هل دخلت حركة “أنصار الله” الحوثيّة على خطّ الأزمة الأوكرانيّة
قصف مُنشآت نفطيّة في الرياض العاصمة ومدينتيّ جيزان وأبها في الجنوب بتسع طائرات مُسيّرة يمنيّة أرسلتها القِيادة العسكريّة لتحالف حركة “أنصار الله” الحوثيّة، وفي وقتٍ ينشغل فيه العالم بأسْره بالأزمة الأوكرانيّة، والمخاوف من تطوّرها إلى حربٍ عالميّةٍ نوويّة، هذا القصف، من حيث توقيته، يُوجّه رسالةً قويّةً “يمنيّة إيرانيّة” إلى الولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين والعرب، يقول مضمونها “إننا جاهزون، وقادرون للدّخول بفاعليّةٍ في هذه الحرب، والتّأثير في مسيرة تطوّراتها، وفقًا لمصالحنا وعلى رأسها رفع الحِصار عن بِلادنا وهزيمة المحور الأمريكي”.
***
نشرح أكثر، ونضَع الأمور في نِطاقها الصّحيح، من خِلال التّركيز على عُنصر التّوقيت الذي اختاره الحوثيّون بدقّةٍ فائقة ونتوقّف عن ثلاث نقاط:
أوّلًا: يأتي هذا الهُجوم الثلاثي على مُنشآت نفط شركة “أرامكو” العمود الفِقري للصّناعة النفطيّة السعوديّة، في وقتٍ ترتفع فيه أسعار النفط بمُعدّلات قياسيّة، حيث وصل سِعر البرميل حواليّ 140 دولارًا، وهُناك تنبّؤات بأنّه قد يكسر حاجِز الـ 200 دولار قريبًا.
ثانيًا: مُشاركة قوّات خاصّة سعوديّة في عمليّة استخباريّة لنظيرتها الأمريكيّة لإطلاق سَراح فتاتين أمريكيّتين (من أُصولٍ يمنيّة) كانتا مُحتَجزتين في مكانٍ سرّي في العاصمة صنعاء، ونقلهما إلى عدن، ومن ثمّ إلى الرياض، وسط مهرجان إعلامي سعودي احتِفالًا بهذا الإنجاز، وهي العمليّة التي شكّلت اختِراقًا مُؤلمًا لأمن العاصمة اليمنيّة.
ثالثًا: إعلان السّلطات السعوديّة اليوم السبت عن تنفيذ حُكم الإعدام في 81 شخصًا بينهم خليّة يمنيّة تابعة للحركة “الحوثيّة” مُكوّنة من سبعة أشخاص، بتُهمة الإقدام على “أعمالٍ إرهابيّة” لزعزعة استِقرار البلاد وأمنها وقتْل أبرياء.
الأمر المُؤكّد أن العامل الأوّل، أيّ استِهداف المُنشآت النفطيّة السعوديّة بالمُسيّرات، وإصابة أهدافها بدقّة، وإشعال حريق بمصفاة الرياض، هو العُنصر الأهم والأقوى الذي يقف خلف الرّسالة الحوثيّة اليمنيّة، ولزعزعة استِقرار أسواق النفط، وإفشال الجُهود الأمريكيّة الجبّارة المَبذولة حاليًّا لخفض الأسعار بمُمارسة ضُغوط على حُلفائها في الخليج، وخاصَّةً السعوديّة والإمارات لزيادة إنتاجهما، وهذا لا يعني نفي أهميّة العُنصرين الآخرين، أيّ الرّد على عمليّة الإفراج عن الفتاتين الأمريكيتين، وإعدام “الخليّة الإرهابيّة” الحوثيّة المزعومة، فاليمن بطبعه، حُوثيًّا كانَ أو غير حُوثيٍّ، يثأر لضحاياه ولكرامته، “ولا ينام على ضيم” لما يتّسم به من شجاعةٍ وإقدام.
مصدر يمني مُطّلع، ورفيع المُستوى، أكّد لنا ما ذكرناه آنفًا، وأضاف قائلًا “إذا لم نتحرّك الآن، ونستغل هذا الظّرف العالمي المُتأزّم، ونعمل على رفع الحِصار عن أهلنا بكُلّ الوسائل، فمتى نتحرّك إذًا؟”، وأضاف “هذه الأزمة الأوكرانيّة جاءتنا هديّةً من السّماء، ولن تتفاجأوا إذا قُمنا بعمليّاتٍ أُخرى أكبر حجمًا وتأثيرًا في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة”.
لا نعرف ما إذا كانت هذه العمليّات الهُجوميّة المحسوبة بعنايةٍ فائقة جاءت بالتّنسيق مع إيران الحليف الدّاعم لحركة “أنصار الله” الحوثيّة، وبداية التّصعيد، بعد تبخّر الآمال بالتوصّل إلى اتّفاقٍ نوويٍّ شامِل وقريب في مُفاوضات فيينا، ووقوفًا في الخندق الروسي في الأزمة الأوكرانيّة في الوقت نفسه رُغم أن السعوديّة المُستَهدفة بهذا الهُجوم رفضت طلبًا أمريكيًّا بزيادة إنتاجها لتخفيض الأسعار وقاومت الضّغوط الجبّارة للخُروج من اتّفاق “أوبك بلس”، وفكّ التِزامها وشراكتها مع موسكو في هذا المِضمار.
***
حركة “أنصار الله” الحوثيّة ربّما تُقدّم بهذا الهُجوم أوراق اعتِمادها للانضِمام إلى المُعسكر الروسي عبر هذه المُسيّرات التّسع، وفي الوقت المُناسب، وإن كان ما زال من المُبكر القول إنها ستقبل فورًا، بالنّظر إلى موقف موسكو “شبه المُحايد” في الحرب اليمنيّة حتى الآن مُراعاةً للجانب الإماراتي السعودي، وحِرصًا على التّنسيق معه في المِلف النفطي.
البيان الرسمي السعودي الذي بثّته وكالة أنباء “واس” الرسميّة، حاول التّقليل من آثار هذا الهُجوم، والقول إن المُسيّرات الثّلاث التي ضربت مِصفاة “أرامكو” جنوب الرياض لم تُعَطّل العمل فيها، وأسفرت عن إشعال “حريق صغير” فقط، وهذا البيان، بغضّ النّظر عن دقّته أو عدمها، لا يخفي حقيقة لا يُمكن نُكرانها، وهي أن هذه المُسيّرات نجحت في اختِراق كُل المنظومات الدفاعيّة السعوديّة في العاصمة، التي من المُفتَرض أن تكون الأكثر تحصينًا، وإصابة أهدافها بدقّةٍ مُتناهية.. واللُه أعلم.