هل تختفي أعمال نجيب محفوظ الورقية ؟
أعلنت دار الشروق المصرية قبل فترة وجيزة عن نيتها نشر جزء جديد من النصوص التي لم يتم نشرها للأديب المصري الحائز على نوبل؛ نجيب محفوظ، والتي نشر عدداً كبيراً منها تحت عنوان «أحلام فترة النقاهة»، ثم أعلنت الدار؛ عبر جريدة الشروق، التي يملكها الناشر إبراهيم المعلم، عن «إطلاق الدار كل أعمال الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ التى تمتلك الدار حق نشرها وعددها 56 رواية عبر الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحي».
وهما معاً خبران رائعان يسعد بهما كل محب لأعمال الأديب الكبير، لكنّ المفارقة المدهشة والمؤلمة في آن واحد، أنّ في الوقت الذي تعلن الدار عن هذه الإصدرات الجديدة لمحفوظ بموجب حصول الدار على حق نشر كتبه، تأتي الأخبار من القراء الذين يبحثون عن أعمال محفوظ بأن غالبها نفد ولم يعد طبعها!
فقبل أسبوعين تقريباً، نشر الشاعر والكاتب المصري محمد خير في موقع «المدن» الإلكتروني تقريراً موسعاً كشف فيه أن أعمالاً عدة من كتب محفوظ نفدت وبينها الثلاثية، ويورد الكاتب رحلة قام بها قارئ للبحث عن كتب محفوظ في فروع عدة للدار قائلاً : «عاد القارئ السائل إلى «الشروق» هذه المرة محتشداً، إلى فرعها الرئيس في ميدان طلعت حرب، يسأل عن الموجود من روايات محفوظ ويحصيها بنفسه، فلم يجد على الرفوف وفي «الخزانات» إلا ستةعشر عنواناً بالتمام والكمال، أي ما لا يزيد عن ربع التراث المحفوظي الهائل المهيب». سأل الموظفين ليتأكدوا بأنفسهم عبر «السيستم الآلي» من الفروع الأخرى: رواية «الطريق»؟ غير موجودة. «زقاق المدق»؟ غير موجودة. «خمارة القط الأسود»؟ «الشحاذ»؟ «بداية ونهاية»؟ «رحلة ابن فطومة»؟ «همس الجنون»؟ «تحت المظلة»؟ «رادوبيس»؟ «قلب الليل»؟…نفدت، نفدت، نفدت، نفدت، نفدت.
ما معنى نفدت؟ لماذا لا تعاد طباعتها؟ يقول السائل. «للإدارة خطتها»، يجيب البائع».
هذا ما تخيلته شخصياً، من قبيل الفانتازيا السردية في رواية صدرت لي في العام 2009، وكنت شرعت في كتابتها العام 2006، هي «أبناء الجبلاوي»، تخيلت فيها كابوساً مؤداه اختفاء كتب محفوظ من العالم وظهور شخصياته في الطرق وهي تشارك الجمهور البحث عن كتب الرجل، في إشارة رمزية إلى الوعي الثقافي المصري. ولم أكن أتخيّل في أسوأ كوابيس النوم أن يتحوّل هذا الكابوس إلى حقيقة يوماً ما! أثار هذا المقال غضب الكثير من المثقفين المصريين والعرب بطبيعة الحال، لدلالاته الخطيرة على الدور الذي يلعبه الناشر الخاص حين يحتكر حقوق نشر الكتّاب المؤثرين في الثقافة العربية، واستخفافه بأعمالهم ومنجزهم، حتى لو كانت خطاباته الدعائية والإعلامية تشير إلى عكس ذلك.
تراوحت ردود فعل القراء والمثقفين العرب في ساحات التواصل الاجتماعي ما بين الدعوة الى تدخل وزارة الثقافة المصرية لإعادة نشر أعمال محفوظ، بوصفه أحد رموز الثقافة المصرية التي تتحمل الدولة عبء توفيرها لجمهور القراء، مع الأخذ في الاعتبار، أن أعمال محفوظ هي تقريباً الأعمال الأدبية الوحيدة التي لم تقم الدولة بنشرها بناء على احتكار دار الشروق لها، على رغم أن الوزارة من طريق «مكتبة الأسرة» عادة ما تقوم بإعادة نشر أي عمل من دور النشر الخاصة، مع دفع الحقوق للمؤلف والناشر، للترويج للثقافة المصرية جماهيرياً.
وأشار بعض المثقفين مثل الكاتب المصري المقيم في فرنسا درويش الحلوجي إلى أن هذه الحادثة تؤكد أن الإخوان المسلمين يقفون خلف هذه الظاهرة لمنع انتشار تراث نجيب محفوظ. وقد يستند قول الحلوجي إلى أن هناك بعض الأعمال التي لم تنشرها الدار أساساً مثل رواية «الشحاذ». وعلّق الناقد المصري حاتم حافظ على الأمر قائلاً: «لا يمكن ترك تراث محفوظ لمزاج رأس المال وحساباته». بينما تهكّم الكاتب المصري مصطفى ذكري على خبر إعلان الشروق أطلاقها النسخ الإلكترونية من الأعمال بأنه فقط محاولة لحفظ ماء وجه الدار.
والسؤال هو: هل يمكن إجبار ناشر على إعادة نشر كتب نفدت لديه؟ والإجابة، والتي سبق محمد خير أن أعلنها أنه غالباً لا يمكن، إلا إذا تضمّنت شروط العقد بين الناشر والمؤلف – الورثة في حالة محفوظ – ما يجبره على ذلك بعد فترة زمنية معينة. وهذا ما دعا بعض المثقفين إلى تدخل الدولة للاتفاق على النشر مع الناشر الخاص وفق نسب خاصة تتيح توفير الأعمال ميسّرة للجمهور، بخاصة أن أعمال محفوظ بعد أن طبعتها الشروق اتّسمت بارتفاع أسعارها أضعافاً مقابل أسعارها لدى الناشر الأسبق، ممثلاً في «مكتبة مصر». وهي بالمناسبة دار نشر لعبت دوراً رائداً على يد سعيد جودة السحار حتى وفاته، في توزيع كتب محفوظ كاملة بأسعار زهيدة في كل مصر وخارجها، بل وكل اعمال رواد الكتابة الأدبية المصريين مثل يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس والسباعي وعلي أحمد باكثير وعبدالحميد جودة السحار وسواهم.
وحتى اليوم لم تصدر الشروق أي بيانات توضيحية حول إعادة طبع أعمال محفوظ في نسختها الورقية على رغم نفاد العدد الأكبر من هذه الأعمال، مكتفية بإعلان إنتاج أعماله في نسخ رقمية على الهواتف المحمولة!
نتمنى حقاً أن يوضح الناشر حقيقة اللغط حول الموضوع، وطبيعة «خطى الإدارة» التي يتناقلها البائعون في مكتباته. نعم يجب أن توضح الدار موقفها حتى تبدّد مخاوف الجمهور من هذا السيناريو الخطير والمخيف الذي يبدو معه أن إحدى دور النشر الخاصة تحتكر رمزاً من رموز الثقافة والتنوير والعلمانية والليبرالية!
صحيفة الحياة اللندنية