هل تستطيع الثقافة أن تربأ الصدع في جدار العلاقات بين الدول وتُصلح ما أفسدته السياسة؟
الإجابة عن هذا السؤال ستكون مُربكة تمامًا، خصوصًا بعد الأزمة الأخيرة، أزمة قطع ست دول عربية العلاقات الدبلوماسية مع قطر، التي تمتلك جائزة كبرى للرواية العربية، وهي جائزة كتارا، وتُعد المنافس الأول لجائزة البوكر للرواية للعربية الإماراتية.
جائزة كتارا للرواية العربية هي جائزة سنوية أطلقتها المؤسسة العامة للحي الثقافي – كتارا في بداية عام 2014، وتقوم المؤسسة بإدارتها وتوفير الدعم والمساندة والإشراف عليها بصورة كاملة من خلال لجنة لإدارة الجائزة تم تعيينها لهذا الغرض.
وتهدف الجائزة إلى ترسيخ حضور الروايات العربية المتميزة عربيًا وعالميًا، وإلى تشجيع الروائيين العرب المبدعين للمضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز، كما تقوم بترجمة أعمال الفائزين إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، ونشر وتسويق الروايات غير المنشورة، وكذلك تفتح الجائزة باب المنافسة أمام دور النشر والروائيين على حد سواء.
أسئلة كثيرة أُثيرت بعد قطع مصر، والسعودية، والإمارات، وليبيا، واليمن، والبحرين، العلاقات الدبلوماسية مع قطر، التي من المقرر أن تُعلن نتائجها في 12 أكتوبر المُقبل 2017.
ومنها حول تأثير السياسة على الثقافة، فهل سيؤثر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر على سير عمل الجائزة من ناحية تنحية الأدباء والمُحكمين المشاركين في الجائزة من ذوي الجنسيات التي قطعت العلاقات من عدمه؟ وهل سيقبل المُحكمون والأدباء أنفسهم المشاركة في ظل الأزمة الحالية؟ وماذا لو حصل عليها أدباء من الدول الستة المقاطعة الذين تقدموا للجائزة قبل قطع العلاقات؟ هل سيقبلونها؟
وماذا لو قاطعت الجائزة نفسها الدول الست، هل ستدفع بنفسها إلى الهاوية لتتحول من جائزة عربية إلى جائزة محلية تنتصر للقطريين والأشقاء في المغرب العربي ولبنان والأردن وسوريا وعمان فقط؟
في عام 2015 ضمت لجنة التحكيم في الدورة الأولى للجائزة، 19 عضوًا، منهم خمسة مصريين، وهم: طارق الشناوي، الدكتور عماد عبداللطيف، الدكتور محمد مصطفى سليم، الدكتور أحمد درويش، الدكتور محمد الشحات، فيما ضمت لجنة التحكيم في الدورة الثانية للجائزة عام 2016، 24 عضوًا، منهم ستة مصريين، ومنهم: عصام زكريا، أيمن أحمد الدسوقي، هويدا عبد القادر صالح، الدكتور محمد الشحات، الدكتورة أماني فؤاد، والدكتور مصطفى عطية جمعة، وفاز تقريبًا 4 مصريين خلال الدورتين السابقتين.
وتزداد المشاركات العربية المتقدمة للجائزة سنويًا، فقد بلغت المشاركات في الدورة الأولى 711 مشاركة، وفي الدورة الثانية 1004 مشاركة، والدورة الثالثة 1144 مشاركة، واحتلت مصر الصدارة في الدورة الأخيرة من بين الدول المتقدمة.
بداية، العلاقات الثقافية المصرية القطرية، كما يُفندها الدكتور حسين حمودة، خلال حديثه لـ”بوابة الأهرام”، “علينا أن نلاحظ أن هناك مثقفين وشعراء وكتابًا قطريين، وهم غير مسؤولين عما تتبعه أو تتخذه الأسرة القطرية الحاكمة من سياسات، هم، مثلهم مثل كل المثقفين وكل المبدعين، يمثلون أنفسهم ولا يمثلون هذه الأسرة الحاكمة”.
وعلى ذلك، لا يجب أن تنسحب مقاطعة “النظام” القطري على المثقفين والمبدعين القطريين، كما يتصور حمودة، فالمخلصون الشرفاء من المثقفين والمبدعين القطريين لا بد أنهم، بالضرورة، يرفضون سياسات الأسرة التي تحكم بلدهم.
يتتبع حمودة تاريخ العلاقات الثقافية بين البلدين؛ “فلسنوات طويلة سابقة، قامت مجلة “الدوحة” القطرية بدور ثقافي مهم، ولسنوات طويلة سابقة كان يقوم على هذه المجلة مثقفون مصريون، ومن أشهرهم الناقد الراحل رجاء النقاش، وفي مثل هذه التجربة، في تلك الفترة الماضية، لم يكن ممكنًا النظر إلى هذه المجلة على أنها تعبر عن سياسة ما، بل ولا يمكن النظر إليها باعتبارها “مجلة قطرية”..
كانت مجلة عربية واسعة الطيف، يشرف على تحريرها ويكتب فيها كتّاب وكاتبات من بلدان الوطن العربي كلها تقريبا.. وهكذا، من هذا المثال الواحد، يمكن ملاحظة أنه يصعب حصر النشاط الثقافي في حدود ضيقة، وقياسا على هذا المثال، يمكن القول إن الثقافة الحقيقية بعيدة عن التصنيف، وبعيدة عن التعصب، وبعيدة عن أن تكون تعبيرًا عن سياسة ضيقة ومحدودة”.
الدكتورة هويدا صالح، وهي إحدى المحكمات المصريات في الجائزة عام 2016، ترى أنه “لا يجوز أبدًا أن نفتت الهوية الثقافية العربية بإدخالها في آتون السياسة المتغير، فالكاتب المصري يكتب وهو يعي تمامًا أن هويته الثقافية متعددة الطبقات، ففي داخله تسري الهوية المصرية القديمة(الفرعونية) بجوار العربية بجوار الإفريقية والشرق أوسطية والبحرمتوسطية”.
“فلا يجوز أبدًا أن نخضع لابتزازات الساسة، فالثقافة التي تشتغل على الوعي يجب أن تدرك أن السياسة متغيرة وتخضع لاعتبارات عالمية، إنني أتصور أن الصراعات السياسية شيء والثقافة والفن شيء مختلف، السياسة تتغير وما هو صديق اليوم قد يصبح عدوًا غدًا، السياسة لا تعرف سوى المصالح والانحيازات والاستقطابات، لكن الثقافة مختلفة، الثقافة تشتغل على تنمية الوعي، على تنمية المجتمع، على تجميع الناس، وبخاصة أننا جميعًا مهما اختلفت توجهاتنا السياسية تجمعنا ثقافة واحدة، تربطنا روابط ثقافية واحدة ومكونات هوية ثقافية واحدة، لا فرق فيها بين قطري أو سعودي أو مصري أو موريتاني”.
يتفق تقريبًا الدكتور معجب العدواني من السعودية، المُحكم السعودي الوحيد في الدورتين الماضيتين عامي 2015 و 2016، مع وجهتي النظر سالفة الذكر، لكنه يضيف أن “هذه أزمة وستزول، وليس هناك إجابات قطعية الآن في مسألة مشاركة المُحكمين من الدول التي قطعت العلاقات مع قطر من عدمه، حتى تتضح الأمور أكثر”.
وجهة نظر أُخرى، ضد التيار السابق، فيرى الدكتور عاطف عبيد، صاحب مؤسسة “بتانة” الثقافية، أن “تطبيع” العلاقات الثقافية مع قطر، في ظل قطع العلاقات الدبلوماسية من ست دول عربية، يُعد مساهمة منه كناشر يُرشح أعمالًا أدبية للمشاركة ضمن الجائزة، مساهمة منه “لغسل مال سياسي يعتمد على المال الثقافي، في حين تتورط قطر في دعم الإرهاب في المنطقة العربية”، مشيرًا إلى أنه رفض ترشيح أعمال للجائزة من قبل قطع العلاقات مع قطر.
ورأى عبيد أن قيام قطر بإعطاء الجائزة لأدباء مصريين في دورتيها السابقتين رغم توتر العلاقات القطرية المصرية، “ما هو إلا غطاء لادعاء أنها جائزة ثقافية بحتة بلا توجه سياسي”.
ولا ترى الدكتورة نانسي إبراهيم غضاضة في مشاركة محكمين وأدباء مصريين ضمن الجائزة، إيمانًا منها بأن “الناقد يتعامل مع النص الأدبي الذي هو بلا جنسية وهوية”، داعية إلى تنحية الخلافات السياسية جانبًا، والالتزام بالقيمة الثقافية فحسب.
من جانبه يقول عبدالله أرحبين، منسق المشاركين بجائزة كتارا، إن “أزمة قطع ست دول عربية العلاقات الدبلوماسية مع قطر، لن يؤثر على سير عمل الجائزة أو على ذائقتها في اختيار الفائزين”، مشيرًا إلى أن الجائزة هدفها ثقافي وفي منأى عن السياسة”.
وأضاف أرحبين لــ “بوابة الأهرام”، أنه خلال الدورتين الماضيتين وهما دورتا 2015 و2016 لجائزة كتارا، “فاز أكثر من كاتب مصري، وشارك أيضًا في التحكيم أكاديميون مصريون، وذلك بالرغم من أن العلاقات بين البلدين قطر ومصر لم تكن على ما يرام، لكن ذلك يؤكد شفافية الجائزة وعدم تسيسها”.
وقال: “من الممكن جدًا أن يفوز أدباء مصريون بهذه الدورة الحالية في 2017، والمقرر إعلانها في أكتوبر المقبل أو أيّة أدباء من الدول الستة التي قطعت علاقتها دبلوماسيًا مع قطر وهم: مصر، السعودية، ليبيا، اليمن، الإمارات، والبحرين”، وتوقّع أن أزمة قطع العلاقات “ستزول قريبًا، وحتى إن بقيت فلن تؤثر أيضًا على جائزة كتارا الثقافية”
بوابة الأهرام