هل دبّرت واشنطن “تحالف الغدر”؟: كوشنر عرّاب حكومة نتنياهو- غانتس الجديدة وترامب باركها
لم يكن من الصعب رؤية أن الجنرال الإسرائيلي بيني غانتس باع ما كان ينادي به قبل الانتخابات الثالثة الأخيرة حول محاكمة رئيس حكومة تسيير الاعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منذ اليوم الذي حمله به الأخير معه إلى البيت الأبيض ليجلس مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويناقش معه صفقة القرن أو خطته للسلام.
في ذلك اليوم، والذي عمليا سبق اعلان ما يعرف بـ “صفقة القرن” بساعات، بدا أن كل شيء تم ترتيبه بحيث يخلف غانتس بصورة أو بأخرى رئيس الوزراء الأطول حكما للاسرائيليين نتنياهو، وبدا أن الجنرال الإسرائيلي السابق بات له دور في مستقبل السياسة الإسرائيلية وإدامة وتنفيذ ما يعرف بـ “صفقة القرن”.
في المقابل وبالضرورة بدا نتنياهو كحجر زاوية لا يريد ترامب التخلي عنه في خطته المقبلة، والتي تتضمن إقامة علاقات موسعة مع الدول العربية وهضم وجود إسرائيل في محيطها، وهو ما يبدو انه سيخضع لاحقاً لنوعٍ من تبادل الأدوار بين نتنياهو وغانتس بعدما اتفق الاخيران على تشكيل الحكومة وبعدما غدر غانتس بمن راهنوا عليه سواء في حزب “أزرق- أبيض” أو- وهو الأهم في هذا السياق- القائمة العربية المشتركة.
الأخيرة اليوم، تواجه حرجاً كبيرا جدا بعدما كانت السبب في نجاح غانتس برئاسة الكنيست وبعدما علّقت الكثير من الآمال عليه، في الوقت الذي يتحلل فيه الأخير من كل وعوده لصالح تحالف مع الأحزاب الأكثر يمينية ضمن تحالف الليكود وبالتالي خصم القائمة العربية، بنيامين نتنياهو.
بهذا المعنى وبعد دعمها لغانتس، وبدلا من تتحول لمقاعد مُعطّلة في الكنيست، تحولت القائمة المشتركة والتي حصدت 15 مقعدا لفلسطينيي الداخل، مطية للوصول لتحالف بين غانتس ونتنياهو، أو بين حزب “مناعة إسرائيل” الذي يقوده غانتس و”الليكود” الذي يقوده نتنياهو.
غانتس وبوضوح قطف ثمار الزيارة المذكورة لواشنطن، وهو ما أورده الزميل زهير اندراوس في تقرير له الاحد على “رأي اليوم” أيضاً إذ يقول “كشفت وسائل الإعلام العبريّة النقاب عن أنّه في الوقت الذي كان غانتس ينشر البيانات عن عدم استعداده للدخول في حكومة وحدةٍ وطنيّةٍ مع نتنياهو، في الوقت عينه كان يُجري مُفاوضاتٍ سريّةٍ مع نتنياهو شخصيًا لتشكيل الحكومة الجديدة، وأنّه أخفى هذه المعلومات عن شركائه في الحزب، علمًا أنّه قبل الانتخابات التي جرت في مطلع الشهر الجاري (آذار-مارس) عاد وأكّد في مُناسباتٍ عديدةٍ بأنّه لن يكون شريكًا في حكومةٍ يقودها نتنياهو، المُتهّم بعدّة ملفات جنائيّة في المحكمة المركزيّة في القدس الغربيّة، ولكنّه، بحسب المُحلِّلين نكث بوعوده الانتخابية وائتلف مع “غريمه” نتنياهو.”
وكان بيني غانتس عمليا أول مرشحٍ إسرائيلي معارض يلتقي سيد البيت الأبيض لا بل ويطلع على التنسيق المشترك بين نتنياهو وترامب والذي يبدو أكثر سرية من ان يطلع عليه سياسيو إسرائيل، ولعل التصويت الذي كان نتنياهو قد طالب به قبل الانتخابات لصالح منحه الحصانة ضد المحاكمة بتهم الفساد، ثم سحبه في اللحظات الأخيرة وبينما كان غانتس يعود لتل ابيب، خير دليل على “أمرٍ دُبّر بليل”، كما يقول المثل العربي.
“الطبخة” إذن تمت في البيت الأبيض، وغانتس يريد للجنرالات الاستيلاء على وزارتي الحرب والخارجية، ما يؤكد أن غانتس والجنرال غابي اشكنازي سيكونان حجر زاوية في مسألتين: الأولى التعامل مع الفلسطينيين والثانية التعامل مع العرب في المنطقة، وكله لصالح تنفيذ مخرجات صفقة القرن التي عكف على اعدادها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يبدو أيضاً انه دبر أمر اتفاق غانتس مع نتنياهو، تحت غطاء أزمة “كورونا”.
وكان غانتس وبعد لقائه بالرئيس الأمريكي تحدث حرفيا عن تواصل للتنسيق مع ملك الأردن بمجرد أن يصبح في الحكومة وبعد الانتخابات الثالثة المبكرة (في مارس الماضي)، كما اكد على عمله على ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، كل ذلك بدا في حينه ترتيبا يبدو جنرال إسرائيل واثقا منه اكثر من كونه مرشحٌ بانتظار الانتخابات.
بهذا المعنى، وفي الوقت الذي يتولى فيه نتنياهو التطبيع مع السعودية والامارات والبحرين وسلطنة عُمان وفق المصادر الإسرائيلية، يبدو بأن غانتس سيكون اللاعب الأساسي ووفقا لترتيب صهر الرئيس الأمريكي في التنسيق مع الدول التي اسقطها نتنياهو من تنسيقاته السابقة، والتي على الأغلب سيكون الأردن على رأسها، باعتباره أساس في صفقة القرن المذكورة بما فيها من تسهيل حياة الفلسطينيين وإقامة مشاريع مشتركة، والاهم لاهميته في ملف غور الأردن الذي تريد له الإدارة الامريكية والتحالف الإسرائيلي الجديد أن يتحول لأراضٍ إسرائيلية خالصة.
هذا معناه على الاغلب ان الأردن ومصر قد تكونان محطات تنسيق من حليف نتنياهو بعد بروز واضح بعدم قدرة نتنياهو نفسه والليكود من خلفه على إقامة علاقات مع البلدين الوحيدين الذين تجمعهما اتفاقيات سلام مع الإسرائيليين.
هذا يبقى الخطة الإسرائيلية للمشهد العربي، يبقى السؤال المطلوب الإجابة عليه، هو ما هي الخطة العربية للمشهد ذاته بعد كل ما ورد آنفا؟ هل سيقتنع صانع القرار الأردني مثلا بأن غانتس المتحالف مع الليكود اليوم قد يقدم أي جديد له وعل قاعدة الجلوس على الطاولة خير من عدم التواجد عليها؟ أم ان النصف الممتلئ من الكأس بات اقل من ان يرى؟. كل ما ورد على الاغلب يحتاج لشهور قبل مروره وحصوله، خصوصا ان صدق اتفاق غانتس- نتنياهو حول حكومة طوارئ لستة اشهر لا تتعامل الا فقط مع تداعيات انتشار فايروس كورونا.
ولكن طرح السؤال يبقى محقاً ويبقى على صانع القرار الأردني ان ينظر فيه ويحدد موقفه قبل مضي الازمة الحالية، خصوصا وهو اليوم يستورد الغاز من حكومة الرجلين رغما عن إرادة الشارع الذي طالب مرارا باسقاطها.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية