلحو إدلب، أكثر من أي وقت مضى، وهم (الروس) أصبحوا في الفترة الأخيرة أكثر شراسة في استهداف تلك المجموعات، وخاصة القريبة من تركيا أو المحسوبة مباشرة على أنقرة، الأمر الذي بدأ يوحي بقرب نفاد صبرهم (الروس) من تلك المجموعات، وربما من الراعي المباشر لها، أي أنقرة.
ثالثاً: بعد الانسحاب الأميركي الغريب وغير المتوازن من أفغانستان، بالرغم ممّا كانت تعنيه لهم أفغانستان، لناحية الموقع الاستراتيجي المتقدم في آسيا الوسطى وعلى تخوم الصين وإيران والحديقة الخلفية لروسيا، لم يعد مستغرباً أن تنفذ واشنطن انسحاباً مماثلاً من سوريا، وترمي من ورائه إلى إهداء السلطة السورية موقفاً مسهّلاً لبسط نفوذها شمالاً – حيث إنها تريد أن تنسحب في النهاية- تستثمره بهدف إبعاد النفوذ الإيراني، تماماً كما استثمرت في تخفيف الحصار عن سوريا، عبر تسهيل خط الغاز العربي، في محاولة لمنع إيران من استثمار ذلك.
رابعاً: لناحية اعتبار أن ذلك التسهيل الأميركي في الجنوب السوري وفي الشمال، لو حصل، سوف يقوّي من موقف روسيا، تعتبر واشنطن أنه بين النفوذ الإيراني أو النفوذ الروسي في سوريا، بالنسبة إليها، يبقى الأخير أفضل، حيث تستطيع من خلال ذلك أن تقايض مع موسكو في ملفات أخرى – وما أكثرها – الأمر الذي لن ينجح مع إيران ( المقايضة).
من هنا، واستناداً إلى هذه المعطيات، حيث إن ما قدمته واشنطن مؤخراً، من تنازلات في الجنوب السوري لمصلحة تمدد نفوذ الدولة السورية، أو ما أظهرته من تراجع لناحية استراتيجيتها في محاصرة سوريا والضغط عليها عبر تسهيل خط الغاز العربي، لا يقل أهمية لها عمّا يمكن أن يقدمه الوجود غير الشرعي لوحدات عسكرية غريبة أو لمجموعات إرهابية في الشمال السوري، الأمر الذي لا يمكن بعده استبعاد موقف أميركي ضاغط ومسهل لانسحاب تركي كامل من الشمال السوري، يتفرع منه بالتأكيد انسحاب كامل للمجموعات الإرهابية، لن تتأخر تركيا، وكالعادة، في الاستفادة منه في أمكنة بعيدة، تحتاج فيها إلى قدرات مسلحة غير تركية لتنفيذ استراتيجيتها، الخاصة، أو الأميركية التوجه.