هل تمهد الحكومة المصرية لضربة عسكرية لمنع اكتمال سد النهضة مع اقتراب موعد ملء خزاناته؟ ولماذا يعتقد الكثيرون ان رسالتها الى أعضاء مجلس الامن الدولي تبرئة للذمة واسقاط أي لوم وبمثابة الإنذار الأخير؟

 

في ذروة انشغال العالم في مكافحة فيروس كورونا، ومحاولة تقليص الخسائر الناجمة عن انتشاره، بشريا، واقتصاديا، وقبل أسابيع معدودة من بدء اثيوبيا في ملء خزانات سد النهضة في مطلع تموز (يوليو) المقبل، بعث السيد سامح شكري، وزير خارجية مصر، رسالة الى الأعضاء الدائمين، والمؤقتين في مجلس الامن الدولي يشرح فيها تطورات ازمة سد النهضة، والجهود التي بذلتها السلطات المصرية لإيجاد حلول سلمية لها، والتحذير من خطورة استمرار حالة الجمود الراهنة.

هذه الخطوة الدبلوماسية المصرية التي جاءت بعد انهيار المفاوضات الثلاثية (مصر والسودان واثيوبيا) التي رعتها الإدارة الامريكية وصندوق النقد الدولي، قبل ثلاثة اشهر، وتمخضت عن مشروع اتفاق وقعه وزير الخارجية المصري، بينما رفضته اثيوبيا التي قاطعت الجلسة الختامية، وتحفظ عليه وزير الخارجية السوداني، هذه الخطوة اثارت العديد من علامات الاستفهام حول معانيها وتوقيتها، وما يمكن ان يترتب عليها من سيناريوهات مستقبلية.

التفسير الأكثر رواجا في مصر، وربما الأكثر منطقية أيضا، يقول ان السلطات المصرية، وبعدما طرقت كل الأبواب، ورحبت بكل الوساطات، الامريكية والروسية والافريقية، بدأ صبرها ينفذ، ووصل احباطها الى ذروتها، وباتت في وضع لا يمكنها من تحمل حالة الفراغ والجمود الحالية مع اقتراب اثيوبيا من فرض استراتيجية الامر الواضع، التي تتبعها منذ بدء الازمة، واعتبارها هذا السد، ومياه النيل الأزرق، وموعد ملء الخزان والفترة الزمنية اللازمة، كلها قضايا سيادية اثيوبية غير مسموح لاحد التدخل فيها.

***

مسؤول مصري سابق قال لـ”راي اليوم” انه على درجة عالية من القناعة “ان الحكومة المصرية، ارادت من خلال هذه الخطوة الدبلوماسية، أي ارسال تلك الرسالة الى مجلس الامن، تبرئة ذمتها، قبل الاقدام على خياراتها الأخرى، وقد يكون على رأسها “الخيار العسكري” لوقف بناء السد وملء خزاناته، وحماية امنها المائي، واكثر من خمسة ملايين فلاح مصري قد يجوعون في حال نقص كميات المياه بفعل هذا “العدوان” الاثيوبي الاستفزازي المتغطرس”.

من المستبعد ان تشهد الأسابيع القليلة الباقية، وقبل اقدام اثيوبيا على ملء خزانات مياه السد بأكثر من 74 مليار متر مكعب من المياه في غضون ثلاث سنوات، التوصل الى اختراق دبلوماسي يمنع شبح الحرب، فالهوة واسعة بين الموقفين الاثيوبي والمصري، فاثيوبيا تصر على تقليص كمية المياه من النيل الأزرق الذي توجد منابعه في مرتفعاتها من 46 مليار متر مكعب حسب الطلب المصري الى 31 مليار متر مكعب فقط وفي اطار جدول زمني مقداره 3 سنوات (مصر تريد 7 سنوات على الأقل وبكمية سنوية في حدود 46 مليار متر مكعب)، وترددت انباء ان اثيوبيا رفضت حلا أمريكيا وسطا في حدود 37 مليار متر مكعب سنويا وعلى مدة ست سنوات او اكثر قليلا، وورد هذا الحل في وثائق مشروع الاتفاق الذي رفضته اثيوبيا.

الإنذار المصري المبطن الذي حملته الرسالة الى أعضاء مجلس الامن الدولي بطريقة غير مباشرة، ويضعهم امام مسؤولياتهم في حفظ امن العالم واستقراره، يقول ان هناك خيارين امامهم لإنقاذ الموقف، وتطويق الازمة قبل انفجارها بما لا يحمد عقباه:

الأول: توقيع اثيوبيا على مشروع الاتفاق الذي صاغته الإدارة الامريكية وباركه صندوق النقد الدولي، ووقعته مصر بالأحرف الأولى، ويحدد كمية المياه الذاهبة الى مصر اثناء ملء الخزان، والمدة الزمنية المعقولة، حسب المقولة “لا ضرر ولا ضرار”.

الثاني: اقدام مصر، التي ستكون في حل من أي مسؤولية او لوم اذا تعذر حل اللحظة الأخيرة، على كل الخطوات الممكنة لمنع اكمال بناء السد وملء خزاناته والحفاظ على حقوقها المائية المشروعة بما في ذلك استخدام القوة.

هذا الخطاب الدبلوماسي المصري “المهذب” قد يكون الأخير الذي يسبق الضربة العسكرية مثلما قال لـ”راي اليوم” اكثر من مسؤول مصري ومدني خارج السلطة حاليا، ولكنهم غير بعيدين عن دوائر صنع القرار، ومعرفة المزاج الرسمي الحالي.

الروح السائدة في مصر حاليا، هي روح “قتالية” بعد ان غسل الرئيس ترامب يديه من الازمة، وسلم الملف لتل ابيب حليفة اديس ابابا وداعمتها الرئيسية، ووصول دائرة صنع القرار في مصر الى قناعة راسخة بأن اثيوبيا قد تستغل انشغال العالم بوباء كورونا للمضي قدما في خططها، وفرض شروطها كاملة.

يجادل المسؤولون الاثيوبيون بأن المضي قدما ببناء السد وملء خزاناته وفق شروطهم أصبحت مطلبا شعبيا لا يستطيعون مخالفته خاصة في ظل اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، ويقولون ان 70 بالمئة من الشعب الاثيوبي لا يعرف الكهرباء، وان الخزينة الاثيوبية بحاجة ماسة الى عوائد تصدير كميات الكهرباء الفائضة التي ستولدها مولدات السد في ظل الانكماش الاقتصادي الناجم عن سياسات الاغلاق بسبب فيروس كورونا، واذا أقدمت مصر على قصف سد النهضة المحمي بمنظومات صواريخ دفاعية إسرائيلية، سنرد بقصف السد العالي، أي “سد مقابل سد”.

دبلوماسي بريطاني خبير في الشؤون المصرية، وعاش بحكم عمله سنوات طويلة في القاهرة، لخص الموقف في كلمات معدودة:

هناك خياران لا ثالث لهما امام الرئيس عبد الفتاح السيسي:

الأول: ان يدخل التاريخ كزعيم فرط بحقوق مصر المشروعة في مياه نهر النيل وجوّع الملايين من المصريين بالتالي، اذا قبل بهذا التهديد الوجودي لبلاده.

الثاني: ان يدخل التاريخ كقائد وزعيم، احبط عدوانا اثيوبيا يريد حرمان مصر من هذا الحق المشروع الذي امتد لملايين السنين دون السماح بأي مساس به او تغيير.

***

عندما سئل هذا الدبلوماسي الذي يحاضر في واحدة من كبريات الجامعات البريطانية عن توقعاته في هذا الميدان بحكم خبرته، واي الخيارات التي قد يختارها الرئيس السيسي، لم يتردد في القول، ووفقا لتقاليد في الدهاء البريطاني، الرئيس السيسي ابن المؤسسة العسكرية، والذي يحظى بدعمها، من المستبعد ان يقدم على الخيار الأول، والباقي متروك لفهمكم.

مصر تواجه حاليا ازمتين: الأولى وباء الكورونا، والثانية تحد وجودي اكثر خطورة اسمه سد النهضة، والمسؤولون المصريون في حالة قلق شديد ورجال المؤسسة العسكرية منهم خصوصا، ولهذا فالأسابيع المقبلة قد تشهد قرارات مصيرية مؤلمة، لأنه لا يمكن، بل لا يجب، ان يجوع الشعب المصري ويتهدد امنه القومي المائي.. والايام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى