هل تقايض روسيا النفوذَ التركي في ليبيا بتحرير إدلب؟
هل نشهد مقابل توسع النفوذ التركي في ليبيا وتمدّده تحركاً سورياً عسكرياً قريباً نحو ما تبقى من مناطق سيطرة المسلحين في إدلب ومحيطها، مدعوماً من القوات الجوية الروسية؟
لم يتأخّر الوقت كثيراً بعد الدخول التركي المباشر على خط المعارك في ليبيا، حتى رأينا تراجعاً لافتاً لقوات اللواء خليفة حفتر. وبعد أن كانت الأخيرة، في بدايات الشهر الحالي (حزيران/يونيو)، تضغط بقوة على وحدات حكومة الوفاق على مشارف طرابلس الجنوبية والشرقية، بدأت تنسحب فجأة من أغلب نقاط انتشارها في جنوب طرابلس وغربها، تحت ضغط مسلحي حكومة الوفاق والمسلحين المنقولين من سوريا، وخصوصاً من مطار طرابلس الدولي وقاعدة الوطية الجوية، التي كانت تشكّل نقاط ارتكاز العمليات الواسعة التي استندت إليها الوحدات الموالية لخليفة حفتر.
في متابعة لمسار المعارك والمواجهة التي شهدتها المناطق المحيطة بالعاصمة طرابلس، كان لافتاً هذا التبدل الصادم في ميزان القوى وخارطة السيطرة لصالح حكومة الوفاق. ويمكن تلخيص أسباب هذا التبدل الميداني والعسكري باتجاهين رئيسين هما:
أولاً: الدعم التركي المفتوح لوحدات حكومة الوفاق
عمدت تركيا إلى دعم الوحدات العسكرية التابعة لحكومة الوفاق برئاسة السراج بشكل واسع ولافت، من دون الأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات الإقليمية والدولية العنيفة، حيث انطلق هذا الدعم الواسع في الوقت الّذي كانت وحدات حفتر تستفيد من دعم واسع أيضاً من الثلاثي العربي (مصر – السعودية – الإمارات العربية المتحدة)، إضافةً إلى موقف روسي مؤيد وداعم إلى حد ما.
– لناحية العديد، نقلت تركيا الآلاف من مسلّحي الشمال السوري من مختلف الفصائل من مناطق درع الفرات أو إدلب. ويعد هؤلاء المسلحون من الأكثر خبرة قتالياً، ومن أشرس الذين واجهوا الجيش العربي السوري وحلفاءه.
– لناحية التجهيزات اللوجيستية والعتاد العسكري، استفادت وحدات حكومة الوفاق من تركيا بعدة بواخر من الأسلحة والذخيرة من مختلف الأنواع، إضافةً إلى الطائرات المسيرة المتطورة ومنظومات من الدفاع الجوي الفعال، أسقطوا بواسطتها أكثر من قاذفة لقوات حفتر. كل ذلك مع تقديم خبرات عملياتية مباشرة من ضباط أتراك.
ثانياً: التغاضي الروسي عن الدخول التركي الواسع في ليبيا
بعد أن كان دعم موسكو للواء خليفة حفتر وزيارات الأخير لموسكو وتنسيق العمليات والمواقف مع القيادة الروسية واضحاً، رأينا ما يشبه غض النظر الروسي، لناحية السكوت عن نقل الدعم والمساندة السريعة والمكشوفة من تركيا إلى طرابلس، وكان لافتاً ما يشبه تسهيل الروس نقل المسلحين السوريين من إدلب والشمال السوري لدعم وحدات حكومة الوفاق – بطريقة غير مباشرة طبعاً – وذلك من خلال الموافقة على تجميد العمليات العسكرية ووقف إطلاق النار في إدلب، بعد أن كان الجيش العربي السوري يتقدم، الأمر الذي خفف من الضغوط على المسلحين في الشمال السوري، ما أفسح المجال لأنقرة للقيام بنقل عدد كبير منهم إلى ليبيا، في وقت كانت وحدات الوفاق بأمس الحاجة إليهم، حيث كان الجيش التابع لحفتر على وشك الدخول إلى طرابلس ودحر وحداتها منها.
سبب الدعم التركي للوفاق
يوجد الكثير من المعطيات والأسباب التي تدفع تركيا إلى تأمين هذا الدعم الفعال لحكومة الوفاق، أولها توقيع اتفاقية أمنية – اقتصادية بين أنقرة وحكومة السراج (الوفاق). بالطبع، إنَّ الأساس من هذه الاتفاقية الاقتصادية هو النفط والغاز شرق المتوسط، إضافةً إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية الخالصة وتقاسمها، بما أقفل الواجهة البحرية بشكل شبه كامل بين كل من مصر و”إسرائيل” مع اليونان، وامتداداً نحو مرافئ إيطاليا على المتوسط.
واليوم، هناك حديث عن طلب تركي، من الطبيعي أنه ستتم الموافقة عليه من قبل حكومة الوفاق، للسماح بتمركز قوات عسكرية تركية جوية وبحرية في ليبيا: القوات الجوية للتمركز في قاعدة الوطية الاستراتيجية غرب طرابلس وعلى مقربة من الحدود مع تونس، والقوات البحرية للتمركز في قاعدة مصراتة البحرية على المتوسط، إلى الشرق من مدينة طرابلس.
سبب التغاضي الروسي
أولاً: استناداً إلى تعثّر مساري اتفاقيات أستانة وسوتشي بين الروس والأتراك حول الشمال السوري، كان لافتاً تجاوز تركيا التزاماتها لناحية تطبيق بنود الاتفاقين والضغط على المسلحين أكثر من مرة. وبعد اتفاقية موسكو الأخيرة أيضاً، والتي كانت لمتابعة تنفيذ سوتشي، كانت تركيا غير جدية، ولم تلتزم بما تعهَّدت به. والغريب أنَّ الروس كانوا يعطون الفرص دائماً لأنقرة، الواحدة تلو الأخرى، على الرغم من الموقف التركي غير الملتزم.
ثانياً: عندما كان الجيش العربي السوري يتقدم في عمق إدلب، وفي أكثر من مواجهة، ويسيطر على مواقع المسلحين الإرهابيين، مبرهناً قدرته على تحريرها كاملة، كان الروس يعمدون فجأة إلى الموافقة على طلبات تركيا لوقف إطلاق النار وتجميد العمليات العسكرية.
طبعاً، هناك أسباب استراتيجية تتعلق بحاجة روسيا إلى موقف تركي قريب منها، أو على الأقل بعيد من واشنطن والناتو في صراع الحلف الأخير والأميركيين المفتوح دائماً بمواجهة روسيا، إضافةً طبعاً إلى المصالح الضخمة بين موسكو وأنقرة اقتصادياً وسياحياً واستراتيجياً.
انطلاقاً من كل ما تقدم، ليس مستبعداً أن تكون موسكو قد سلكت في تسوية خفية مع أنقرة، تقايض فيها عدم تشددها في مواجهة الدور التركي في ليبيا، إضافةً إلى تخلّيها عن حفتر على الأقل بالحد الذي لا يسمح له بإكمال مشروعه الميداني نحو طرابلس وحقول النفط في الغرب الليبي، مقابل تسهيل تركي لتنفيذ اتفاقيات أستانة وسوتشي في إدلب. وعلى الأقل، إذا لم تستطع أنقرة الضغط على جبهة النصرة الإرهابية للتسليم بذلك، (وهذا مرجح لكون النصرة متشددة في رفض تنفيذ أي بند من سوتشي)، فإنها (أنقرة) لن تشترك مباشرة بمواجهة وحدات الجيش العربي السوري، كما حدث في الجولة الأخيرة بعد تحرير سراقب ومعرة النعمان وريف حلب الغربي والجنوبي الغربي وطريق حلب حماه.
فهل نشهد مقابل توسع النفوذ التركي في ليبيا وتمدّده تحركاً سورياً عسكرياً قريباً نحو ما تبقى من مناطق سيطرة المسلحين في إدلب ومحيطها، مدعوماً من القوات الجوية الروسية، وخصوصاً أن اجتماع وزيري خارجية إيران وتركيا الأخير في أنقرة (ظريف وأوغلو) لم يكن بعيداً من مشروع مقترح يتعلق بإعادة تفعيل بنود اتفاق سوتشي المتعلق بإدلب وتنفيذه؟
الميادين نت