تحليلات سياسيةسلايد

هل تقف مصر على حافة ثورة غضب شعبي كاسح بسبب تدهور ازماتها الاقتصادية؟  

إعترف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إتصال هاتفي مع أحد البرامج التلفزيونية المحلية اليوم بأن مصر تعيش أزمة حقيقية وظروف اقتصادية صعبة، ورأي ان الخروج من هذه الأزمة يتمثل في تحمل الشعب المسؤولية، وتكاتفه مع الحكومة، وتعهد ببذل كل ما في وسعه من جهد لتقديم الأفضل للمصريين.

هذا الإعتراف جاء بعد أيام قليلة من خطاب ادلى به امام المؤتمر الاقتصادي يوم الاحد الماضي الذي إنعقد في العاصمة الإدارية، إتسم بحالة لافتة من القلق والتشاؤم كانت منعكسه بشكل واضح على ملامح وجهه الذي كان مكفهرا، وكان من أبرز ما جاء في هذا الخطاب:

أولا: لا تحظى الحكومة المصرية بقاعدة تأييد شعبية كافية تمكنه من الاقدام على حلول راديكالية غالبا ما يكون لها ثمن سياسي باهظ على غرار القاعدة الشعبية التي كان يتمتع بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

ثانيا وجه اللوم الى ثورة كانون الثاني (يناير) عام 2011، وقال انها كلفت مصر حوالي 477 مليار دولار، وأعرب عن مخاوفه من تكرار السيناريو نفسه وبما يعرض الدولة المصرية للإنهيار.

ثالثا: كشف لأول مرة، وبوضوح مليء بالمرارة عن وقف دول الخليج لجميع مساعداتها “المجانية” لمصر، حيث جرى وقف جميع المساعدات والمعونات، وقال لن تكون هناك مساعدات دون مقابل بعد الآن، وأضاف بأن الخليجيين تغيروا، وان دعمهم المستقبلي سيكون على شكل استثمارات وليس معونات، مما يعني ان هذه الدول لن تهرع لإنقاذ مصر من الغرق مثلما كان عليه الحال في الماضي.

رابعا: تدهور واضح في العلاقات مع الولايات المتحدة التي تقدم 1.3 مليار دولار سنويا، فالرئيس جو بايدن لن يشارك في قمة المناخ التي ستعقد في مصر في الأيام القليلة القادمة، كما خصم الكونغرس 205 مليون دولار من 300 مليون دولار كمساعدات عسكرية، بسبب تدهور حقوق الانسان في مصر حسب البيان الرسمي الأمريكي، وعدم الافراج عن آلاف المعتقلين، وهناك مخاوف رسمية من إحتمالات دعم أمريكا لأي “ثورة” جديدة والمعارضة التي تؤججها.

كان لافتا ان الرئيس السيسي لم يحمل الحكومات المصرية المتعاقبة مسؤولية الفشل في التعاطي مع الازمة الاقتصادية، والأزمات الأخرى بشكل فاعل، واكتفى بتحميل المسؤولية الى ثورة يناير التي مثلت إعلان وفاة الدولة المصرية، على حد قوله، ولازمة جائحة كورونا.

عندما يقول الرئيس المصري للحلفاء في الخليج ان المساعدات التي قدموها لمصر لم تكن دون مقابل فانه يشير الى وقوف بلاده معها في مواجهة ايران، فهل هذا يعني انه بصدد تغيير هذه السياسيات والإنفتاح على ايران ومحورها، وفتح المزارات الشيعية المصرية امام مئات الآلاف من زوارها؟

وهل ستعطي مثل هذه التحديدات ثمارها في حال الإقدام عليها؟ وهل هناك وقت كاف لإستخدام مثل هذا الخيار؟

صرخة الإستغاثة التي أطلقها الرئيس السيسي في خطاباته الأخيرة، ربما بدأت تعطي اؤكلها، ولكن ليس بالشكل المأمول، حيث أعلن السيد عبد الله بن طوق وزير مالية دولة الامارات العربية المتحدة اليوم عزم بلاده إستثمار 20 مليار دولار في مشاريع في مصر في السنوات العشر المقبلة، كما أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عدة إجراءات لتخفيف الأعباء عن المواطن ابتداء من رفع حد الاعفاء الضريبي من 24 الى 30 الف جنيه، ودفع علاوة استثنائية مقدارها 300 جنيه لجميع موظفي الدولة، وتجميد اسعار الكهرباء.

حزم الإنقاذ هذه سواء كانت تتمثل في إستشمارات الامارات الجديدة، بعيدة المدى، او قرارات الحكومة المصرية الفورية، بتحفيف أعباء المواطن إيجابية، وجيدة، ولكنها متواضعة بالنظر الى حجم الازمة وضخامتها وتوارد أنباء عن حاجة مصر الى حوالي عشرة مليارات دولار لتسديد فارق سعر حاجتها من القمح بسبب ارتفاع أسعاره، وارتفاع أسعار المحروقات وعجزها عن تسديد أقساط أرباح ديونها الخارجية التي تقدر بحوالي 160 مليار دولار، حسب الأرقام الرسمية.

المعارضة المصرية الموجودة في الخارج دعت الى اضراب عام يوم 11 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وكثفت حملاتها الاعلامية ضد السلطة الحاكمة، بإصدار محطتي تلفزيون من العاصمة البريطانية في لندن وتحت اشراف القيادات الإعلامية نفسها التي كانت تدير المحطات التي جرى اغلاقها في إسطنبول وشكلت صداعا مزمنا للسلطات.

مصر الآن، وفي ظل هذه الازمات تجد نفسها وسط غلاء معيشة، وغضب وإحتقان شعبي، وغياب المعونات الخليجية، وتراجع القدرة الشرائية للجنيه وهي جميعها عوامل ستدفع السلطة للارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية، وحتى هذا الإرتماء لن يؤدي للحصول على القروض الكافية لإخراج البلاد من ازماتها.

مصر تقف حاليا امام مفترق طرق، وإحتمالات الإنفجار واردة، وكان أول من علق الجرس الرئيس السيسي نفسه عندما قال في مكالمته الهاتفية للتلفزيون المصري انه خائف على مصر ومن تكرار سيناريو 2011 و2013.

كل المؤشرات تقول ان برميل الإحتقان المصري على وشك إنفجار ضخم لا يستطيع أي أحد التنبؤ بألسنة لهيبه وفي سيناريو جديد قد يكون بتدخل الجيش مرة أخرى، ولكن السؤال كيف وما هو الثمن؟ وكيف ستكون ردة الفعل الشعبية؟

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى