مكاشفات

هل تنجح استراتيجيّة ” حماية الأقليات” الصهيونيّة بتقسيم سوريا؟

د. محمد الحوراني

لم يكن غريبًا على الكيان الصهيونيّ اللجوء إلى ترويج حماية ” الأقليّات” في سوريا في لحظةٍ من أدقّ وأحرج اللحظات التي يعيشها هذا البلد، وذلك انطلاقاً من الرغبة الصهيونية القديمة المتجدّدة بإضعاف الحكم في سورية وجرّها إلى مستنقع الحرب الأهليّة والاقتتال الداخلي لتسهيل شرذمة المجتمع السوريّ ودفع البلاد نحو هاوية التقسيم من خلال ضرب الوحدة والتماسك المجتمعيّ وإعلاء الخطاب الطائفيّ والعرقيّ، وهي استراتيجيّة تمّ الاشتغال عليها منذ زمنٍ بعيد وحاول ” دافيد بن غوريون” تكريسها من خلال ” حلف الأقليّات” من خلال استغلال مخاوف بعض المكوّنات الدينيّة والعرقيّة هنا وهناك، تماماً كما حدث في خمسينيّات القرن المنصرم من خلال إقامة دولة مسيحيّة في لبنان بتأسيس مليشيات مدعومة من الكيان وكذلك محاولة إقامة دولة عرقيّة في هذا البلد أو ذاك، وذلك من خلال استغلال الأوضاع الهشّة والسعي لتحقيق المآرب الصهيونيّة الدنيئة التي تتبنّى خطاباً إنسانيّاً في الظاهر، إلا أنّ هذا الخطاب المشفوع بتحرّكات سياسيّة وعسكريّ يخفي في داخله أهدافاً استراتيجيّة عميقة تتمثّل بتعزيز النفوذ الجغرافيّ وتأمين المصالح الأمنيّة وتأمين الموارد الاستراتيجيّة مثل الطاقة والمياه من خلال التقسيم وإقامة دويلات وكانتونات هشّة تخدم المصلحة الصهيونيّة ومصالح بعض الدول الأخرى التي لاتهتمّ إلا بمصالحها الضيّقة حتّى وإن تحقّق على بحر من الدماء،

هذه الرغبة الصهيونيّة القديمة المتجدّدة ليست خيالاً أو تكهّنات وإنّما هي حقائق دامغة تقوم على معلومات مؤكّدة من تقارير غربيّة لم يكن آخرها مانشره موقع ” ميدل إيست” من مقال لرئيس تحريره ” دافيد هيرست” في هذا الشأن، وهو ما أكّدته صحيفة ” وول ستريت جورنال” الأمريكيّة في تقرير تحدّث عن ضغط صهيونيّ كبير على القوى العالمية بشأن جعل الدولة الجديدة الناشئة في سوريا نظاماً فيدرالياً مع الإبقاء على المناطق الحدوديّة الجنوبيّة المجاورة لفلسطين المحتلة منزوعة السلاح، وذلك تحت حجّة أن النظام الجديد القائم في دمشق يشكل تهديداً للكيان الصهيونيّ حسب ما أوردته الصحيفة الأمريكيّة في تقريرها المنشور بتاريخ ٥ – ٣- ٢٠٢٥.

ومع أن الكيان الصهيونيّ يملك من القدرات العسكريّة والاستخباراتيّة والماليّة ما يمتلكه، إلّا أن الشعب السوريّ قادر بما يملكه، من وعي وحكمة وحرص على وحدة أراضيه واستقرار دولته، على إفشال المشاريع والمؤامرات الخارجيّة الرامية إلى النيل من وحدته وتضامنه، وتغليب المصلحة العامّة والمشتركة لجميع أبناء الشعب السوريّ على غيرها من المصالح الخارجيّة الضيّقة والتي من شأنها أن تدمّر الدولة والمجتمع السوريّ.

الذي يتعرّض اليوم إلى واحدة من أخطر المراحل التي تعيشها سوريا في تاريخها، ومن شأنها أن تكون بداية لحرب أهليّة داخليّة تقود إلى تقسيم البلاد إذا لم تكن الحكمة والعقل والوعي أساساً في التعامل معها. ثمّة تدخلّات خارجيّة من قبل دولٍ لاتريد الخير لسوريا، ولكنّ حرص السوريّين على بلدهم وقيمهم وثقافتهم وتسامحهم يبقى هو الأساس والفيصل في بناء الدولة السوريّة الجديدة وتمكينها وهي دولة القانون والعدالة لكل السوريّين

إننا بأمس الحاجة اليوم إلى جهد جماعيّ فاعل لبناء الدولة الوطنيّة على أسس ديمقراطيّة سليمة وعلى قاعدة احترام حقوق الجميع ومشاركتهم في بناء دولتهم المستقبليّّة، بعيدا عن الخلافات التاريخية الممتدة لأكثر من ١٤٠٠ سنة، والتي لم تجلب إلّا الدمار والخراب للجميع.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى