هل حَمّلت إيران أردوغان “صَفقةً” إلى الأردن تتضمّن سَحب قوّاتها من جَنوب سورية؟

لم تَكن العلاقات بين الأردن “الهاشمي” وتركيا “العُثمانيّة” جيّدةً طِوال المِئة عام الماضية، وإذا تحسّنت، وعاشت بعض “الهُدن” فإن هذا التحسّن يظل مُؤقّتًا لانخفاض مَنسوب الثّقة بين الجانبين لأسبابٍ تاريخيّةٍ ودينيّةٍ لا تَخفى على المتابع عن كَثب لهذا الملف وأعمدته السياسيّة الرئيسيّة، وليس هذا هو المكان المُلائم لطَرحها مُجدّدًا.

من مُنطلق هذه الخلفيّة، نتوقّف عند الزيارة المُفاجئة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الأردنية قبل بِضعة أيّام، والتي تتّسم بالغُموض، وتَطرح العَديد من علامات الاستفهام ما زالت تَنتظر تفسيرًا وتوضحيًا.

الرئيس أردوغان الذي استقبله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء زيارته المَذكورة، لم يُدلِ بأي تصريحاتٍ يُمكن أن تُسلّط الأضواء على أسبابِ هذه الزيارة، كما أن بيان الجانب الأردني الذي تحدّث عن تركّز المُحادثات بين الزّعيمين على سُبل تعزيز العلاقات بين البلدين في مُختلف المجالات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى التطوّرات التي تَشهدها منطقة الشرق الأوسط، كان عُموميًّا، وأضاف غُموضًا على هذه الزيارة، الغامضة أصلاً.

وكالة أنباء “ايكي” الإيطالية التي لم يَسمع عنها الكثيرون داخل الأردن وخارجه، إلا فيما ندر، نقلت عن مصادر أردنية، وُصفت بأنها ذات صلةٍ بالملف السوري، أن “الرئيس أردوغان نقل للعاهل الأردني رغبةً إيرانيّةً في الانسحاب من جنوبي سورية مُقابل أن يَضمن الأردن تشكيل هيئات إدارةٍ محليّةٍ هناك لا تتدخل فيها التنظيمات المُسلّحة”، وأضافت ” أن أردوغان جدّد للعاهل الأردني تمسّكه بضَرورة انسحاب كل القوّات العسكرية التّابعة والمُوالية لإيران من جنوبي وشمال سورية بالحَد الأدنى، أي من المناطق التي تُشرف على الأردن وتركيا”.

خبر الوكالة الإيطالية يَحمل في طيّاته الكَثير من التّناقض، فلماذا تقوم إيران بتحميل الرئيس أردوغان هذه الرّسالة إلى الأردن، ولها سفارة في العاصمة الأردنية، وإذا كانت تَبحث عن وسيط، فلماذا لا تكون روسيا مثلاً التي لها علاقة جيّدة مع الأردن، وشخصية قويّة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل الأردني؟

من يَشعر بالقلق من وجود قوّاتٍ إيرانية في جنوب سورية، وفي منطقة القنيطرة في مُواجهة هضبة الجولان المُحتلّة، هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي التي تُقيم علاقات جيّدة مع بعض الفصائل المُعارضة المُسلّحة في الجنوب السوري، وعالجت أكثر من 3500 من جَرحاها في مُستشفياتها، مُضافًا إلى ذلك أنها هي (إسرائيل) التي تلتقي مع أمريكا وتركيا في المُطالبة بسَحب أي قوّاتٍ إيرانية ليس من الجنوب السوري، بل ومن كل الأراضي السورية.

الرئيس أردوغان الذي يُعيد ترتيب أوراقه الإقليمية في المنطقة، والملف السوري تحديدًا، بات يَشعر أن رِهان حُكومته على سُقوط السلطة ورئيسها في دِمشق بات من الماضي، وأن خطر الكِيان الكُردي المُستقل الذي تَسعى الولايات المتحدة، وبتحريضٍ من إسرائيل، إلى إقامته على طُول الحُدود الشمالية السورية والعراقية مع تركيا إلى جانب الشمال الغربي الإيراني أيضًا، بات يَحظى بالأهميّة القُصوى بالنّسبة إلى الرئيس أردوغان، ويَحتل المَكان الأبرز على سُلّم أولويّاته، وهذا أمرٌ مَفهوم.

لا نَعتقد أن إيران تُريد سَحب قوّاتها ونُفوذها من جنوب سورية، لأن حِصار دولة الاحتلال الإسرائيلي من الشمال (جنوب لبنان)، والجنوب الشرقي (جبهة الجولان المُحتل)، بات يَحتل العمود الفقري في سياستها الإقليميّة الاستراتيجيّة، ومِثلما لَعبت دورًا كبيرًا إلى جانب الجيش والحَشد الشعبي العراقي، والغِطاء الجوّي الأمريكي، في إنهاء وجود قوّات “الدولة الإسلامية” في المُوصل والرمادي وتكريت والفلوجة، فإنّها ربّما تُواصل الهَدف نفسه في جنوب سورية بمُساعدة قوّات “حزب الله” والجيش السوري، وهذا ما يُفسّر عدم رضائها على التفاهمات الروسية الأمريكية التي تمثّلت في ضَم الجنوب السوري إلى مناطق تخفيف التوتّر.

خِتامًا نسأل، وعن عَمد، عن أسباب عدم تطوير الأردن وتطبيعه لعلاقاته مع إيران في وقتٍ تُعيد فيه قطر سفيرها إلى طهران، وتَفتح السعودية قنوات حوارٍ مع القيادة الإيرانية، وتُكرّم وفادة حُجّاجها؟ ولماذا يتلقّى الأردن رسائل من إيران عبر تركيا إذا صحّت التفسيرات السابقة لزيارة أردوغان الأخيرة لعمّان؟

نتمنّى أن نتلقّى إجابةً مُباشرةً أو غير مُباشرةٍ، من القيادة الأردنية حول هذه التساؤلات المَشروعة والمُلحّة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى