هل تريد أن تكتب دراما شامية : دبّر مقهى وقبضاي وبيت عربي وحكاية !
هل تريد أن تكتب دراما شامية : دبّر مقهى وقبضاي وبيت عربي وحكاية !…
عندما ظهرت الأعمال الدرامية التلفزيونية الرائدة في التلفزيون السوري، قدمت نموذجاً فذاً يتعلق بحياة الناس، وهو ما اصطلح عليه (دراما البيئة) ، وتصدرتها أعمال البيئة الشامية من ( زقاق المايلة) ، إلى (حارة القصر) ، إلى (أبو كامل)، إلى أيام شامية ، وصولا إلى سلسلة (باب الحارة) التي جابت شهرتها الآفاق في البداية ، وجابت فضائحها العالم فيما بعد.
وعندما قرأتُ بعض النصوص الأولى من هذه الأعمال، وجدتُ أن عناصر العمل الدرامي متوافرة وناضجة وتقدم نفسها على اعتبار أنها انعكاس للحياة الشامية في مرحلة محددة ، وأن الشخصيات والأحداث التي تدور فيها تستحق الوقوف عندها، وتقديمها عبر الشاشة الصغيرة، ثم فجأة ، اختفت هذه السمة ، وحل محلها نمط من النصوص مريعة ، متشابهة ، كخلايا السرطان، وللأسف تورط الفنان السوري فيها وكذلك تورط المخرجون وراحت التوظيفات المالية تصب في هذا المجال إلى أن تحول المنتج الجديد من هذا النوع إلى كارثة !
كيف تُكتب هذه الأعمال ، وهل صحيح أن المشاهد سعيد بها ويقبلها بعجرها وبجرها، ولماذا تقدِم الجهات الملتزمة بقضايا الناس على القبول بتسويق هذا المنتج بغض النظر عن قيمته الفنية والدرامية والاجتماعية؟
لاحظوا ماذا يستنتج المدقق لهذه النصوص؟!
نتذكر هنا كتب البسطات : (تعلم اللغة الفرنسية في خمسة أيام)، وكأن هناك مرجع اسمه (تعلم كتابة دراما الحارة الشامية بخمسة أيام )، فلكي يبني الكاتب الدرامي نصا من هذه البيئة عليه أن يبحث عن حكاية ، وقد تكون مختلقة وغير منطقية وربما سخيفة، ثم يبدأ بترتيب المشاهد على أرضية (متلازمة مرضية ) عناصرها :
أولا : وجود قبضاي .
ثانيا : وجود مقهى .
ثالثا : وجود حرامي.
رابعا: وجود كركون .
خامسا : وجود فرنسا أو الأتراك كعكازة للبعد الوطني في الحارة .
ثم تكّر السبحة، فهناك عراضة ، وهناك تحد بين طرفين، وهناك عوايني، وهناك خيانة ، وهناك صراخ وهناك بكاء، وهناك ضحك ..
يعني ببساطة، انتبه، يامن تود أن تصبح كاتبا درامياً، إلى هذه العناصر، ومن ثم عليك الشروع في محاولة العبور إلى سوق (البيئة الشامية) الرابح!
وصل الأمر إلى الدرجة التي غابت فيها الحياة عن الحارة في بعض الأعمال، والحياة هنا هي صلب الدراما، فغدت الحياة بما شاهدناه هي مجرد تفاصيل لخدمة الأكشن الدرامي (الحرامي، المرأة اللعوب، النصاب) وليست شكلا من أشكال النبض الاجتماعي والديمغرافي والبيئي فعلا ، ولهذا النبض عناصر معروفة.
ووصل الأمر إلى حد الضحك على المشاهد في أعمال نشاهدها في موسم (2022)، وسأكتب عنها لاحقا ، فالفرنساوي سخيف ساذج أبله، والعوايني تافه يلعب بالحارة كأنها سبحة، والزعران أبطال، والقبضاي يمكنه أن يخربط موازين القوى كلها، والشخصيات تكرر (ثيمات) مموجة، والمرأة في الأربعينات تتعيش عصرا يتجاوز هذا العصر .. إلخ.
وعندما نعود إلى سجلات النقد الذي وجه للأعمال السابقة، نكتشف مطباً آخر وهو أن الكتاب الذين استمرؤوا الكتابة عن الشام ، ولكي يتداركوا قساوة النقد الذي مر، لجؤوا إلى الفبركة والقولبة ، فمرة تظهر السينما لكي نكون متحضرين، ومرة تظهر بسطة كتب لأن السوري كان مثقفاً، ثم وبآلية مقحمة نسمع صوت بائع الجرائد بعد غياب شبه كامل عن الدراما، والأنكى من ذلك أن المرأة نراها متحررة وتتحدى ومثقفة ومتعلمة ونسمع أسماء الرائدات في الحياة الثقافية والسياسية السورية لكي يخدم تواجدهن اللعبة .
لابأس ولكن لم ينتبه كتاب هذا النمط إلى أن لمثل هذا الظهور المفاجئ حاجة إلى أجواء منطقية، وأحداث تستجر وتستوجب هذا الظهور المباغت ، بل بحاجة إلى حوار يفسر ويشكل هوية الشخصيات لا أن يملأ فراغ الأكشن !
على ذلك نحتاج إلى دعوة للكتاب ، لا لكي نعلمهم أن ما تفعلونه هو عمل (تجاري) غير احترافي ولا يؤسس لسمعة البضاعة، ولا لكي نمنعهم من الكتابة والمحاولة وتقديم مايريدون، فالفضاء مفتوح محلياً وعربياً ، ولكن لكي يعرفوا أن المشاهد يمكنه أن يعود الآن إلى أعمال رائعة موجودة لدينا ، وذكرت بعضها قبل قليل، ويمكنه أن يعود إلى الأعمال العربية التي أخذت عن نجيب محفوظ أو التي كتبها أسامة أنور عكاشة أو وحيد حامد، أو التي يشتغل عليها الكتاب المصريون على مفاصل تاريخية هامة جعلتنا نستعيد التاريخ والبيئة ونحدد موقفاً. ومن ثم يكتشفون أن هذه العروض لا تعبر عن بيئتنا بما يحتاج فن الكتابة الدرامية .