هل تنجح واشنطن بإقناع حلفائها داخل سوريا وخارجها بجدوى الهدنة؟!

على الرغم من رفض بعض الجماعات المسلحة في سوريا الاتفاق الروسي – الأمريكي بشأن الهدنة، لا تزال موسكو متمسكة بالأمل في تنفيذ الاتفاق.

الكرملين وصف الهدنة في سوريا بأنها “هشة جدا”، لكنها تبعث على الأمل في توفير الظروف الملائمة للحوار السياسي. وانطلاقا من هذه الرؤية، فموسكو ترتكز إلى شفافية الجانب الأمريكي، وبالذات في تنفيذ التزاماته، التي أخذها على عاتقه منذ مطلع العام الجاري، ببذل الجهود للفصل بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية. كما تستند أيضا على معطيات ميدانية تفيد بانقسامات داخل قوى المعارضة من جهة، وفي صفوف الجماعات والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، وخلافات حادة بين بعض قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية. وبالتالي، ورغم تحذيرات موسكو من هشاشة “الهدنة”، إلا أنها تعوِّل على جهود الولايات المتحدة في إقناع أنصارها بالالتزام بما جاء في الاتفاقات الروسية – الأمريكية لتوفير ظروف ملائمة للبدء بتسوية سياسية، أو حتى للتمهيد من أجل استئناف الحوار. وفي الوقت نفسه، لا تزال موسكو ترى أن “الهدف الرئيسي حاليا هو أن ننتظر الفصل بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية.. وهي مهمة رئيسية ومن المستبعد إحراز أي تقدم إلى الأمام بدون تحقيق هذا الهدف”.

من الواضح أن هناك مماطلات، سواء من جانب واشنطن، أو من جانب حلفائها الذين يرون مصلحتهم إما في استمرار الحرب أو في بقاء الوضع كما هو عليه. ولذلك، فمن الممكن اعتبار رؤية الكرملين شكلا من أشكال المخاوف من انهيار الهدنة، أو القلق من تغلب “الصقور” من الأمريكيين وحلفائهم على الجناح المعتدل الذي يرغب ولو بدرجات معينة في تثبيت الهدنة والاستفادة المنطقية منها.

لكن المثير للتساؤلات هو أن يعتبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الاتفاق الروسي – الأمريكي حول الهدنة “آخر فرصة للحفاظ على وحدة أراضي سوريا”. لا أحد يدري بالضبط لمن يتم توجيه هذه الرسالة! هل يتم توجيهها إلى صقور واشنطن وحلفائهم، أم إلى موسكو، أم إلى دمشق؟ وبالتالي، من الصعب أن نفهم من كلمات كيري أنه يدافع عن “الاتفاق الروسي – الأمريكي”، لأن كيري نفسه هو الذي تساءل: “ما البديل؟ هل نريد بديلا يرفع حصيلة القتلى من 450 ألف إلى أكثر من ذلك؟ وكم ألف قتيل يمكن أن يكونوا ثمن السيطرة على حلب بالكامل؟ قصف عشوائي من قبل الأسد وروسيا يتواصل لأيام على التوالي، بينما نجلس هنا مكتوفي الأيدي!”.

كلمات كيري تحمل أكثر من وجه، خاصة وأنه لا يتحدث عن عمليات التحالف بقيادة واشنطن، ويقصر “القصف العشوائي” على موسكو ودمشق فقط، وكأن قوات التحالف تستخدم أقنعة ونظارات خاصة “لاصطياد” الإرهابيين والمتطرفين من دون قصف وإيقاع إصابات وكوارث في صفوف المدنيين.

ويقول الوزير الأمريكي أنه وفي حال الفشل في تحقيق وقف إطلاق النار والوصول إلى طاولة التفاوض، ستزداد حدة الاقتتال بقدر كبير”. هذا التصريح يأتي على خلفية الأنباء برفض تنظيمات وجماعات لتلك الهدنة، وتحفظ البعض الآخر عليها، وانتهاك الهدنة في حالات ليست قليلة.

وإذا كان وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر يتم تصنيفه من الصقور بسبب تصريحاته المتطرفة والحادة حول الأزمة السورية عموما، وبشأن العمليات العسكرية الروسية، وإصراره على التشكيك في جدوى الاتفاق الروسي – الأمريكي، والدعوة إلى عدم “الوثوق” بموسكو أو دمشق، أو كلاهما، فهذه التصريحات ليست جديدة لا من كارتر ولا من قادة حلف الناتو، ولا حتى من صقور البيت الأبيض وحلفائهم الإقليميين.

على الرغم من دبلوماسية تصريحات كيري، إلا أنها تحمل أكثر من وجه. وإذا وضعناها إلى جانب تصريحات دبلوماسية أخرى لحلفاء واشنطن، وإلى جانب تصريحات كارتر وبقية الصقور، قد نحصل على مشهد شبيه بلعبة “الكراسي الموسيقية” التي تهدف إلى إطالة أمد الأزمة لتحقيق أهداف أخرى تماما غير المعلن عنها. وإلا كيف يمكن أن نفهم تصريحات جون كيري بأن “وتيرة الضربات التي تتعرض لها المعارضة من قبل الأسد والروس ستدفعهم إلى أحضان النصرة وداعش. وسنرى تنامي النزاعات المتطرفة في صفوفهم”. فهل قوات التحالف تقف صامتة ومكتوفة الأيدي فعلا؟ وهل ضربات موسكو ودمشق هي التي تخلق التطرف والإرهاب، بينما ضربات التحالف تنزل بردا وسلاما؟

في الحقيقة، ورغم كل المماطلات والتسويفات، فإن موسكو تعول على رجاحة العقل والرأي السديد في التعامل مع الأزمة بشكل عام، ومع الهدنة القائمة بشكل خاص، لأن ذلك سيقود إلى تحقيق الهدف التالي، الذي تم الاتفاق عليه بين لافروف وكيري حول تثبيت الهدنة وتوفير الظروف الملائمة للبدء في التسوية. ولذلك لم يكن طلب لافروف بالإعلان عن مضمون الوثائق الخمس للرأي العام مجرد رفاهية، وإنما ضرورة. وهو ما ينطبق أيضا على توثيق هذه الوثائق في الأمم المتحدة واعتبارها وثائق واجبة التنفيذ. ولكن الجانب الأمريكي يرفض لاسباب كثيرة، منها “حساسية الوثائق”، ومنها “الحفاظ على الأسرار بسبب وجود أطراف كثيرة تعمل على إفساد الهدنة”..

لقد لخَّص مصدر في الخارجية الروسية الأمر بأنه “لا توجد لدى موسكو وواشنطن قضايا خلافية بخصوص محاربة داعش، لكن هناك مشاكل كبيرة في مسألة الفصل بين المعارضة والنصرة”. ومن جهة أخرى أكد على أن “محاربة تنظيم داعش بشكل مشترك لم يناقش قط من قبل روسيا والولايات المتحدة، وليس موضوع لأي اتفاقيات مع واشنطن”. وانتهى إلى أن “موسكو مصممة على إطلاع الدول الأخرى على الاتفاقية الروسية – الأمريكية حول سوريا”. ويبدو أن هناك حوار قائم حول كيفية الإعلان عن هذه الوثائق، لأن مصدر الخارجية الروسية قال إن “موسكو وواشنطن ستطلعان شركائهما على الاتفاقيات التي تم التوصل اليها حول سوريا، وقد يتم عقد لقاء صحفي في مجلس الأمن من أجل هذا الغرض”.

في هذه الحالة، قد تتقدم واشنطن خطوة إلى الأمام بشأن التفاهم مع حلفائها الإقليمين، والآخرين على الأراضي السورية. وقد تنجح في إقناعهم بما ورد في الوثائق الخمس بينها وبين موسكو. ولكن إذا فشلت واشنطن، فإن ذلك يدفع للمزيد من التطرف والإرهاب وتوسيع رقعة المواجهات. وهو ما يسعى إليه صقور الإدارة الأمريكية وحلفاؤهم الإقليميون.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى