هل توجيه ضرَبات صاروخيّة لتدمير مُنشآتٍ نفطيّةٍ هو أحد خِيارات ترامب الانتقاميّة؟

 

أن يعرِض العقيد الركن تركي المالكي المُتحدّث باسم وزارة الدفاع السعوديّة (وليس التّحالف العربي)، صُورًا لأسلحةٍ وبقايا صواريخ باليستيّة، وطائرات مُسيّرة في مُؤتمر صحافي لتأكيد اتّهام حُكومته بوقوف إيران خلف الهُجوم الذي استهدف مُنشآت نفطيّة في بقيق وخريص تُشكّل أكبر تجمّع لمُعالجة النّفط والغاز في العالم، فهذا يعني وللوهلة الأُولى التّمهيد، بل التّحريض على ردٍّ أمريكيّ انتقاميّ على هذا الهُجوم ما زالَ غير مُؤكّد حتى كتابة هذه السّطور.

العقيد المالكي وفي مُؤتمره الصّحافي الذي جرى بثّه في عدّة قنوات تلفزيونيّة على الهواء مُباشرة، أكّد في عرضه المدعوم بالصّور والخرائط البيانيّة التّصنيع الإيراني لهذه الطّائرات والصّواريخ، ولكنّه لم يُحدّد الأراضي التي انطلقت منها، واكتفى بالقول إنّها جاءت من الشّمال وليس من الجنوب، أيّ ليس من اليمن، وهُناك دولتان في الشّمال القريب فقط، هُما إيران والعِراق، فهل هذا الدّليل كافٍ ومُقنع لإشعال الحرب في المِنطقة؟

النّقطة التي غابت عن المُؤتمر الصّحافي، وتتّسم بأهميّة كُبرى، هي كيفيّة وصول هذه الصّواريخ والمُسيّرات الـ 25 إلى أهدافها في مجمّع بقيق الذي يُعتبر عصب الصّناعة النّفطيّة السعوديّة دون أيّ رصد أو اعتراض في ظِل وجود رادارات حديثة جدًّا، ومنظومات صاروخيّة دفاعيّة (باتريوت) باهظة التّكاليف، بل وقواعد أمريكيّة مُجهّزة بأحدث المَعدّات وعلى بُعد بضعة كيلومترات (في البحرين وقطر والمُجاورتين)، ممّا يُؤكّد المقولة التاريخيّة للرئيس حسني مبارك “المتغطّي بالأمريكان عريان”.

الإيرانيّون نفَوا رسميًّا هذه الاتّهامات السعوديّة ومن قبلها الأمريكيّة، وبعثوا بهذا النّفي إلى الإدارة الأمريكيّة عبر السّفارة السويسريّة في طِهران التي ترعى المصالح الإيرانيّة والأمريكيّة مرفوقًا بتهديدٍ “برد سيكون قاسيًا وفوريًّا على أيِّ عُدوانٍ مُحتملٍ ضدّها”، مُؤكّدةً “أنّ الرّد في حال تنفيذه لن يقتصر على مصدر التّهديد فقط”.

هُناك أربعة خِيارات أمام الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب في حالِ اتّخاذه قرارًا بالانتِقام على هذا الهُجوم الإيراني المُفترض انتقامًا وحمايةً لحُلفائه السعوديين:

الأوّل: ضربات عسكريّة صاروخيّة “جراحيّة” على مُنشآتٍ نفطيّةٍ في العُمق الإيراني تُحدِث شلَلًا في الصّناعة النفطيّة الإيرانيّة.

الثاني: قصف مواقع للحشد الشعبي العِراقي التي لمّح المتحدّث العسكريّ السعوديّ بأنّ الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة انطَلقت منها.

الثالث: شنُّ هجومٍ “سبراني”، أيّ إلكترونيّ على بعض المُؤسّسات الحيويّة الإيرانيّة لتَعطيلها مِثل محطّات الكهرباء والماء والمُنشآت النوويّة.

الرابع: فرض حُزمةٍ جديدةٍ من العُقوبات الاقتصاديّة.

يصعُب علينا ترجيح أيّ من هذهِ الخِيارات الأربعة، أو استبعاد أيٍّ منها، فكُل خِيار له “لوبي” داخِل الإدارة الأمريكيّة يُروّج له ويضغَط من أجلِ تبنّيه وعلينا أن نتذكّر أن ترامب لم يرُد على إسقاط إيران لطائرته المُسيّرة، ولم يَحُم الناقلة البريطانيّة في الخليج التي احتجزتها إيران، وكانت على بُعد أمتار من بوارِجه العسكريّة.

فالمُعسكر الذي يضُم النائب لينزي غراهام، المُقرّب من ترامب، يُحرّض على ضرباتٍ عسكريّةٍ، ويُؤيّده في هذا الإطار مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكيّ، وأغضب غراهام ترامب عندما وصَف الهُجوم على المُنشآت النفطيّة السعوديّة بأنّه “عمل حربي” يُحتّم الرّد عليه لإعادة الرّدع الذي فقَدته أمريكا بعدم ردّها على إسقاط الطائرة الأمريكيّة المُسيّرة فوق مضيق هرمز، وجرى تفسيره (أيّ عدم الرّد) على أنّه دليلُ ضعف، فرد ترامب غاضبًا في تغريدةٍ بأنّ عدم الرّد كان دليل قُوّة، ممّا أثار سُخرية الكثيرين ونحنُ منهم.

وزير الدفاع البريطاني السّابق، وليم فوكس، لا يستبعِد العمل العسكريّ ضِد إيران أيضًا، بينما حرِص رئيس الوزراء بوريس جونسون على ضرورة أن يكون هذا الرّد جماعيًّا بعد اجتماعه بالمُستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل.

هُناك عدّة مُؤشّرات تُؤكّد بأنّ ترامب لا يُريد أيّ مُواجهة عسكريّة مع إيران في الوقت الرّاهن على الأقل، والدّليل ميله للتريّث، وتجنّب العواقب، ففي عام 2017 أرسل أكثر من مئة صاروخ كروز لضرب مطار “الشعيرات” السوري بعد يومين من اتّهام الحُكومة السوريّة باستخدام غازات سامّة ضِد المُعارضة في خان شيخون، ومرّت خمسة أيّام حتى الآن على هُجوم بقيق دون أيّ رد، ولو كانَ ترامب يُريد المُواجهة العسكريّة مع إيران لما طرَد جون بولتون، أبرز المُنادين بها.

ترامب كتاجر يُريد استغلال هذا الهُجوم لحلب عشَرات وربّما مِئات المِليارات من الدولارات من السعوديّة والإمارات، ولهذا أرسل وزير خارجيّته مايك بومبيو، وليس وزير دفاعه، إلى عاصمتيّ البَلدين، وإذا كان هُناك ردًّا عسكريًّا مُحتملًا، فإنّ مهمّة بومبيو ستكون التّفاوض أو الاتّفاق على ثمن الحِماية وكيفيّة الدّفع مُقدَّمًا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربّما يكون الرّابح الأكبر، فقد سارع بالاتّصال بوليّ العهد السعودي عارضًا خدماته، وصفقاته العسكريّة، أيّ صواريخ “إس 400″، وأُخرى مُتطوّرة وفاعلة لإسقاط المُسيّرات مع خصمٍ كبيرٍ، وتسهيلات مُيسّرة في الدّفع، ولسان حاله يقول: صواريخ “باتريوت” الأمريكيّة خذلتكم، فجرّبونا.

على القِيادات الخليجيّة التي تُراهن على ردٍّ عسكريٍّ أمريكي ضِد إيران أن تعود إلى الوراء قليلًا وتراجُع تصريحات ترامب في حملته الانتخابيّة قبل ثلاث سنوات، وتركيزه على “أمريكا أوّلًا”، وضرورة وقف فوري لإهدار الأرواح والمِليارات في العِراق وأفغانستان، وتأكيده لقادة كوريا الجنوبيّة وألمانيا بأنّه لا حماية أمريكيّة مجانيّة لهم ويجِب أن يدفعوا.

إذا صحّت الاتّهامات السعوديّة والأمريكيّة بوقوف إيران خلف الهُجوم على المُنشآت النفطيّة، فإنّنا لا نعتقِد أنّ الإيرانيين أقدموا على هذه الخُطوة دون دراسة لكُل السّيناريوهات المُحتملة، وخاصّةً الرّد الانتقاميّ الأمريكيّ، ولذلك فإنّ الرّد على هذا الرّد، قد يكون “مُؤلمًا” ويشمل كُل القواعد الأمريكيّة في الخليج، والقاعدة الأكبر إسرائيل، إلى جانب المُنشآت والآبار النفطيّة، ومحطّات الكهرباء والماء.

الأُمم المتحدة أكّدت أنّ لدى الحوثيين الذين أعلنوا مسؤوليّتهم عن هُجوم بقيق طائرات مُسيّرة بإمكانها الطّيران لضرب أهداف على بُعد 1200 إلى 1300 كم، واستبعاد قُدراتهم هذه ربّما لا يجِد أيّ صدىً في مجلس الأمن الدولي عندما يُناقش هذه المسألة في المُستقبل المنظور.

خِتامًا نقول أنّ الإيرانيين إذا هدّدوا نفّذوا، ويعيشون حاليًّا مِزاجًا انتحاريًّا استشهاديًّا، ولن يموتوا جُوعًا لوحدهم، تحتِ الحِصار، وعندما يقولون إنّهم لن يسمحوا بمُرور أيّ برميل للنّفط عبر مضيق هرمز إذا جرى منع براميلهم، فهذا تَحذيرٌ يجِب أن يُؤخَذ بعينِ الاعتبار.

الرّد على هُجوم بقيق، وباختصارٍ شديدٍ، لا يجِب أن يكون بضرباتٍ عسكريّةٍ مُماثلةٍ، وإنّما برفع الحِصار، والعودة إلى الاتّفاق النووي، ووقف الحرب في اليمن، وسَحب القوّات كُلِّيًّا.. ومن يقول غير ذلك لا يعرِف اليمنيين، ولا الإيرانيين، ولا حتّى الأمريكيين.. والأيّام بيننا.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى