هل تُنقذ التسهيلات رأس إسرائيل من الضربات؟

تعيش دولة الاحتلال الإسرائيلي، بكل أجهزتها الأمنية، حالة من القلق والتوتر غير المسبوق، خشية من تطور الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، واشتعالها من جديد ي حدث أمني بسببسبب التوترات الأخيرة المشحونة التي تدفع جميعها نحو “الانفجار الكبير”.
إسرائيل وبعد فشلها باستخدام ورقتي “التهديد والضغط” في إحداث أي تغيير بمعالم الغضب الفلسطيني الظاهرة، التي بدأت شرارته تنطلق في كل مكان، وكان آخرها عملية بئر السبع البطولية التي أسفرت عن مقتل وإصابة 6 إسرائيليين وكانت هزة أمنية كبيرة للاحتلال، لجأت لحيلة أخرى وهي الورقة الأخيرة التي في جعبتها علها تنجح على الأقل في تأخير “ساعة الصفر”.
“التسهيلات الاقتصادية” هي الجملة الأحدث والأكثر انتشارًا التي تتناقلها وسائل الإعلام العبرية خلال الساعات الماضية، كأنها ورقة مساومة جديدة تُطرح على الفلسطينيين لرفع يد المقاومة عن الزناد، فيما يتغنى عدد كبير من المسئولين الإسرائيليين بهذه الورقة، التي في نظرهم يمكن أن تؤجل المواجهات أو تضع بعض الماء على الغضب الفلسطيني المشتعل.
ويحاول الاحتلال تجنّب تفجر الأوضاع، ولأجل ذلك قام قادته ومن بينهم رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الحرب بيني غانتس، بزيارات عدة إلى الولايات المتحدة، والأردن، والإمارات، ومصر، في محاولة لدفعها للعمل على تجنب اشتعال الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الورقة الخبيثة
وبهدف نزع فتيل الانفجار، خوفاً من تكرار سيناريو رمضان الماضي الذي شهد “هبة القدس”، فقد تحدثت سلطات الاحتلال عن العديد من الإجراءات للتهدئة في الضفة وغزة والقدس، من بينها السماح للصلاة في رمضان دون قيود، ورفع الحواجز من ساحة باب العمود وعن أبواب الأقصى، والسماح لأعمار مختلفة بالصلاة في الأقصى، إضافة إلى السماح بزيارات ذوي أسرى “فتح” من غزة، ووضع برنامج زيارات للعائلات في العيد بين الضفة وغزة والداخل المحتل بواسطة تصاريح خاصة.
ومن ضمن هذه التسهيلات المفاجئة، تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل ستعلن عن تسهيلات دراماتيكية جديدة لسكان قطاع غزة، وتزيد حصة العمال من 12 ألف كما أعلنت قبل أسبوعين، إلى 20 ألف.
وبحسب الصحيفة، فإن حكومة الاحتلال ستصادق الأحد المقبل على خطة وزير الحرب بيني غانتس، لزيادة عدد العمال الذين يدخلون غزة بشكل كبير في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وذلك بهدف تحسين الرفاهية الاقتصادية للعوائل في غزة.
وبعد عملية سيف القدس في مايو / أيار الماضي، قرر المستوى السياسي الإسرائيلي بناءً على توصية من الجيش ومنسق العمليات الحكومية بزيادة حصة العمال من 7 إلى 10 آلاف، ومؤخرًا تم زيادتها إلى 12 ألف.
وتقول الصحيفة “الطريق إلى السلام يمر عبر الاقتصاد .. من الواضح حتى الآن أن المخاطرة كانت صحيحة، فقد أدى دخول العمال إلى تحسن الوضع الاقتصادي في غزة، حيث أن كل عامل في مجال الزراعة أو البناء يتقاضى أكثر من 5000 شيكل في الشهر بل وأكثر، هذا هو 4 إلى 5 أضعاف متوسط الأجر في غزة وهذا يؤثر على الرفاهية في قطاع غزة”.
وأشارت إلى أن عمال غزة في (إسرائيل) يؤثرون على الوضع بغزة من خلال تحسين ظروف معيشة عوائلهم، حيث يقدر جيش الاحتلال (الإسرائيلي) أن العامل الفلسطيني يكسب حوالي 8 آلاف شيكل شهريًا، بينما متوسط الأجر في غزة يصل إلى 1200 فقط، ومعدل البطالة يصل إلى 50%.
وتضيف الصحيفة “عشرات الملايين من الشواقل التي يجلبها عمال غزة من إسرائيل إلى قطاع غزة كل شهر تدفع بالاقتصاد الضعيف وتغير الواقع الذي كان في القطاع عشية عملية مايو الماضي، ويمكن لمؤسسة الدفاع أن تقول إن لدى حماس وأهالي غزة ما يخسرونه في الصراع العنيف ضد إسرائيل”. وفق تعبيرها.
وتماشيًا منع التخوفات الإسرائيلية، حذرت وثيقة أمنية من تفجر الأوضاع بالأراضي الفلسطينية مطلع شهر رمضان المقبل، والوثيقة عبارة عن رسالة بعث بها قائد ما يسمى فرقة “يهودا والسامرة” (الاسم التوراتي للضفة الغربية) بالجيش الإسرائيلي العميد “آفي بلوت” للقادة العسكريين، ونشرتها قناة “كان” الرسمية.
وقال بلوت: “مواد الاشتعال موجودة بالفعل، ينقصها فقط عود ثقاب لإشعال المنطقة برمتها”.
وأضاف: “الموعد النهائي – بداية شهر رمضان، هذا هدف لقوات الجيش الإسرائيلي حيث من المفترض أن يكونوا جاهزين”، متوقعاً أن “يكون التصعيد القادم مختلفاً عن سابقيه.
وتشهد الضفة الغربية المحتلة، توتراً متزايداً بسبب ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين.
واندلع التصعيد الأخير الأكبر في رمضان العام الماضي، على خلفية اقتحامات شرطة الاحتلال للمسجد الأقصى، ما فجّر الأوضاع في القدس والضفة الغربية والمدن العربية المختلطة داخل كيان الاحتلال، وقاد إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة استمرت 11 يوما وانتهت بوساطة مصرية.
–انفجار الغضب الفلسطيني
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، أكد أن هناك مخاوف إسرائيلية من اندلاع مواجهة خلال شهر رمضان، وقال في حديثه لقناة الأقصى، إن الوضع الفلسطيني مهيئ لمواجهة مع الاحتلال لاسيما في ظل الجرأة الكبيرة لدى الشباب الفلسطيني في الضفة المحتلة بمواجهة قوات الاحتلال من نقطة صفر، مشيرًا إلى أن عملية بئر السبع البطولية تُعبر عن حالة الغضب التي يعيشها شعبنا الفلسطيني بسبب الاحتلال، الذي يخشى اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.
وتابع خريشة الاحتلال يعتقل الفلسطينيين المؤثرين في الضفة والقدس لأنه يعلم أنهم وقود أي انتفاضة قادمة، لافتًا إلى أن هناك التفافاً شعبياً فلسطينياً حول قضية الأسرى، والاحتلال رضخ لمطالبهم.
حول وضع السلطة برام الله، أكد خريشة أنها تعيش في عزلة عن الشعب والمقاومة، والاحتلال يقدم لها رشاوي اقتصادية لتساعده في منع أي انتفاضة فلسطينية قادمة، مشددًا على أن لقاءات السلطة مع قادة الاحتلال تأتي لتعزيز التنسيق الأمني في تعزيز ذات الهدف ولمنع اندلاع أي انتفاضة قادمة.
من جانبه الكاتب السياسي ورئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس، أحمد رفيق عوض، أشار إلى أن الاحتلال غير معني بانفجار الوضع في القدس ولا في الضفة الغربية، لأسباب كثيرة، منها ارتباط غزة بالقدس ما شكل معادلة جديدة.
وأكد عوض أن إسرائيل تعاني من ارتباك بين المستوى السياسي والأمني، والأخير يدرك تماماً أن الأوضاع في الضفة الغربية والقدس قابلة للانفجار، ولكن المستوى السياسي يريد استغلال الأوضاع لأجل البقاء في السلطة، وهذا يظهر تعارضا بين المستويين لدى الاحتلال”.
وقال: “لأجل ذلك قدم الاحتلال “تسهيلات” مزعومة، وكأنه يتفضل علينا بحقوقنا”، معتبرا أن “ما يتحدث عنه الاحتلال من “تسهيلات” هو جزء من الفكر العنصري والاستعلائي الاحتلالي الذي يسعى الاحتلال إلى تسويقه لدى الغرب والعرب، بأن “تل أبيب” قامت بما عليها، وعلى باقي الأطراف القيام بتهدئة الأوضاع في الضفة والقدس”.
وكشف عوض عن “وجود طلب أمريكي وإقليمي بعدم انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة، لأن واشنطن تريد الهدوء، خاصة بعد أزمة أوكرانيا، كما أن الإدارة الأمريكية تريد أن تدعم السلطة الفلسطينية التي تعاني من ضعف كبير، بالتالي فإن انفجار الأوضاع ليس في مصلحة الإدارة الأمريكية وحساباتها المستقبلية”.
ولفت إلى أن ما يجري هو عملية “شراء وقت”، لأن ما يتحدث عنه الاحتلال ليس حلولاً حقيقية، بل التفاف على المشكلة، ومحاولة تبريد الأوضاع، منوهاً إلى أن “إسرائيل” طلبت من أطراف مختلفة تهدئة الأوضاع، في ظل استمرار قتل الاحتلال للفلسطينيين وهدم منازلهم واقتحام الأقصى واستمرار حملات الاعتقال، وكل هذه الأمور تجعل الأوضاع قابلة للانفجار.
وحول احتمالية انفجار الأوضاع خلال شهر رمضان المقبل، قال عوض إن هذه الاحتمالية واردة وقائمة طالما وجد هذا الاحتلال على أرض فلسطين، حتى وإن أوقف ممارساته الإرهابية، إلا أن وجوده في فلسطين يستدعي المواجهة والمقاومة بكافة الأشكال.
وبيّن أن “لعبة الاحتلال مكشوفة تماماً”، لافتاً إلى أن “المقاومة الفلسطينية خلقت واقعاً جديداً، وأصبحت هناك حسابات جديدة للمحتل الذي لم يتوقع ردة فعلها في معركة سيف القدس خلال شهر رمضان الماضي”.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية