
منذ بداية العام الجاري، استخدم الرئيس دونالد ترامب أساليب تذكر بخمسينيات القرن الماضي لإسكات الأصوات الناقدة، وخلال الأسبوع الماضي تصاعدت تهديدات كمّ الأفواه.
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تنشر مقالاً يتناول سياسة الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب التي استخدمت السلطة التنفيذية بطريقة ممنهجة لاستهداف المعارضين السياسيين والثقافيين، مستعينة بالتهديدات القانونية والمالية والإعلامية، ما يشبه حملة “الذعر الأحمر” في الخمسينيات بقيادة السيناتور جوزيف مكارثي، لكن على نطاق أوسع وبوسائل حديثة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد خمسة أيام على اغتيال تشارلي كيرك في إحدى الجامعات بولاية يوتا، قدم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس حلقة من “البودكاست” الذي كان يقدمه كيرك، وجعل منه الناشط اليميني الأشهر في البلاد.
وخلال بث برنامج “ذا تشارلي كيرك شو” من مكتبه، شن فانس هجوماً لاذعاً على الجماعات اليسارية، بزعم أنها تنظم معارضة عنيفة ضد إدارة ترامب، وقال: “سنلاحق شبكة المنظمات غير الحكومية التي تحرّض وتسهل وتشارك في أعمال العنف”.
لا تزال دوافع الشخص المتهم بقتل كيرك قيد التحليل، وبينما يرى المدّعون أنه تصرّف فردي، لم تمتنع بعض الشخصيات البارزة في الإدارة عن استغلال الحادث لتشويه صورة المعارضين من التيار اليساري.
وتجاوز نائب رئيس موظفي البيت الأبيض وأحد ضيوف البودكاست، ستيفن ميلر، ذلك، ووعد بالانتقام مما وصفها بـ”حركة إرهابية محلية واسعة النطاق”، وقال: “سنستخدم كل الموارد المتاحة لدينا في جميع قطاعات الحكومة لتحديد وتعطيل وتفكيك وتدمير هذه الشبكات”.
وحتى قبل مقتل كيرك، كان هناك نمط متزايد لإدارة ترامب في استخدام أدوات الدولة لترهيب بعض خصومها المحليين المفترضين. فمنذ كانون الثاني/يناير، شنّ البيت الأبيض حملات متزامنة ضد الجامعات الرائدة وشركات الإعلام ومكاتب المحاماة.
وفي حين أن بعض هذه الأهداف مألوفة لغضب الرئيس ترامب، إلا أنها مجتمعة تشكّل دفعة منسقة لقمع الأصوات الناقدة، وهي عملية شبهها البعض بحملة الذعر الأحمر التي شهدتها خمسينيات القرن الماضي بقيادة السيناتور جو مكارثي.
يقول عميد كلية الحقوق في جامعة كاليفورنيا، إروين كيميرينسكي، المتخصص في القانون الدستوري الأميركي: “أعتقد أنّ ترامب يثبط المعارضة، وهذا هو وجه تشبيهه بعصر المكارثية”.
وخلال الأسبوع الماضي، وفي ظل بيئة مشحونة بالغضب بسبب مقتل كيرك، أصبحت الخطابات والتهديدات أكثر حدة، مما يعزز الانطباع بوجود حملة ذعر أحمر جديدة تهدف إلى إسكات المعارضين المحتملين.
وكان نائب الرئيس فانس قد خصّ مؤسستي “فورد فاونديشن” و”أوبن سوسايتي” التي يديرها جورج سوروس بالذكر، وقال إنهما تلقيتا “معاملة ضريبية سخية”. ومؤخراً، رفع ترامب دعوى تشهير قانونية بقيمة 15 مليار دولار ضد صحيفة “نيويورك تايمز”، واتهمها بأنها لسان حال “الحزب الديمقراطي”.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت شبكة “أي بي سي” تعليق برنامج جيمي كيميل الحواري الليلي حتى إشعار آخر، بعد أن تعرّض الكوميدي، الذي غالباً ما يسخر من ترامب، لهجوم من المحافظين بسبب تعليقات اعتبرها مسيئة تتعلق بسياسات المتهم بقتل كيرك. وفي وقت سابق، أعلن رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، ريندان كار، أن الهيئة التنظيمية قد تسحب ترخيص البث الخاص بالشبكة بسبب تلك التعليقات.
وقال ترامب: “نحن نتعامل مع مجموعة من المتطرفين اليساريين المجانين، وهم لا يلعبون بنزاهة ولم يفعلوا ذلك أبداً”. ويعتقد ترامب أنه يواجه سياسيين ومدّعين عامين وبيروقراطيين حاولوا معاقبته عندما كان خارج السلطة. ويؤمن العديد من أنصاره بأنه محق في استهداف مجموعات الإعلام والجامعات التي يتهمونها بالتحيّز ضد المحافظين.
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيغيل جاكسون، إن الانتقادات الموجهة إلى جيمي كيميل “لا علاقة لها بحرية التعبير، وبرنامج كامبل يعاني انخفاض نسب المشاهدة، وهو حر في إلقاء أي نكات سيئة يريدها، لكن الشركة الخاصة ليست ملزمة بتوفير منصة له للقيام بذلك”.
لقد تراجعت وتيرة اتهامات المكارثية في السياسة الأميركية منذ وفاة السيناتور عام 1957، لكن الأدلة على نوع جديد من الذعر الأحمر أصبحت أكثر انتشاراً، حيث تُقمع الانتقادات من قبل إدارة تستخدم سلطة الحكومة الفيدرالية ضد من تعتبرهم أعداءها.
منذ دخوله عالم السياسة قبل عقد من الزمن، دأب ترامب على إسعاد أنصاره بشن هجمات خطابية لاذعة على النخب الثقافية في البلاد. ومع ولايته الثانية، تجاوزت العديد من هذه الهجمات مجرد إثارة الشغب في سياق سياسات حرب الثقافة، بل تحولت إلى استهداف منسق للمؤسسات التي قد تشكل قواعد لمعارضي أجندته.
وعلى النقيض من فترة ولايته الأولى، عندما كان لديه عدد أقل من الشخصيات البارزة في إدارته الملتزمة بتوجهاته، شهدت فترة ولايته الثانية متابعة أكبر بكثير للهجمات اللفظية التي يوجّهها الرئيس.
لقد ذهب ترامب إلى حد محاولة إعادة تشكيل بعض المؤسسات الثقافية على صورته، حيث عين نفسه رئيساً لمركز جون إف. كينيدي للفنون المسرحية. ويقول الباحث والتر أولسون من “معهد كاتو”: “من الواضح أن ترامب يرغب في الهيمنة على أجندة اهتمام الأمة، وهذا يرتبط بأهداف محددة أخرى، مثل حرمان مراكز القوة البديلة من نفوذها في تحديد الأجندات، وتخويف الشخصيات العامة منه. وبعض هذه الأهداف يُنظر إليه على أنه حرب ثقافية، لكنها تتجاوز ذلك”.
كما يقول إروين كيميرينسكي: “هاجم ترامب بشدة مصادر المعارضة في الجامعات والصحافة ومكاتب المحاماة، كما أن التهديدات المحتملة في بعض النواحي أشد وطأة مما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي، لأن مكارثي، على الرغم من نفوذه، لم يكن سوى عضو صغير في مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسن”.
في عهد مكارثي، لم يكن رئيس الولايات المتحدة يستخدم صلاحيات الحكومة الهائلة للانتقام والعقاب بالطريقة التي نراها اليوم، ولم نشهد شيئاً مماثلاً من قبل. يُذكر من الذكرى الحمراء في خمسينيات القرن الماضي إدراج كتاب السيناريو والممثلين في هوليوود على القائمة السوداء، وحملة مكارثي المستمرة ضدهم، وإعدام الجاسوسين المدانين يوليوس وإيثيل روزنبرغ.
وقد ضم فريق الادعاء في القضية المرفوعة ضد آل روزنبرغ روي كوهن، الذي أصبح لاحقاً مرشداً ومحامياً لترامب. واكتسب كوهن سمعة سيئة في وقت مبكر من حياته عندما دفع باتجاه تطبيق عقوبة الإعدام على عائلة روزنبرغ، رغم المخاوف التي أبداها متشددون آخرون مناهضون للشيوعية، بما في ذلك رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي جيه إدغار هوفر، الذي كان قلقاً بشأن احتمال إعدام أم لديها طفلان صغيران.
وقد استعان ترامب ووالده بكوهن لمواجهة دعوى قضائية رفعتها وزارة العدل تتهمهما برفض طلبات سكن من السود والبورتوريكيين في عقاراتهما خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ونصح كوهن، الذي توفي عام 1968، ترامب قائلاً: “قد تكون مذنباً، لكن لا يهم فلا تعترف بالذنب أبداً”، حسبما روى أحد أفراد عائلة كوهن لشبكة “بي بي إس”.
كانت مرحلة الذعر الأحمر جزءاً من صراع بين ديمقراطيي الصفقة الجديدة والجمهوريين الذين سعوا إلى كبح جماح توسع الرئيس فرانكلين روزفلت للحكومة الفيدرالية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ويكتب كلاي رايزن في كتابه الخوف الأحمر، وهو سرد لتلك الفترة: “كان الخوف الأحمر في المقام الأول حرباً ثقافية، إذ وضع رؤيتين لأميركا في مواجهة بعضهما البعض، إحداهما تقدمية والأخرى محافظة”.
كانت الخلفية الجيوسياسية هي بزوغ فجر الحرب الباردة، حيث سعى الاتحاد السوفييتي إلى توسيع نفوذه حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف من تسلل شيوعي واسع النطاق، وقد أذكى مكارثي هذه المخاوف بمهارة.
يقول رايزن: “المكارثية هي الاستعداد لمهاجمة أعدائك باستمرار، والاستعداد لاختلاق المشاكل، أي اتباع نهج جو مكارثي. واليوم هناك الكثير من المكارثية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة. كما أن وجه التشابه الآخر هو قلة من الناس الذين يقفون في وجه ترامب في ولايته الثانية كما حصل في عهد المكارثية”.
ويضيف: “في الخمسينيات، خضعت المؤسسات واحدة تلو الأخرى للخوف الأحمر، سواء كانت مناطق تعليمية، وجامعات ومكتبات، أو مكاتب المحاماة واستوديوهات أفلام هوليوود. جميع المؤسسات النخبوية خضعت لمثيري الشغب الأحمر. أما إدارة ترامب، فبدلاً من أيديولوجية مواجهة العدو وأتباعه المحليين، تستهدف المهاجرين غير الشرعيين والمؤسسات الليبرالية ووسائل الإعلام وأعضاء مجتمع المتحولين جنسياً، وبرامج التنوع والمساواة والإدماج”.
كان صعود ترامب إلى السلطة في عام 2016 مصحوباً بهجمات مستمرة على الصحافة، التي وصفها بأنها “أخبار كاذبة، وعدوة الشعب، ومرتبطة بجماعات ديكتاتورية في القرن الماضي”.
لكن هذه المرة، لم تعد الهجمات خطابية فحسب. فقبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، رفع ترامب دعوى قضائية ضد شبكة “سي بي إس”، مطالباً بتعويض قدره 10 مليارات دولار، بسبب ما زعم أنه “مخادع”، بعد مقابلة أجرتها الشبكة مع نائبة الرئيس آنذاك، كامالا هاريس، في برنامج “60 دقيقة” الإخباري.
وبعد فوز ترامب في الانتخابات، ساد اعتقاد واسع بأنه سيتنازل عن الدعوى، التي اتفق خبراء قانون الإعلام على أنّها واهية، لكنه لم يفعل. في ذلك الوقت، كانت شاري ريدستون، المساهمة المسيطرة في شركة “باراماونت”، الشركة الأم لشبكة “سي بي إس”، تسعى للحصول على موافقة الإدارة على بيع الشركة مقابل 8 مليارات دولار لشركة “سكاي دانس”.
وعلى الرغم من الثورة التي اندلعت داخل شبكة “سي بي إس نيوز”، والتي استقال على إثرها مديرا الشبكة وبرنامج “60 دقيقة”، دفع ريدستون 16 مليون دولار لتسوية الدعوى وتمت الموافقة على الصفقة.
داخل الشبكة، يخشى الموظفون أن يعيد الرئيس التنفيذي الجديد، ديفيد إليسون، تنظيم القسم لإرضاء الرئيس. وفي هذا الشهر، عيّنت الشركة كينيث وينشتاين، الذي قاد مركزاً بحثياً محافظاً وقدم استشارات لترامب، أميناً للمظالم في الشبكة.
ويقول مارفن كالب، الذي عمل مراسلاً للقناة لمدة 30 عاماً، إن الصحفيين في الشبكة “قلقون للغاية” بشأن ما سيحدث في ظل الإدارة الجديدة. وأضاف: “لا شك لدي أنّ الخوف قد يجتاح غرف الأخبار في أميركا، فإذا أسأت إلى الرئيس فأنت عرضة للمساءلة القانونية”.
ويواصل ترامب هجماته على الصحافة. ففي تموز/يوليو الماضي، رفع دعوى قضائية ضد صحيفة “وول ستريت جورنال” وضد مالكها روبرت مردوخ، مطالباً بتعويض قدره 10 مليارات دولار بسبب تقرير أفاد بإرساله بطاقة تهنئة مثيرة لجيفري إبستين بمناسبة عيد ميلاده. هذا الأسبوع، رفع دعوى قضائية ضد صحيفة “نيويورك تايمز”، متهماً إياها بنشر “محتوى كاذب وتشهيري”.
وفي الأسبوع الماضي، صرّحت الرئيسة التنفيذية لصحيفة “نيويورك تايمز”، ميريديث كوبِت ليفينيو، بأن الدعوى “لا أساس لها” وتهدف إلى خنق الصحافة المستقلة، واتهمت ترامب بسن “دليل إرشادي معاد للصحافة”، مقارنة ذلك بالأساليب الاستبدادية في تركيا وهنغاريا، وأضافت: “في هذه الدول، تُجرى الانتخابات، لكنها تعمل أيضاً على قمع المعارضة”.
أما أحدث المناوشات فكانت مع قناة “أي بي سي” في بداية الأسبوع الجاري، حيث قال كيميل: “عصابة ماغا تحاول يائسة تصوير هذا الشاب الذي قتل تشارلي كيرك على أنّه أي شيء آخر غير أنه واحد منهم، وتبذل قصارى جهدها لتحقيق مكاسب سياسية من ذلك”.
وقد أثار هذا رد فعل غاضب من المحافظين، حيث وصف رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار التعليقات بأنها “أسوأ سلوك ممكن”. وفي حديث لاحق على قناة فوكس، قال إن الهيئة التنظيمية قد تمارس المزيد من الضغط على هيئات البث بشأن المحتوى المتحيز أو غير الدقيق، وأضاف: “نحن في لجنة الاتصالات الفيدرالية سنفرض التزاماً بالمصلحة العامة. وهناك جهات بث لا تروقها هذه الاتفاقية، ويمكنها تسليم تراخيصها إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية”.
وكان ترامب قد احتفل عبر منصات التواصل الاجتماعي بإيقاف كيميل عن العمل، وكتب على منصته الخاصة: “تهانينا لشبكة أي بي سي لامتلاكها الشجاعة أخيراً للقيام بما كان يجب القيام به”.
وعند عودته من لندن على متن الطائرة الرئاسية الأسبوع الماضي، ذهب الرئيس إلى أبعد من ذلك، حيث هدد بسحب تراخيص شبكات البث التي قال للصحفيين إنّها “ضدِّي، ولا تنشر عني سوى دعاية سيئة أو أخبار كاذبة، وربما يجب سحب رخصهم. الأمر متروك لبريندان كار، فهو وطني”.
رغم أن الإدارة وجهت تهديدات لبعض المنظمات غير الحكومية، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء ملموس حتى الآن. وبينما استهدفت مكاتب المحاماة، التي وافق العديد منها على تقديم خدمات قانونية مجانية للمبادرات التي تدعمها الإدارة، خسرت أيضاً عدداً من القضايا القانونية التي سعت لاختبار صحة أوامرها التنفيذية.
ربما كان الهدف الأكبر لترامب حتى الآن الجامعات. بعد حملة ضغط غير مسبوقة ضد جامعة كولومبيا وبراون وغيرها من جامعات “آيفي ليغ”، والتي أسفرت عن غرامات بمئات الملايين من الدولارات، حولت إدارة ترامب اهتمامها إلى إحدى أكبر الجامعات العامة في أميركا، وهي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
وفي تموز/يوليو الماضي، صرحت وزارة العدل الأميركية بأن الجامعة انتهكت حقوق الطلاب اليهود خلال الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، وجمدت 300 مليون دولار من المنح البحثية الطبية والعلمية، ثم عادت بعد أيام مطالبة بغرامة قدرها مليار دولار لتسوية تهم معاداة السامية.
ويمثل الطلب البالغ مليار دولار ضعف المبلغ الذي تسعى إدارة ترامب للحصول عليه من جامعة هارفارد، وخمسة أضعاف المبلغ الذي دفعته جامعة كولومبيا (200 مليون دولار). ولطالما كانت الجامعات مصدر إزعاج لليمين الأميركي، حيث انتقدها المحافظون الدينيون والسياسيون، بمن فيهم قاضي المحكمة العليا صمويل أليتو، لعدم تسامحها مع وجهات النظر التقليدية.
ويزعم العديد من المحافظين أنهم كانوا هدفاً للسيطرة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية والمؤسسات التعليمية. وفي أول يوم له في منصبه، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بعنوان “استعادة حرية التعبير”، اتهم فيه إدارة بايدن بالسعي إلى “حظر منصات التواصل الاجتماعي أو قمع حرية التعبير” بطريقة غير دستورية.
وفي عام 2021، أجرى نائب الرئيس فانس مقابلة طرح فيها حلاً بدا وكأنّه مخطط لإدارة ترامب المستقبلية، قائلاً: “نذهب إلى الجامعات ونستخدم مئات المليارات من الدولارات التي نرسلها إليها كوسيلة ضغط، ونعلمها أنه إذا لم تتوقفوا عن غرس الأفكار المتطرفة في مجتمعنا بأكمله، فلن تحصلوا على سنت واحد من أموالنا”.
ويعتقد العديد من المحامين والأكاديميين أن حملة الضغط التي تشنها الإدارة لا تتعلق بـ”معاداة السامية” بين الطلاب بقدر ما تتعلق بتغيير الثقافة في الحرم الجامعي. وتقول إيفلين دويك، الأستاذة المشاركة في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد: “حجة الإدارة بأنّها تتخذ إجراءات صارمة ضد ‘معاداة السامية’ في الحرم الجامعي ما هي إلا ستار دخاني لإخفاء مخاوف أوسع نطاقاً بشأن التوجه الفكري للجامعات”.
وأضافت دويك: “يحاولون إعادة تشكيل بيئة الخطابة في الحرم الجامعي بطريقة تقتل ليس فقط الجامعات نفسها والسياسات التي تتبناها، بل تمنح أعضاء هيئة التدريس والطلاب سبباً للتردد قبل التحدث. هناك شعور بالريبة في الحرم الجامعي والخوف من التعبير عن الرأي الحقيقي”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سلمت جامعة كاليفورنيا، بيركلي، مهد حركة حرية التعبير في أوائل ستينيات القرن الماضي، أسماء 160 عضواً من أعضاء هيئة التدريس إلى إدارة ترامب في إطار تحقيقها في معاداة السامية في الحرم الجامعي. ومن بين أعضاء هيئة التدريس الذين ورد اسمهم في القائمة، جوديث بتلر، الرئيسة السابقة لقسم الأدب المقارن، والتي قالت عن ذلك إنّ “إرسال الأسماء ممارسة تعود إلى عهد المكارثية”.
وقبل أسبوعين، قضت قاضية مقاطعة أميركية بأن إدارة ترامب انتهكت حماية حرية التعبير بمحاولتها تجميد تمويل جامعة هارفارد. وأشارت القاضية أليسون بوروز في حكمها إلى أنّ استخدام الإدارة لمزاعم “معاداة السامية” لقمع الجامعة كان مُضلّلاً.
ومع ذلك، فإن البيانات لا تعكس أن مكافحة “معاداة السامية” كانت الهدف الحقيقي للمدعى عليهم في العمل ضد هارفارد، وحتى لو كان الأمر كذلك، فإن مكافحة “معاداة السامية” لا يمكن أن تتحقق على خلفية التعديل الأول، كما كتب بوروز.
وفي حرم جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أثارت تهديدات ترامب بخفض التمويل مخاوف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، الذين قال أحدهم: “الوضع أشبه بموقف استنفار كامل، ويسود شعور بالريبة في الحرم الجامعي، ولا أحد يعلم إلى متى سيستمر برنامجه كمدرس أو كطالب، كما أنّ الخوف من التعبير عن الرأي جدّي”.
هناك قلق حقيقي بشأن ما إذا كان نظام جامعة كاليفورنيا سيشعر بأنه مضطر للتوصل إلى نوع من التسوية مع إدارة ترامب. ويقول أحد أعضاء هيئة التدريس: “من تاريخ الخوف الأحمر، السؤال هو: هل سنتكاتف أم سننقلب على بعضنا البعض، ونحن نشجع القيادة على التكاتف”.
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية
نقله إلى العربية: حسين قطايا
الميادين نت