هل تلعب أمريكا دورًا حاسمًا في الانتخابات التركيّة المُقبلة ولمصلحة من؟
لا أحد يعلم تماماً كيف يتأثّر عقل الناخب التركي وهو على بُعد شهر ونصف (14 أيّار/ مايو) من اختيار رئيس بلاده الجديد، وهو المأزوم والمألوم جرّاء التضخّم (60 بالمئة) وتراجع قيمة العملة أمام الدولار، فيما كشفت بيانات صدرت عن وزارة المالية التركية، عن ارتفاع عجز الموازنة العام للبلاد إلى مستويات 170.56 مليار ليرة تركية خلال شهر فبراير الماضي 2023، وحيث المُنافسة حامية الوطيس، بين 4 مُرشّحين، أبرزهم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ونظيره زعيم أكبر أحزاب المُعارضة (الشعب الجمهوري) ومُرشّح طاولة التحالف السداسي، وكُلٌّ يُحاول تعزيز حُضوره، وإظهار سلبيّات الآخر.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد تكون العقبة الأساسيّة أمامه أو حاله تقييمه بالنسبة لناخبيه، هي مدى نجاح حكومته في التعامل والتجاوب مع كارثة الزلزال (انتقادات طالته بالتقصير)، ونجاحه ثانياً في إعادة ثقة الناخب بقراراته الاقتصاديّة، التي لا يبدو أنها نجحت كثيرًا في كبح جماح التضخّم، ولكن لا بد أن يستثمر الرئيس في بعض الملفّات الخارجيّة، علّها تُثير العواطف المُؤيّدة له، وتدفع الأتراك لإعادة انتخابه.
الرئيس التركي يعد من الحُلفاء التقليديين للأمريكيين، ولكنه سجّل موقفاً لافتاً حين انتقد السفير الأمريكي لدى أنقرة جيف فليك، حيث قام السفير بزيارة لزعيم المُعارضة التركيّة كمال كليتشدار أوغلو المُنافس الأقوى الذي يطمح بالإطاحة بأردوغان، ما أوحى بأن ثمّة إرادة أمريكيّة، غربيّة تنوي مُساعدة المُعارضة التركيّة، والتخلّص من أردوغان، والظهور بمظهر المُتآمر عليه (أردوغان) يخدم أدبيّات الحزب الحاكم، الذي يُظهر نفسه في مظهر الراغب باستقلال القرار السيادي التركي عن الأمريكيين، ويرى أنصار أردوغان أنه بالفعل كذلك، وتبنّى سياسات مُناوشة للأمريكيين بعض الأحيان.
ومن غير المعلوم إذا كان الناخب التركي يكترث عند ذهابه إلى صناديق الاقتراع بمدى تبعيّة بلاده للولايات المتحدة، وتطبيعها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي باختياره مُرشّحه، ولكن يبدو أن الرئيس أردوغان يُعوّل على ذلك، ويُسلّط الأضواء عليه حين ينتقد لقاء السفير الأمريكي بزعيم المُعارضة، بل ويستخدم لهجة حادّة ضد الولايات المتحدة حين قال خلال كلمة ألقاها لدى افتتاح مشاريع تنمويّة في إسطنبول: “في الانتخابات القادمة علينا تلقين الولايات المتحدة درساً”.
المُجتمع المُحافظ (الإسلاميين المُحافظين) الذي يُعوّل عليه الحزب الحاكم للفوز بصفته حامي حِمى الدين، وعزّر مظاهر التديّن والحجاب، ويُحاول مرشح المُعارضة جذبهم وطمأنتهم حال فوزه، ترى وجهة نظر بأنه المُخاطب (المُحافظين) هُنا في مسألة سعي الغرب للإطاحة بالسلطان أردوغان.
وأبدى الرئيس أردوغان غضباً ملحوظاً من زيارة السفير الأمريكي لمرشح المُعارضة، ودعاه بلهجة حادّة إلى عدم تجاوز حدّه، والالتزام بمهام منصبه، وأكّد أنه لن يستقبل هذا السفير الأمريكي مرّةً أخرى، وخاطب أردوغان سفير أمريكا: “حاول استخدام ذهنك قليلاً، لأنك سفير ويتعيّن أن يكون اتصالك هُنا مع الرئيس”.
في المُقابل يرى خُصوم أردوغان، أن الرئيس التركي اشتهر بخطاباته الهُجوميّة التي سبق أن طالت إسرائيل خلال عُدوانها على غزّة وما تلاه من مُقاطعة، والسعوديّة خلال أزمة خاشقجي، والولايات المتحدة نفسها التي رفضت ولا تزال تسليمه فتح الله غولن، وها هو اليوم على وفاقٍ مع الجميع، والتعويل على شكل تلقين الولايات المتحدة درساً يكون بالأفعال، لا بالخطابات الناريّة التي تسبق الانتخابات الرئاسيّة، والبرلمانيّة، وتوظيف ذلك في التوقيت.
ومع هذا التوظيف السياسي كلّه الذي يتّبعه أردوغان، يتوقّف مراقبون عند مدى جديّة الإدارة الأمريكيّة في التدخّل في الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة القادمة، وتحديدًا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث للأخير مُقابلة أجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” حين كان مُرشّحاً ديمقراطيّاً للرئاسة، حيث وصف حينها أردوغان بالمُستبد، مُؤكّدًا أن على واشنطن أن تُحمّس قادة المُعارضة التركيّة حتى يستطيعوا مُواجهة أردوغان وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل عبر العمليّة الانتخابيّة، فهل تكون العمليّة الانتخابيّة القادمة في تركيا هي التي قصدها بايدن، أم أن وعود الأخير الانتخابيّة تبخّرت جميعها، وما فعله مع السعوديّة واستجدائها لزيادة الإنتاج النفطي رغم توعّده لها قبل وصوله البيت الأبيض.
ولا تتعامل المُعارضة التركيّة فيما يبدو مع مسألة الدعم الأمريكي لها للفوز بالانتخابات القادمة بقلق، فهي أساساً قدّمت برنامجها الانتخابي على أساسٍ مُنضبط، ومُنفتح على الغرب، ومُحايد مع روسيا، كما أنها لم تُبرّر أو تنفي حتى كتابة هذه السطور، لقاءات جمعت قياداتها مع مسؤولين أمريكيين.
وكما يُحاول أردوغان الإيحاء بأن خسارته ستكون بسبب الدّعم الأمريكي لمُنافسه الأبزر “العلماني” كمال كليتشدار أوغلو، كانت المُعارضة التركيّة أيضاً انتقدت أو ارتكزت على مسألة رهن البلاد لقطر واستثماراتها، أهمها بيع مصنع الدبابات لقطر، واعتبارها مبيعات أو خصخصة، كان برّرها الحزب الحاكم بأنها نقل لحقوق التشغيل، وهو الأمر الذي كان اعتبره مرشّح المُعارضة كمال كليتشدار أوغلو “هديّة” لقطر، مُضيفاً أن أكبر مصنع لدى القوات المسلحة التركيّة وتبلغ قيمته 20 مليار دولار، تم تسليمه للجيش القطري بدون أي تكلفة.
هذا الدعم الأمريكي المُفترض لزعيم المُعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة، يطرح تساؤلات فيما إذا كانت دول خليجيّة مثل قطر مُتحالفة مع أردوغان، إلى جانب السعوديّة، والإمارات (وديعة سعوديّة بخمسة مليارات دولار في البنك المركزي، وسبقتها الإمارات باتفاقيات وودائع وصلت العام الماضي إلى 18 مليار درهم)، ستقف على الضفّة المُقابلة إلى جانب أردوغان، وتدعم فوزه، ليس حُبّاً بأردوغان نفسه لعلّه، ولكن مُناكفة بواشنطن، وإدارة بايدن، وبعد صفعة الاتفاق للأخير مع إيران برعايةٍ صينيّة، تساؤلٌ مطروح.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية